أزمة الأنظمة العقارية.. خلاف حول الصكوك في التأجير التمويلي يهدد بإطالة أمدها
تصطدم حالة الترقب التي يعيشها القطاع العقاري السعودي بالاختلاف في وجهات النظر بين مجلس الشورى وهيئة الخبراء في مجلس الوزراء، فيما يخص نقاط جوهرية في مشاريع أنظمة التمويل العقاري الجديدة.
ومن ذلك، رأي هيئة الخبراء بشأن ما ورد في تعديلها للمادة العاشرة من نظام التأجير التمويلي والتي أصبح نصها ''يجوز إصدار أوراق مالية مقابل حقوق المؤجر'' بدلا من ''يجوز إصدار صكوك قابلة للتداول مقابل الأصول المؤجرة'' الوارد في مشروع مجلس الشورى، باعتباره مجرد تعديل صياغي أو لغوي، في حين أن بعض أعضاء مجلس الشورى أبدوا تحفظهم تجاه ما ورد في التعديل وأنه يعد مؤثرا وجوهريا. وحذروا من أن هذا التعديل يعد خللا قانونيا من شأنه فتح ثغرة ستكون مصدر تهديد وخطر للاقتصاد المحلي وعرضة لوقوع محتمل لفقاعة قد تتسبب في حال انفجارهاـ لا سمح الله ـ في إلحاق خسائر خطيرة. وشددوا على وجوب أن يكون إصدار الأوراق المالية مقابل الأصول وليس مقابل حقوق المؤجر، حيث إن إصدار أوراق مالية مقابل الحقوق سيفتح الباب واسعا أمام المشتقات المالية وبيع الديون، ما يؤدي إلى حدوث بالونة جديدة من الانهيارات والأزمات، كما حدث في الأزمة المالية العالمية التي كان سببها هذا الأمر.
وأجل مجلس الشورى على نحو مفاجئ قبل أسبوع تقريبا، حسم التصويت على مشاريع أنظمة التمويل العقاري الجديدة محل تباين وجهات النظر بين مجلسي الشورى والوزراء، إلى ما بعد الإجازة الصيفية للأعضاء وذلك بعد تباين كبير في المواقف داخل المجلس حول ما نصت عليه التعديلات المدخلة على بعض مواد هذه المشاريع التي أحالها مجلس الوزراء بصفة الاستعجال للبت فيها. وبرر المجلس في حينه، على لسان الأمين العام الدكتور محمد الغامدي، تأجيل البت في هذه التعديلات لعدم كفاية رد لجنة الشؤون المالية بشأن ملحوظات الأعضاء وآرائهم تجاه هذه التعديلات. وأبان أن أمانة المجلس، وبعد إطلاعها على تقرير اللجنة بشأن ردها على الأعضاء، وجدت عدم استيفائه لجميع الملاحظات والآراء التي طرحت خلال جلسة مناقشات هذه الأنظمة (التمويل العقاري، مراقبة شركات التمويل، التأجير التمويلي، والرهن العقاري المسجل) وكذلك بعض مواد نظام السوق المالية، وهو الأمر الذي دفعها إلى تأجيل حسم الموضوع ومطالبة اللجنة بإعادة صياغة ردها بشكل كامل وشامل وبتوسع ليغطي جميع أسئلة وملاحظات الأعضاء تجاه التعديلات المدخلة على بعض مواد مشاريع هذه الأنظمة، والتي اشتملت الحذف والإضافة في بعضها وتعديلات صياغية في مواد أخرى.
وحذر بعض أعضاء المجلس خلال جلسة المناقشات، من أن النص المقترح من هيئة الخبراء يعطي حقوقا جديدة وذات تأثير كبير في الاقتصاد بشكل عام، خاصة أنه من المعلوم للجميع أن الأزمة المالية العالمية التي حدثت أخيرا كان أساسها أن هناك قروضا مبنية على حقوق، وهذه القروض أصبحت أضعافا مضاعفة عشرات المرات لهذه الحقوق، وبالتالي فإن إصدار نظام بهذا الشكل، وجعل الحقوق أوسع بكثير من الأصول ستجعل المجال متاحا بشكل أكبر لتداول الأوراق المالية، وبناء قروض وتمويل على حقوق واسعة وليس على الأصول بعينها، وبالتالي تكون مقابل هذه الديون. كما أشاروا إلى أن النص المقترح من الحكومة لا يتعلق بالتمويل العقاري وإنما بالظروف المالية والتمويلية في السوق بشكل عام، وهو الأمر الذي يعد أحد أهم مصادر التوسع اللا محدود في التمويل، وبالتالي سيكون مصدر تهديد وخطر للاقتصاد.
واللافت أيضا هو تراجع لجنة الشؤون المالية في المجلس عن موقفها بشأن ما نص عليه مشروعها الذي أقر في وقت سابق ومسايرتها ما ورد من التعديلات الواردة من هيئة الخبراء على الأنظمة العقارية، في حين أن الأمر كان يتطلب إما تعديلها أو العودة إلى نص مجلس الشورى، وخاصة أن اللجنة شددت في حينه على أنه تم تدقيق كثير من الأحكام الشرعية التي أخذت بها أنظمة التمويل العقاري، قائلة ''المملكة تطبق الشريعة ولدينا في مجلس الشورى الكثير من المتخصصين في الفقه والأحكام الشرعية، وقد أدلوا بآرائهم في مختلف مواد النظام. وقامت اللجنة المالية بالاستعانة بالمختصين في تحسين الصياغة''، كما أكدت أن مشاريع الأنظمة العقارية الأربعة جاءت بأحكام تفادت مشكلات أزمة الرهون العقارية العالمية التي وقعت في الولايات المتحدة ودول أخرى. وأوضحت أن العالم أخذ العبرة من المقرضين الذين اندفعوا في منح الديون وأخذوا مخاطر كبيرة وكيف هزت أخطاؤهم أسواق المال، حيث تسببوا في أزمة عالمية نشأت عن عدم وعي الممولين الكامل بأخطار الإقراض غير المدروس بعناية، منوهة إلى أن مشاريع الأنظمة الجديدة أخذت في الحسبان المخاطر التي قد تتعرض لها الصناعة التمويلية كافة، وقررت على سبيل المثال ألا يمنح التمويل العقاري إلا لمن يملك القدرة على الوفاء، وهذا يحمي المواطن من أن يتورط في ديون لا قدرة لديه على تسديدها، ثم تتحمل الأسواق المالية مخاطر عجزه عن سداد ديونه. كما أكدت في هذا الصدد أن المملكة أخذت الأنظمة بأسلوب متوازن في منح القروض لتحمي المواطن أولا وتحمي الاقتصاد الوطني.
ومعلوم أن أنظمة التمويل العقاري الجديدة تهدف إلى التأثير إيجاباً بما يعالج أزمة الإسكان في المملكة ودفع عجلة التنمية الإسكانية والعقارية لأن ذلك سيؤدي إلى زيادة إسهام الجهات التمويلية في عملية التمويل للإسكان. كما تقدم هذه الأنظمة تنظيماً جديداً لكثير من مشكلات التمويل حيث استحدثت قطاعاً مالياً جديداً وهو شركات التمويل غير البنكية لترفع تنافسية القطاع التمويلي والمصرفي، ما سيحقق مصلحة كبرى للمواطن.