تنظيم مفهوم الشراكة بين القطاعات الحكومية والخاصة والمدنية
رئيس تنفيذي لإحدى الشركات الكبرى يقول لي إن مفهوم الشراكة لدى بعض مسؤولي الأجهزة الحكومية لا يتعدى توفير رعايات مالية لبرامجهم وأنشطتهم وإذا لم تدفع الرعايات المقررة ستواجه عقد الروتين والإجراءات المعوقة التي تتعدى تكاليفها تكلفة الرعايات المطلوبة أضعافا مضاعفة، بينما يقول مستثمر إن الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص تعني أن يتحمل المستثمر المخاطر الاستثمارية كافة دون مميزات تذكر وأن عقود الشراكة لا تتعدى أن تكون عقود إذعان تحمي الطرف الحكومي فقط الذي يغير قراراته حسب المتغيرات.
مسؤول في أحد الأجهزة الحكومية يقول لي إن مفهوم الشراكة لدى المستثمرين هو أن نُقدم لهم كافة التسهيلات والامتيازات، ونُطوع لهم السياسات والتشريعات، ونوفر لهم الإمكانات، ونكسِر لهم الإجراءات النظامية لنختصر الزمن ليحققوا مكاسب شخصية كبيرة على حساب المجتمع والوطن وكم من شراكة أعلنت بين القطاعين الحكومي والخاص لتطوير مشروع يقدم خدمات أو منتجات مطلوبة بجودة مناسبة وأسعار معقولة لصالح أفراد المجتمع انتهت بمشروع مختلف تماما كحل وسط بعد أن ماطل المستثمر وجادل واستخدم كافة علاقاته ليصل إلى ما يريد على حساب المصلحة العامة.
مسؤولون كثر يعملون في مختلف مجالات العمل الخيري قالوا لي أكثر من مرة إنهم لا يشعرون بمفهوم الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص والمجتمع المدني وأفراد المجتمع في تحقيق الغايات التنموية بكافة آفاقها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، حيث يشعرهم الجميع بأنهم يعملون لصالحهم وأنهم حمل ثقيل ومزعج لمطالبتهم الأجهزة الحكومية بإصلاح وتطوير الأنظمة والإجراءات وتقديم الخدمات لحل المشكلات والتصدي للقضايا قبل أن تتفاقم، وأنهم يستجدون القطاع الخاص وأفراد المجتمع بالتبرعات المالية والعينية، نعم يقولون نشعر بأننا نستجدي لجيوبنا رغم أننا نعمل لتحقيق غايات تنموية في غاية الأهمية خصوصا في مجال الحد من المشكلات مثل مشكلات الفقر والطلاق والعنوسة والعنف الأسري واليتم والبطالة وحماية المستهلك وغيرها كثير.
نعلم جميعا أن طائر التنمية يحلق عاليا بجناحين وذيل ودون أي منهما لا يمكن أن يحلق عاليا ليصل إلى الغايات المنشودة والجناحان من وجهة نظري هما القطاعان الحكومي والخاص، بينما الذيل هو قطاع المؤسسات المدنية ووصفه بالذيل هنا ليس تقليلا من شأنه ولكن من باب نسبة مساهمته بالتنمية مقارنة بالقطاعين الحكومي والخاص والذيل بالنسبة للطائر والطائرة مهم كأهمية الجناحين فبدونه لا تحليق في الأعالي ولا وصول إلى الغايات المنشودة. ومن الواضح أن علاقة الشراكة بين قطاعات طائر التنمية الثلاثة ليست على ما يرام إن لم تكن سيئة رغم أن الشراكة أصبحت قضية غاية في الأهمية في اختصار الوقت والجهد والمال للوصول للغايات التنموية، وخصوصا أن الأجهزة الحكومية مهما توافر لها من موازنات وكفاءات بشرية عظمت درجة كفاءة توظيفها لا تستطيع بحال من الأحوال تمويل وتطوير وتشغيل كافة المشاريع التنموية في الأوقات المناسبة، فما بالنا وأن الحال ليس كذلك، حيث الهدر الكبير في الموازنات نتيجة ضعف الكفاءات البشرية وكلنا يرى أن ''كوبري'' لا يستغرق تنفيذه أكثر من ثلاثة أشهر في الدول الأخرى يستمر إنشاؤه أكثر من ثلاث سنوات لدينا.
بعض الدول مثل لبنان وعلى لسان مسؤوليه أصبحت الشراكة بين القطاعين العام والخاص فيها تشكل بنداً أساساً في مشروع الموازنة العامة لتنفيذ المشاريع الاستثمارية خصوصا تلك المتعلقة بالبنية التحتية، بعض الدول تعفي دافعي الضرائب إذا دفعوها لصالح مؤسسات المجتمع المدني لعلمهم أن تلك الأموال ستحقق نفس الأهداف التي تسعى الحكومة لتحقيقها وبدرجة كفاءة أعلى من قبل هذه المؤسسات المهمة والفاعلة في تحقيق الأهداف التنموية، بينما ما زلنا ننظر و ما زلنا نتعامل مع الشراكة كمفهوم عائم لا تنظيم له.
تنظيم مفهوم الشراكة بين القطاعات الحكومية والخاصة والمدنية أصبحت قضية مهمة وتحظى باهتمام كبير من قبل الحكومات والمجتمعات والمراكز البحثية في مختلف أنحاء العالم بعد أن اتضح أن عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية تعتمد على حشد وجمع كافة إمكانات المجتمع بما فيها من طاقات وموارد وخبرات كل من القطاعات العامة والخاصة والمدنية لتشارك في تنظيمات مؤسسية، حيث لا يمكن ترك تأويل مفهوم الشراكة للآراء والمواقف الشخصية من قبل المسؤولين في الأجهزة الحكومية والمستثمرين والقائمين على المؤسسات المدنية وما يترتب على هذه التأويلات من أخطاء وفشل معوق ومثبط ومعطل لهذا المفهوم وحرمان أفراد المجتمع من فوائده.
مؤتمر الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي أقيم في دولة قطر خلص إلى جملة من التوصيات الجيدة التي يمكن الانطلاق منها لمؤتمر مماثل في بلادنا لوضع التشريعات والأنظمة اللازمة للشراكة لتصبح لدينا صيغ نظامية متاحة ومطبقة تؤدي إلى تمكين القطاعات الحكومية والخاصة والمدنية من بناء شراكات تخفف من حدة التحديات والصعوبات التي تواجهها وهي منفصلة قطاعياً في تحقيق الأهداف التنموية بالمستويات الطموحة المستهدفة.
ختاما يرى كثير من الباحثين أن موضوع الشراكة ما زال في المراحل الأولى لوضع مبادئ وقواعد ونظم موحدة تحكم وتنظم أشكال الشراكات المتنوعة بين القطاعات العام والخاص والمدني، بحيث تشمل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية كافة، وكلي أمل أن يبادر مجلس الغرف التجارية بالتعاون مع الهيئة العامة للاستثمار ووزارة الشؤون الاجتماعية بتنظيم مؤتمر الشراكة بين القطاعات التنموية الثلاثة للوصول إلى أفضل صيغ نظامية لمفهوم الشراكة في بلادنا ورفع التوصيات لمؤسسات صناعة واتخاذ القرار في بلادنا لإيجاد التنظيمات المؤسسية والتشريعات والنظم المحفزة لشراكات متعددة تقوم على أسس نظامية متينة وحوكمة جيدة ومساءلة شفافة ومنفعة متبادلة.