الإدارة المتسلطة
تتسم عملية الإدارة بأنها العمل المنظم الذي يسعى إلى تنسيق الجهود والبحث عن الفرص المناسبة للوصول إلى الهدف العام، وتحقيق الأهداف المشتركة والمرسومة مسبقا. لكن بعض المديرين لا يعون هذا الفكر، وينهجون الأسلوب التسلطي في الإدارة، أو أسلوب المدرسة الفرعونية في الإدارة. وهم حقيقة يشتركون مع فرعون في عديد من الصفات التي تحرمهم طعم الإنجاز والنجاح الدائم. وسنأتي على بعض هذه الصفات المشتركة، التي تؤثر في عجلة الإنتاج وتقتل الرغبة في الإبداع لدى الموظفين.
يقول الله - تعالى - في وصفه فرعون ''قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ) سورة غافر- آية: (29). وهذه الصفة الأولى التي يشترك فيها أصحاب هذه المدرسة الإدارية، فهم يرون أن آراءهم هي الصحيحة وهي الصواب، وأن غيرهم على خطأ مع عدم البحث والتقصي, وهذا فيه عدم ثقة بالمرؤوسين, ما يقتل إبداعهم.
المدير المتسلط لا ينسى خطأ الموظف ويسمه دائما بهذا الخطأ، ويهز من ثقته بنفسه، ويحرمه من الفرص التي قد تكشف عن الإبداعات التي يملكها هذا الموظف. يقول -تعالى - على لسان فرعون لموسى - عليه السلام - ''وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ'' سورة الشعراء - آية: (19).
المدير المتسلط لا يثق بمرؤوسيه، ويعتقد أن أي تصرف من قبلهم موجه ضده مباشرة، وهو هنا لا يدع مجالا للاجتهاد والتطوير لدى موظفيه. قال - تعالى- ''قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ'' سورة الأعراف ـ آية: (123).
المدير المتسلط إذا لم يستطع الخروج من المأزق وشعر بأن الأمور تسير في غير مصلحته، بحث له عن كبش فداء ليتحمل المسؤولية عن الأخطاء، وينتهي به الأمر وقد نال أقسى العقوبات. وهذا مصداق لقول المولى - عز وجل- ''يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ'' سورة الشعراء ـ آية: (35).
ومع وجود المدير المتسلط, فهناك أيضا الزمرة التي تسعى إلى كسب رضا هذا المدير، وهي دائما مبدأ كل فتنة، وذلك لسعيها إلى كسب الرضا والقبول والتقرب من هذا المدير، حتى على حساب الحق والمصلحة العامة. وينطبق عليهم قوله ـ تعالى ـ ''وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ'' سورة الأعراف - آية: (127). وعادة مهما تكون تصرفات هذا المدير ظالمة أو بعيدة عن المنطق، فإن وجود مثل هذه الزمرة يكون دائما سببا في تغليظ العقوبات وزيادة الظلم.
وآخر هذه الصفات أن المدير المتسلط عندما يسقط ولو بعد حين، فإنه يكون سببا في الإيقاع بكل من حوله، ويصبح ضرره نافذا ومتعديا حتى بعد زواله، قال ـ تعالى ـ ''وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ'' سورة البقرة - آية: (50).
هذة الصفات جزء من الشخصية الفرعونية، التي اكتسبها بعض من مديري هذا الزمن، فلو اعتبروا بهذه القصص لما وقعوا في فخ الإدارة التسلطية وإدارة الشك والرأي الأوحد.
ختاما.. إن ممارسة الإدارة من الأمور الصعبة في الحياة، لأنها لا ترتبط بمصير الشخص فقط, بل تصبح متعدية إلى مصير كل من يقع في دائرة هذا الشأن، لذلك يجب على كل مدير أن يرى نفسه وأن يقارن بين عطائه وعطاء الآخرين، وليعلم أنه لن يجني من عمله إلا دعاء الناس.
والمجال مفتوح لكم أعزائي القراء لإثراء هذا الموضوع من خلال أطروحاتكم المميزة على موقع الصحيفة الإلكتروني.