احتفال المحتل بعيد استقلاله
في الرابع من تموز (يوليو) من كل عام تحتفل أمريكا بعيد استقلالها, أو عيد ميلادها كدولة مستقلة ذات كيان، وحكومة لا تخضع لنفوذ أو ضغوط أو استغلال، ويحظى هذا اليوم في كل سنة باهتمام رسمي وشعبي، وتجمعات في الميادين، وإطلاق للألعاب النارية تعبيرا عن الفرح والسرور بهذه المناسبة. وما من شك أن مثل هذه المناسبة تستحق البهجة والسرور, لأنها تمثل لأي شعب, وليس للشعب الأمريكي فقط, ذكرى حميدة, حيث يحس أبناء شعب البلد المستقل بزوال كابوس الاحتلال والاستعمار واستغلال الثروات من قبل أجنبي جاء ليسرق الثروات، ويفرض نظام حياة مختلفا عن نظام الحياة الذي ارتضاه أبناء المجتمع الخاضع للاستعمار.
في ذكرى عيد الاستقلال الأمريكي لعام 2010 احتفل نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن مع الجيش الأمريكي الرابض على الأرض العراقية، وتم الاحتفال في قاعدة فيكتوري أو الانتصار المقامة على أرض الرافدين كأثر من آثار الاحتلال الكثيرة, التي لم تكن لتحدث لبلاد الرافدين وعاصمة الرشيد لولا أن بعضاً من العراقيين, تحركهم مشاعرهم الطائفية وارتباطاتهم الإقليمية والعالمية, تسببوا في هذا الأمر، وأوقعوا بلادهم وأبناء وطنهم في محن لم تنته ولا أحد يعلم متى تنتهي إلا الله. كابوس الاحتلال الأمريكي للعراق وصولات وجولات المسؤولين الأمريكيين في كل زاوية من زوايا العراق، وإقامة الاحتفالات للمناسبات الأمريكية في عاصمة الراشدين, تحدث عاصفة من التساؤلات وتحرك المشاعر التي يستعصي تحريكها، وأول هذه التساؤلات لماذا سميت القاعدة الأمريكية بالانتصار، وعلى من حدث الانتصار؟ هل هو انتصار لأمريكا الإمبريالية على العراقيين؟ أم انتصار لأمريكا الرومية على العرب والمسلمين؟ وهل لاحتلال العراق وتدميره جذور تاريخية وعقائدية، أم أن الأسباب اقتصادية وسياسية فقط؟ هذه تساؤلات عامة تراود الفرد وهو يسمع خبر الاحتفال بهذه المناسبة على أرض العراق، لكن هناك تساؤلات خاصة توجه للعراقيين، الذين جاءوا مع الغزاة، أو الذين دعوا الغزاة لاحتلال العراق، كيف يشعرون وهم يرون المسؤولين الأمريكيين يحتفلون على أرضهم؟ وهل يعتقدون أن الشعب العراقي والتاريخ سيغفران لهم هذا الفعل الشنيع؟ أم أنهم يعيشون نشوة إزاحة النظام السابق ولا يدركون ما يمكن أن تؤول إليه الأمور فيما بعد؟
أما التساؤلات الخاصة بالأمريكان فهي: كيف يسمح الأمريكان لأنفسهم بأن يحتفلوا بعيد استقلالهم على أرض يحتلونها بعد تدمير بنيتها التحتية وقتل الملايين من أبنائها، إضافة إلى إعاقة مئات الآلاف وتشريد الملايين داخل العراق، وخارجه؟ وكيف يستسيغ الشعب الأمريكي الاحتفال بهذه المناسبة التي تمثل له طرد المستعمر والمحتل والتحرر من أصفاده وجبروته في حين يمارس الأمريكان أبشع صنوف القتل والتدمير للعراقيين وللعراق؟! العقل السوي السليم لا يمكنه أن يقبل أو يصدق الشعارات التي ترفعها أمريكا زوراً وبهتاناً حين تدعي مناصرتها حرية الشعوب واستقلالها، وحين تدعو إلى الديمقراطية والحرية. العقل السوي يرى الفعل الأمريكي المتمثل في القتل وسلب الحريات وسرقة الثروات والتراث. العقل السوي يقرأ أرقام الأبرياء الذين قتلتهم الصواريخ والطائرات الأمريكية، ويقرأ أرقام المصابين بالعاهات والأمراض المستعصية كما حدث لأبناء مدينة الفلوجة وغيرها من مدن العراق, الذين استعمل معهم المحتل الأمريكي الأسلحة المحرمة دولياً إلا على أمريكا التي ضربت مثالاً صارخاً في خروجها على القانون الدولي والقيم الإنسانية.
إن ما تبشر به أمريكا من حرية وديمقراطية وحياة رفاهية للشعب العراقي، وجدها العراقيون ألغاماً تنفجر تحت أقدامهم، وصواريخ تهدم بيوتهم، وتدمر مستشفياتهم ومدارسهم ومساجدهم. البشارات الأمريكية أصبحت أوهاماً لا حقيقة لها على أرض الواقع سوى مواكب الجنائز وطوابير الفقراء الذين فقدوا كل شيء في حياتهم. أمريكا تحتفل بعيد استقلالها في الرابع من تموز (يوليو) لكن التاسع من نيسان (أبريل) يمثل للعراقيين كارثة سيدونها التاريخ في سجلاته وستدرس للأجيال القادمة كأبرز مثال للأحداث الكارثية التي حلت وتحل بالشعوب على مدى تاريخ الإنسانية.
إن ما تمارسه أمريكا في العراق وفي أنحاء متعددة من العالم لا يمثل خللاً في السلوك فقط، بل إنه يمثل خللاً في التفكير والثقافة التي يحتكم إليها الساسة الأمريكيون ويجعلونها شعاراً لهم في مناسباتهم وفي أيام انتخابات الرئاسة حيث يرفعون شعار المصلحة الأمريكية حتى لو كانت هذه المصلحة على حساب قوت الشعوب والفقراء والمحرومين.