رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تكريم المتميزين .. وإشهار المتكاسلين

تكريم المتميزين من أصحاب الأداء العالي، سمة حسنة حثنا عليها الدين الإسلامي، والله ـــ تبارك وتعالى ـــ عندما يكافئ عباده في الآخرة بدخول الجنة، إنما يكافئهم على ما قدموا خلال معيشتهم. وفي هذه الدنيا قد يستخدم التكريم لعدد من الأسباب، منها التقدير والاعتراف بنجاح الشخص المكرم وإشهار ذلك النجاح، والأهم من ذلك حث الآخرين على السير على خطى الناجحين، حتى يخدموا أنفسهم وأمتهم، وقد يكون التكريم بأشكاله المختلفة المادية والمعنوية نوعا من أنواع مقابلة الإحسان بالإحسان. لكن عندما يكون التكريم لا فائدة منه، أو لا أثر له في رفع معنويات الأشخاص والجهات الأخرى لتذوق طعم النجاح، فإننا يجب أن نتجه إلى نوع آخر من أنواع الإشهار, الذي يكون في ظاهره نوعا من العقاب، وفي باطنه محفزا قويا على رفع الأداء. والاشهار لا يكون بقصد التشهير السيئ، لكن بقصد التعريف والتحذير من الوقوع فيه، وكما يقال:

القدح ليس بغيبةٍ في ســــــــتةٍ
متظلم ومعـــــــــرِّفٍ ومحــــــــذرٍ
ومجاهر فِسقاً ومستفتٍ ومن
طلب الإعانة في إزالة منكر

الفكرة تتلخص ـــ ببساطة ـــ في إعداد قائمة سنوية حول الجهات الحكومية وتقييم أدائها في تقديم خدماتها للمواطنين، بناء على تقارير الأداء، والإنتاجية ورضا العملاء. بشرط عدم المساس بالأشخاص، لأن الهدف نبيل، وهو تحسين الأداء وتطويره، لا التشهير بمفهومة السلبي. كثيرة هي المقاييس العلمية التي تهدف إلى قياس الأداء، بخلاف المقاييس المالية المعروفة, ففي القطاعات الحكومية والقطاعات الخدمية، لا يكون القياس المالي مناسبا لمعرفة نجاح أو فشل أو تخاذل الجهة عن أداء المهمة الموكلة إليها، فيجب أن نستخدم هنا مجموعة المقاييس الأخرى التي تعكس مدى تحقق الأهداف والخطط المرسومة، ومدى فاعليتها. وأعلم أن معهد الإدارة لديه مركز للبحوث يهتم بتطبيق مقاييس الأداء غير المالية، وهي تستخدم حتى في القطاعات الربحية، ومن أبرزها بطاقة الأداء المتوازن أو ما يعرف بـ balanced scorecard، وهي كما يقول الصديق العزيز الدكتور علي عبد المتعالي، وهو باحث متخصص في هذا المجال: ''إنها إطار استراتيجي ينظر من خلاله إلى المنظمة بشكل شمولي ومتوازن لا يركز فقط على تحقيق الأهداف المالية قصيرة الأجل، بل يهدف إلى تحقيق ما وراء ذلك من أهداف تعكس أداء المنظمة طويل الأجل كرضا العملاء وضمان جودة المنتج أو الخدمة وتحسين أداء الموظف، وذلك من خلال عدد من المؤشرات غير المالية''.
كما ذكرت سابقا، فإن تكريم المتميزين, جهات كانت أو أفرادا، لم يعد في هذا الوقت من ضمن المحفزات التي ترفع الهمم, فلماذا لا نجرب طريقة أخرى قد يكون لها أثر أوقع في نفوسنا؟ فالنفس العربية تخاف من ذكر المساوئ، والأغلبية ترضى بالمستوى المتدني إنتاجية وعطاء، لكن لا ترضى أن تظهر للناس بهذه الحقيقة, إضافة إلى ذلك فإن إشهار الخطأ قد يفتح الباب لدراسة الواقع، واكتشاف المسببات وراء ذلك، والسعي إلى إصلاحه. إن معرفة الخطأ الذي وقعت فيه المنشأة ومسبباته، لا يعني إيقاع العقوبات دائما, إنما يراد منه معرفة مسببات الوقوع في الخطأ والطرق الصحيحة لتلافيها مستقبلا.
لنستخدم النظرة الإيجابية في معالجة أخطائنا لعلها تكون بابا لإعلاء الهمم والمنافسة على التميز، فبعض المسؤولين يتنطعون بذكر الإيجابيات التي يفترض أن يحققوها، أو التي لا يراها سواهم، ولا يلتفتون إلى الأخطاء أو القصور الحاصل في إداراتهم. وعندما تُكشف هذه الأخطاء، يكون مخزونهم من الأعذار والمبررات مملوءا بعبارات التخدير، وإلقاء اللوم على الغير, فلم نر مسؤولا ظهر يوما يعترف بأن الخطأ الواقع في إدارته كان بسبب تقصير في حمل الأمانة، أو تفريط في المسؤولية.
ولأنكم ـــ قرائي الأعزاء ـــ من تعايشون هذه القطاعات، فأنتم خير من يقيمها, فلنجرب أن نكون إيجابيين في ذكر أوجه القصور، وكشف مسبباته، دون التعرض للأسماء أو الأشخاص، لأن ذكرهم هنا لن يكون حلا، ولن يسهم في تحسين الحال، ولنتذكر أن الهدف هو الإشهار وليس التشهير، ولكم أن تختاروا الوزارة الأضعف أداء، والمؤسسة الأقل جهدا في تطوير خدماتها، واستيعاب حاجة المواطنين، والمستشفى الأضعف، والملحقية الأقل عطاء، وغير ذلك مما يلامس حاجة المواطنين، والأمر لكم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي