هل للرأسمالية جذور عربية؟
أهداني صديق من القرّاء النهمين الأمير عبد العزيز بن سطام نسخة من كتاب بعنوان الجذور العربية للرأسمالية الأوروبية لمؤلفه جين هيك، حيث أبهرني ما جاء فيه من مساهمة للعرب والمسلمين في قضايا النظرية الاقتصادية الرأسمالية. يقول المؤلف إن اهتمامه بالتاريخ الاقتصادي الإسلامي في العصور الوسطى بدأ عندما درس في جامعة ميتشيجن على يد أول من درس التاريخ الاقتصادي الإسلامي وتاريخ العملات في أمريكا البروفيسور أندرو أركويتز. وفي الأصل يذكر الكتاب أن ما ورد فيه قد جاء حول رد لطرح المستشرق البلجيكي باسم بيرين والذي يرى أن قيام الدولة الإسلامية كانت السبب في قطع الطرق القديمة للتبادل التجاري التقليدي بين الدول الأوروبية وآسيا مما ترك أوروبا الغربية دون أسواق لتصريف البضائع وبالتالي انحدار اقتصادي. وبغض النظر عن ذلك الانحدار وأسبابه فإننا ننتقي ممّا كتبه ما يخص النظرية الرأسمالية وانعكاس ذلك على واقع حالنا. لقد ذكر المؤلف أن كثيرا من المؤرخين الاقتصاديين الحديثين يرون أن الرأسمالية نشأت في مدن إيطالية منها على الأكثر البندقية وجنواوبييزا، إضافة إلى غيرها من مدن الشواطئ الشرقية الأوسطية مثل مرسيليا. ونظراً للاحتكاك التجاري نقل المسلمون كثيرا من تكنولوجياتهم العملية المبتكرة آنذاك إلى هذا المربع، حيث استوعبوا ذلك مثلما استوعبوا أيديولوجيات إغريقية ورومانية من خلال الترجمة. إن من أبرز ما ذكر في هذا المؤلَّف وخصوصاً للاستفادة من واقع الحال الاقتصادي الحديث أن الدولة الإسلامية حينما ازدهرت في القرون الوسطى كان من أهم عوامل ازدهارها من المنظور الاقتصادي أن الفقهاء المسلمين كانوا أكثر قدرة من نظرائهم المسيحيين على تطوير وتقديم تفسيرات تستوعب المبادلات المالية التي تتطلبها العمليات التجارية والتي تستوجب التعامل بالفائدة في التشريعات الدينية والتي كان الفريقان يصنفونها بأنها ربوية. بالطبع لا يمكن سرد كثير من الأفكار التي وردت في الكتاب، لكن الخلاصة تذكر أن مسلمي القرون الوسطى لم يبتكروا عديدا من الأدوات التجارية التي نقلوها إلى أوروبا فهم ورثوها وتبنوها وأقلموها وحسنوها فلم يخترعوا اقتصاداً نقدياً، بل إن غيرهم من اليونانيين والرومان هم من فعلوا ذلك، إضافة إلى ذلك أن التجارة لم تكن فقط في يد المسلمين بل كان هناك غيرهم كاليهود والفرس وغيرهم إلا أنها كانت تحت رعاية الخلافة الإسلامية، ولذا فالمسلمون أعادوا صياغتها مع المحافظة على تعاليم الدين. إضافة إلى ذلك يورد المؤلف في دراسته التاريخية أن المسلمين كانوا قادرين على تحقيق إنجازاتهم التجارية الباهرة في القرون الوسطى المبكرة لأنهم كانوا فائقي البراعة في أقلمة عقائد ديانتهم وتركيبها وفق ما يمليه عليهم الواقع الاقتصادي. إن خلاصات كهذه في الفكر الاقتصادي وإسهام المسلمين في نظريته بتطويرها تجعلنا أمام سؤال مهم وهو إذا كان الأولون من المسلمين قد أبدعوا في ذلك الفكر الاقتصادي فلماذا ما زلنا نركز في قضايانا على فهم أشياء في الدين أقل آنية في حاجة الأمة إليها إذ إننا ما زلنا هامشيين في تقديم نظرية اقتصادية مؤثرة سليمة من المنظورين الديني والدنيوي.