رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ألف شكر يا وزارة العمل .. لكن!

 أعلن الدكتور غازي القصيبي وزير العمل منذ أسابيع عن إصدار قرار وزاري يُنظم أوقات العمل تحت أشعة الشمس خلال أيام الصيف الحارة، بحيث يُسمح للعمال الذين يتطلب عملهم وجودهم تحت تلك الظروف القاسية أن يتوقفوا عن العمل لمدة لا تقل عن ثلاث ساعات، وذلك من الساعة الثانية عشرة ظهراً إلى الساعة الثالثة بعد الظهر. وكنت قد كتبت مقالاً في صحيفة «الاقتصادية» ـ 30 أيار (مايو)، تحت عنوان «ارحموا منْ في الأرض يرحمكم منْ في السماء». http://www.aleqt.com/2010/05/30/article_399741.html حول الموضوع. لكن من الواضح أن الوزارة المُوقرة كانت في الوقت نفسه تدرس إصدار الأمر الوزاري آنف الذكر، وهي مبادرة تستحق عليها الشكر والتقدير. وحيث إن القصد من إصدار مثل هذا التوجيه هو عمل إنساني، فإننا نود أن يشمل القرار إضافات أخرى مهمة وضرورية حتى تكتمل الصورة وتعم الفائدة. الوزارة كانت قد حددت العمل في قرارها بحيث يبدأ من العام المقبل، مع أننا لا نزال في بداية موسم الطقس الحار هذا العام. وتميز هذا الصيف بارتفاع قياسي شديد لدرجة الحرارة فاقت ما تعودنا عليه خلال السنوات الماضية. ولم يكن هناك ما يمنع من أن يبدأ العمل بمضمون القرار من صيف السنة الحالية، أو على أقل تقدير أن تجعل الوزارة العمل به هذه السنة اختياريا وتترك لأصحاب العمل حرية التصرف حسبما تُمليه عليهم ضمائرهم، ونحن واثقون بأن أهل الخير والرحمة سيقومون بتنفيذ أوامر وزارة العمل هذه السنة، حتى ولو لم يكن الأمر إجباريا.
فقد كان القرار، على أهميته وصدوره في الوقت المناسب, واضحاً في مغزاه، إلا أنه كان مقتضبا ويُفضل إضافة بنود أخرى تحفظ للعامل كامل حقوقه خلال فترة الوقوف عن العمل، بين فترتي الصباح والمساء. فمن الضروري أن ينص القرار على إلزام صاحب العمل بنقل العمال خلال ساعات التوقف عن العمل، بين الثانية عشرة والثالثة مساءً، إلى مكان مُريح نسبياًّ ومن ثم إعادتهم إلى مكان العمل وهم أكثر قوة ونشاطاً وإنتاجية.
ولم يتطرق القرار الوزاري إلى تحسين ظروف العمل خلال أيام الصيف، وعلى وجه الخصوص توفير كميات كافية من الماء البارد الذي في الغالب هم محرومون منه، إلى جانب ضمان وجود الحد الأدنى من المرافق الصحية، ناهيك عن تدني الأجور بوجه عام بالنسبة لكثير من العمالة الوافدة الذين يقومون بأعمال من الممكن تصنيفها بأنها شاقة.
وإصدار مثل هذه القوانين والتوجيهات الوزارية لا بُدَّ لها من متابعة وحماية فاعلة من عدم التنفيذ، ما يجعل حقوق العمال المغلوب على أمرهم عرضة للضياع، ونحن نعلم أن العامل عندنا ليس لديه حول ولا قوة. ولأنه ربما من الصعب على مسؤولي وزارة العمل الإحاطة بكل مواقع العمل في المناطق المعنية، فلا بد من إيجاد آلية مناسبة تُسهم في مراقبة أية جهة تكون مخالفة للأوامر الحكومية، وذلك عن طريق استئجار مؤسسات مراقبة مُتخصصة مثل عمل شركات الأمن، إلى جانب نشاط مؤسسات حقوق الإنسان والمتطوعين من أهل الخير. والمهم هو أن تُحدَّد الجهة المسؤولة عن المتابعة وتنفيذ أحكام النظام الجديد ويُعلن عن مقارها بواسطة وسائل الإعلام المختلفة. أما دون اتخاذ أي إجراءات رقابية وتنفيذية، فستكون النتائج غير ما تأمله الوزارة فعلاً. وأمام أعيننا شواهد كثيرة على هضم حقوق عدد كبير من العمالة الوافدة في بلادنا، أقلها تأخير دفع الرواتب لهم لعدة أشهر، ويا ويل منْ يرفع شكوى منهم على صاحب العمل، فستُصيبه نقمة الكفيل التي أدناها الطرد من المملكة ومن دون دفع الحقوق كاملة.
وقد حدد القرار بداية فترة التوقف عن العمل من الساعة الثانية عشرة ظهراً، وهو وقت مُتأخر بالنسبة لشدة الحرارة في معظم مناطق المملكة، ولا سيما في المناطق الساحلية التي تتميز بارتفاع كبير في نسبة الرطوبة المئوية. ونقترح أن يبدأ وقت راحة العامل من الساعة العاشرة، أو الحادية عشرة ولمدة أربع ساعات حتى تكون أكثر ملاءمة للظروف التي تعيشها المناطق الحارة وشديدة الرطوبة. ويستطيع صاحب العمل أن يستوفي كامل عمل الثماني ساعات المطلوبة يوميا من العامل خلال جو مريح، مما سيزيد حتماً من الإنتاجية التي هي المطلب الرئيسي لصاحب العمل، وفي الوقت نفسه يكسب الأجر من ـ الله جل شأنه ـ. وسبقنا إخواننا في بعض دول الخليج إلى سنِّ قوانين عمل مُلزمة، تتضمن وقف الأعمال الشاقة في المناطق المعرضة لحرارة الشمس خلال أيام الصيف لعدة ساعات. ومن ضمن الإجراءات الإلزامية التي اتخذها المسؤولون هناك في حالات خاصة، تخفيض ساعات العمل اليومية خلال الأيام الحارة، ونحن لا نجد ضرورة لذلك، فبإمكان العامل إذا أخذ قسطاً يسيراً من الراحة وسط النهار أن يؤدي عمل الثماني ساعات المطلوبة على فترتين بسهولة ويسر.
وللعلم، فقد سمعنا أخيرا أخباراً تذكر عن حدوث حالات وفاة عدد من العمال بسبب ضربة الشمس، وهذا - إن صح - جرم كبير نتحمل جميعنا مسؤوليته، ونتمنى ألا تتكرر مهما بلغ بنا الجشع وعدم ممارسة عوامل الرحمة بهؤلاء الضعفاء الذين أتوا إلى بلادنا لطلب الرزق وإعاشة عائلاتهم المعدمَة. ولكم أن تتخيلوا مصير عائلة فقيرة تعتمد حياتها على الله ثم على اليسير الذي يوفره عائلها من دخله الضئيل، ثم يأتيها الخبر بأنه قد فارق الحياة بسبب سوء حالة العمل في بلاد الخير وأرض نزول الوحي! وهل يتوقعون مكافأة مجزية من صاحب العمل؟ لا نظن ذلك ولا حتى غير مجزية. ومن الصدف أنني قرأت تصريحاً في صحيفة «الوطن» الصادرة يوم السبت، 14 رجب، منسوباً إلى رئيس لجنة المقاولين في غرفة الرياض، (يقول فيه)، إن شركات التأمين لا تُغطي إصابة عمالة المقاولات بضربة الشمس أثناء العمل خلال فترة الذروة التي تبدأ من الساعة الثانية عشرة ظهراً حتى الرابعة عصراً, وهذا أمر غير مقبول ويجب أن يُنظر في شأنه للحفاظ على حقوق العمال والتأكد من أن صاحب العمل إجبارياًّ يتحمل التعويض. وذكر أيضا رئيس لجنة المقاولين أن أعضاء اللجنة يحرصون على عدم تعريض الأيدي العاملة لضربات الشمس أو درجات الحرارة العالية التي تزيد على 50 درجة مئوية. وفي الواقع أن أي درجة حرارة تكون قريبة من 45 مئوية فما فوق تُعتبر عالية وشديدة الخطورة على العامل في بعض الأماكن التي ينعدم فيها هبوب الرياح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي