رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ضبط مناقشة الطبيب للمريض في تكاليف العلاج

بدخول القطاع الخاص في تقديم الخدمات الصحية بكل أنواعها, ودخول شركات التأمين في إصدار بوالص للتأمين على صحة الفرد كنوع من تنظيم وتقنين الخدمات الطبية والحماية ضد المغالاة في التكاليف وما إلى ذلك من ظروف, فإن التوجه الحالي لم يكن بعيدا يوما, لكنه أصبح مثيرا للجدل ومؤججا لشعور كثير من الأطباء والمرضى. لقد أصبح الممارس الصحي طبيبا كان أم إخصائيا فنيا، مضطرا إلى مناقشة المريض في تكاليف علاجه, أو حتى مندفعا إذا ما كان المرفق العلاجي يؤول إليه. هنا يكمن السؤال: هل يبرع في ذلك وهو غير متخصص؟ وهل يتقبل المريض هذا التوجه أم يكون ذلك بداية اهتزاز الثقة أو فقدها بعد أن يكتشف المريض أن الطبيب انضم إلى قافلة المطالبين بالتكاليف أو مناقشتها بسبب أو لآخر؟
العالم بدأ ينظر إلى الطبيب بنظرة مختلفة الآن، فهل ننظر إليه هنا بالنظرة نفسها؟ لقد استغرق الطبيب لدينا وقتا إلى أن تمكن من إشعار المريض بطريقة احترافية بسبب الإصابة بمرض عضال أو مزمن أو خطير وأسباب الوفاة. هل سيجد الطبيب نفسه أمام إجبارية إشعار المريض باحترافية بقيمة الإجراء, إضافة إلى فوائده ومزاياه وخواصه إيجابية كانت أم سلبية؟. إن مجرد إيصال هذه المعلومة بطريقة غير احترافية قد تكون وبالا على المريض وإحراجا للطبيب ومأزقا للمنشأة الطبية .. فمن المسؤول عن ذلك هنا وكيف السبيل إلى تقنين هذا الوضع؟
إن من حق المريض أن يعرف ويطلع على تكاليف الفحص والعلاج قبل البدء فيه, لكن هل على الطبيب أن يشرح له ذلك أم يترك الأمر لأهله أو المختصين؟ ومن المختص؟ في مجتمعنا نسبة العارفين بالاختلافات بين أسعار هذا العلاج أو ذاك بين المرافق المختلفة ضئيلة جدا. عامة الناس لديهم تحسس من أي رقم، فيجعلونه مرتفعا على الرغم من أنهم لم يقارنوه بغيره, فكيف يمكن إقناع من لا يعرف بأن ما يتلقاه مناسب ولا ابتزاز فيه؟ ثم إن الطبيب الآن واقع بين أمانة العمل تجاه المريض وتجاه المنشأة الطبية, وهو الذي يقرر أي علاج أفضل, لكن المريض هو الذي يقرر مصير ما في جيبه, فهل سيعطي المريض هذا الحق للطبيب؟ وإذا كانت هناك علاقة قربى أو صداقة تربط المريض بالطبيب، فهل سيخجل المريض من مناقشة هذا الموضوع مع الطبيب لهذا السبب؟ الأبحاث العالمية في هذا المجال أو حول هذه النقطة تعددت, وناقشت الموضوع من ناحية التأثير السلبي في المريض وفي مختلف الظروف. إلا أن هذا مقارن في دول العالم المختلفة التي يكون التأمين الصحي أساسا، لكن هل هذا سيكون لدينا يوما إشكالا؟
في بعض المجالات نجد أنه لا بد أن يناقش الطبيب مع المريض تكاليف العلاج, فمثلا في حالة لجوء الزوجين إلى عمليات الإخصاب الخارجي (برنامج أطفال الأنابيب) أصبحت التكاليف عنصرا أساسيا من مناقشة اللجوء إلى هذه الحلول, ولا بد للزوجين تقرير إذا ما كانا مستعدين لذلك أم غير مستعدين. أما جلسات العلاج الكيماوي أو الإشعاعي لمرضى السرطان فتختلف التكاليف باختلاف طريقة العلاج والجرعة وعدد الجلسات ونوع ومستوى بوليصة التأمين.. إلخ. ولا بد أن يعي المريض وأهله حجم التكلفة ومدة العلاج, وبالتالي ليس أمامهم سوى العبد الفقير إلى الله ''الطبيب''. من جهة المريض, فهو يبحث عن حل لمعاناته, ومن حقه السعي إلى أن يكون إنسانا صحيحا وسليم البدن والعقل. من جهة الطبيب فهو بين فكي كماشة, فمهنته تحتم عليه أن يكون أمينا وصادقا ومباشرا ومحترفا في تشخيصه، أما المرفق الصحي, سواء كان ملكا له أم يعمل فيه, فلا بد أن يكون حريصا على هذا المال والممتلكات واستقامة الأداء, ولا يستطيع حيال ذلك تهربا, فكيف يمكن أن يشرح للمريض ما يمكن أن يفهم خطأ من قبله؟ وكيف للمريض أن يمتعض من تكلفة, وهذا هو ملاذه الوحيد ولا يريد أن يؤثر على الطبيب في قراره الخاص بعلاجه بأفضل الطرق والوسائل؟
إن تصعيد موضوع مثل هذا يحتم على الجهات المعنية بالقطاع الصحي أن تتبنى استراتيجية أو آلية واضحة من الآن فصاعدا يمكن تبنيها في النظام الصحي، وتأهيل الأطباء، وتثقيف العامة، وتكثيف نقاش المسؤولين في الجهات المقدمة للخدمات الصحية، واتخاذ أو المبادرة بالتوصية ببعض التوصيات من قبل الأعضاء المختصين في مجلس الشورى. نحن نحتاج إلى أسلوب الإقناع لا وضع الشخص أمام الأمر الواقع، ونريد أن تكون هناك بدائل يلجأ إليها الطبيب, ويختار منها المريض. ونريد أن توضح التكاليف كافة بمعيارية معينة تشمل جميع العناصر المؤثرة في تكلفة الكشف أو التشخيص أو العلاج أو جميعها فتحتم على الجميع الالتزام بها. كما نريد أن يناقش الأمر في محيط معرفي, فالطبيب يعرف تماما الجوانب المالية التي يتحدث عنها، والمريض يتلقى هذا الحديث في خصوصية تامة تجعله يصل إلى قراره بمحض إرادته. ونريد أن يكون وضع الأدلة ومن ثم تحديثها من قبل مجلس الخدمات الصحية الذي سيهتم بالمؤشرات والأخلاقيات والثقة بين المريض ومقدمي الخدمة وبشؤون أخرى مهمة في هذه المشكلة. نريد استخداما للتقنية يسمح للمريض والطبيب على علم تام بما يواجهه الآخر من تحديات للوصول إلى القرار النهائي. أما إذا غطى التأمين الصحي أكثر من 50 في المائة من السكان, فالطرف الثالث هنا سيكون عقبة جديدة نحتاج إلى وضعها في الحسبان. وحسبي أن الله هو المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي