خلاصة الأيام
هناك الكثير مما تقوله إيزابيل الليندي الكاتبة الأمريكية ،التشيلية الجذور في كتابها "سراب الأيام"، وهو يشبه السيرة الذاتية، ولعل من الأمور اللافتة في الكتاب حديثها المسهب عن حياتها مع زوجها. في هذا الكتاب تجد إنسانة حزينة ومتعبة، وجدت سعادتها أخيرا مع زوج تقدره ويقدرها. لكن التقدير والحب لا يمنحان الزوجين حصانة ضد المشكلات التي تحدث أحيانا لأتفه الأسباب. هنا تصوغ إيزابيل الليندي جانبا من مشكلاتها مع زوجها، وهذا محور من محاور "سراب الأيام" ولكن اللافت في السرد هو كم الصدق في الحديث عن المشكلات الزوجية التي جعلت إيزابيل تفكر في الطلاق ثم اكتشفت أن هناك سبلا أخرى للعلاج. تشاركت إيزابيل مع زوجها من أجل محاولة الحفاظ على تجربتهما. كان الخيار الأبرز الذي استحضره الزوجان، أنه لا غنى لهما عن بعض. واستطاعا أن يعيدا صياغة مشكلاتهما بمساعدة معالج نفسي. لم تختف المشكلات، ولكن إيزابيل تعترف بأنها غيرت ردود أفعالها تجاه مبادرات زوجها التي تخصها أو تخص سواها. اكتشفت إيزابيل أنها تدس أنفها في تفاصيل قد لا يكون لها تأثير مباشر فيها. هذا الشيء الذي تنقله الروائية المميزة إيزابيل الليندي هو أمر إنساني قد يحدث في لوس أنجلوس أو الرياض أو ممباي أو المنامة. هنا نحن نتحدث عن ذوات تتحرك، بعضها يتسامى وبعضها يبالغ في التنطع. هذا الأمر يفضي إلى انهيار مؤسسة الزواج القائمة بين طرفين. كل الإحصاءات في العالم العربي تؤكد أن حالات الطلاق في ازدياد. لا يمكن هنا تحميل طرف تبعات المشكلة كاملة... وفي النهاية لا يمكن صياغة نوع من التآلف ما لم يتعلم المرء من دروس الماضي. أقصد أن المشكلات التي تحدث ينبغي أن تساعد المرء على عدم الوقوع في المشكلة ذاتها مرة أخرى. في أغلب الأحوال، تؤكد دراسات اجتماعية عدة أن الإلحاح على مشكلة ما وتضخيمها يجعلان أحد الطرفين لا يرى إلا هذا الجزء وتتوارى عنه كل الإيجابيات. هذا الحول العقلي فاقم من ظاهرة الطلاق التي زلزلت بيوتا عدة في مجتمعاتنا. متى يتعلق المرء بكاتب أو روائي ما؟ عندما يشعر أن هذا الكاتب يشبهه تماما وأنه يحكي عن تجارب ليست مستوردة من المريخ. إيزابيل ليندي من هذا الصنف، إنها تروي مشكلاتها فتلفت انتباهنا من خلال تفاصيلها بهذا التشابه الحاد بينها وبين تفاصيلنا. القراءة تفتح فضاءات مفعمة بالجمال. لا بد أن تتحول هذه العادة إلى سلوك يومي للجميع. الأمر يستحق أن يخوض غماره من لم يجربه من أجيالنا الجديدة.