نحو حوار اقتصادي صحي بين المؤسسات الأكاديمية والمستشفيات التعليمية
التفاعل بين الجامعات والمستشفيات التعليمية لإظهار المشكلات ومناقشة الاحتمالات لإيجاد حلول على المدى البعيد، قد يكون نقطة تحول إيجابية لمصلحة طلاب اليوم والممارسين بالغد. من الناحية النظرية الربط بين الكليات والمعاهد والأكاديميات الطبية أو الصحية التي تسير على الطريق نفسه مع المستشفيات التعليمية، قد يكون ممكنا لوجود مصالح مشتركة على أرض الواقع. لكن لأننا نعيش في العالم العربي, فلا بد من أن تنشأ مفاهيم شخصية توجد الاختلاف، وعدم القدرة على تحديد الأولويات، والتفرد في القرارات، فنصبح بذلك أكثر اختلافا, بل قد يقود ذلك إلى الخلاف. بالطبع قد يخسر المريض في خضم هذه الاختلافات في جودة الخدمة، لكن أرى أن الخاسر الأول هو التعليم الطبي أو الصحي. حيث إن أولى نتائج هذه الخسارة هي عدم القدرة على توظيف الموارد لإيصال الرسالة الصحيحة بالطريقة الصحيحة في الوقت المناسب. هذا يعني عدم القدرة على تقديم خدمات الرعاية الصحية بشكل ناجع ومُجوّد، ما يستدعي دعواتنا إلى رأب الصدع، وتلاقي المسؤولين، وإعادة تشكيل العلاقات البينية، وزيادة التقارب في تبادل المتخصصين، وترجمة ذلك إلى اتفاقيات تعاونية ... إلخ. هذا بدوره يعيدنا مرة أخرى في كل محاولة إلى ترتيب البيت من الداخل, ونجد أن المشكلة العودة لدوامة الـ ''أنا''، مصدر إزعاجنا، وأكبر معوق لمشاريعنا, إضاقة إلى تحقيق الفائدة الاجتماعية بطريقة غير مدروسة بشكل جيد.
من المعروف أن المرافق الصحية تعاني ضغوطا متزايدة بطلب خدمة صحية جيدة، والالتزام بالميزانية المخصصة لها، وفتح الأبواب أمام أبناء الوطن للتدريب مع الإشراف والمتابعة، والاهتمام بالوقت المتاح والمخصص لتقديم الخدمة للجميع، وغير ذلك من العوامل المؤثرة والقاسية على مستوى المخرجات. هذا ولد توترا في بيئة العمل لا يعرفه إلا منسوب الجهة أو الممارس للعملية التعليمية. ولقد أوجد بدوره حالة من عدم الرضا الوظيفي للمنسوب أو القائم على التدريب سواء في الصرح التعليمي أو المرفق التدريبي. فيقع الطالب في الفجوة التي شكلها الكبار بعكس المثل الشعبي المعروف ''يحفرها الصغار ويقع فيها الكبار''. على الرغم من تقاضي مرافق التدريب عن كل متدرب في سنة الامتياز أو التدريب المكثف مبلغا يوازي خمسة آلاف ريال نظير تلقي تدريبه. حيث يساعد ذلك على دعم ميزانية المرفق الصحي، إلا أن المبدأ مرفوض أصلا في كثير من المواقع. بعضهم يرجعون السبب إلى مستوى الطلاب غير المشجع أو المحفز على استيعابهم وتدريبهم. والآخرون لا يستطيعون إدارة الوقت ومواءمة الإعداد للمساحات والإمكانات المتوافرة. هنا يمكن القول إن وضع خطط تنفيذية تبدأ بورش عمل لإذابة المشكلات وتهيئة المتسبب في المشكلة سيبعدهم عن سوء التقدير أو عدم الكفاية في دراسة أوضاع الطلاب، مع تعويدهم على التنسيق التام والمباشر والمستمر مع الجهات المعنية ليتمكنوا من قطف الثمار وهي ناضجة. كما يجنب الجهات المصدرة للتنظيمات التشريعية في التعليم الطبي إصدار أي قرارات إلا بعد دراسة محتواها وآلية توزيعها والتوقيت المناسب لذلك. وبالتالي تكون الخدمة الصحية جزءا من التعليم العالي أو الجامعي, وكذلك بالعكس. وهذا ما سيجعلنا نتجاوز أول المنعطفات الصحية في طريق الممارس الصحي.
أرى أن في الأفق فرصا يمكن أن تعيد بناء الثقة بين الطرفين, فإذا استطعنا أن نبرز أهمية البحث العلمي للمشكلات الإدارية الصحية والسريرية وحاولنا إقناع المسؤولين في المرافق الصحية بذلك, فإننا نتقدم خطوة مهمة على المستويين الأكاديمي والإكلينيكي لوجود الأهداف المشتركة بين الجانبين. الاستفادة من المواد الخام كالبيانات وتحليلها والأحداث السابقة ومقارنتها باللاحقة للبحث عن نمط يجعلنا نفهم طبيعة العلاقة أكثر أو غير ذلك من المعضلات الصحية الأخرى. وبعرض مشاركة الطرفين في نشر البحث العلمي إداريا كان أو فنيا أو طبيا، لتوطيد العلاقة وإعطاء قوة لنتائج البحث وتوثيقا علميا في مكتبتي الكلية أو الأكاديمية والمرفق الصحي، سيكون الحافز للانتشار والشهرة. كما أن البرامج التشغيلية في حاجة مستقبلا إلى كل هذه الكوادر في الموقع ذاته أو مواقع أخرى. وإذا ما فكر المسؤولون فيها من هذه الزاوية فسنقترب خطوة مهمة أخرى على المستوى التشغيلي للموارد البشرية, حيث يتضح للجانبين الالتزام المتبادل تجاه الكوادر آنيا ومستقبلا. استخدام الشبكات الاجتماعية أصبح أحد الحلول في تكريس الثقة وإيجاد الفرص في تلاقي الأباعد. بهذه الآلية ـــ حسب الدراسات ـــ يمكن أن تتحسن المهارات في الأداء والتواصل فتضيق الفجوات بفرض التعاون وترحيل هموم المسائل المالية إلى أوقات لاحقة، وتعويد غير المحبين للبحث والدراسات على مناقشة الطروحات كافة بما يعود عليهم بالفائدة ويحفزهم على بذل مزيد من الجهود.
حقيقة لو أن الإداريين سألوا أنفسهم: ما جدوى تدريب الأطباء والإخصائيين الصحيين خلال الدراسة، وبشكل مكثف بعد إنهاء متطلبات الدراسة، لوصلوا لقناعة تامة بأهمية هذا الواجب، ولأوجدوا الساعات اللازمة ولوضعوا الجداول المناسبة، ولبحثوا عن كيفية تفاعل وتجاوب مستشفيات ليست بالضخمة في كثير من الدول مثل كندا والدول الأوروبية مع تزايد أعداد الطلاب سنويا. من ناحية أخرى نظموا كيفية تحقيق مصالح المرضى والطلاب والكليات أو الأكاديميات, خصوصا أن لدينا الإمكانات المادية والمكانية والبشرية, ولا ينقصنا سوى تسخير العقل للتفكير في ذلك. والله المستعان.