الهلال الأحمر وأقسام الطوارئ .. لماذا الخصام؟
استغرب أحد الأصدقاء ما قاله فريق سيارة إسعاف الهلال الأحمر السعودي حول ضعف تعاون أقسام الطوارئ معهم وعدم إمكانية نقل المريض الذي أوصلوه في وقت معياري لأحد أقسام الطوارئ حتى وإن كان سعوديا ولديه ملف في هذا المستشفى القريب لأن المستشفى أرسل فاكسا، كما هو العادة وكما تفعل بقية أقسام الطوارئ في معظم المستشفيات، يخبر فيه أن قسم الطوارئ مملوء ولا يستوعب أية حالات جديدة.
يقول صديقي هذا: أعجبت بأعضاء فريق سيارة الإسعاف، الذين وصلوا بسرعة رغم قلة وعي قائدي المركبات وملاحقتهم سيارة الإسعاف، كما أعجبت بمهنيتهم العالية وهم يقومون بمهمة إسعاف المريض، حيث فحصوه بشكل أكثر من ممتاز ونقلوه إلى سيارة الإسعاف بكل مهنية وطيب نفس، ولكن يا فرحة ما تمت فما إن وضع المريض في السيارة حتى قال لي المسعف إنه لا خيار أمامنا إلا مستشفى الملك سعود (الشميسي سابقا) وهو بعيد جدا عن شمال الرياض، حيث منزل المريض أو أي مستشفى خاص يختاره معللا ذلك بقصة الفاكسات.
يقول صديقي: اختصارا للوقت وخوفا من جشع القطاع الخاص الذي لا يرى في المريض حالة إنسانية بقدر ما يراه مصدر إيرادات وأرباح قلت له لنذهب إلى مستشفى الملك سعود وهذا ما كان، حيث وصلنا هناك وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة كافة في وقت مناسب أيضا، وفي الطريق كان نقاشا مؤلما حول عدم تعاون أقسام الطوارئ مع الهلال الأحمر والتهرب من المسؤولية وكأن الهلال الأحمر يعمل ضد هذه المستشفيات بما يأتي به من مرضى.
بالنسبة لي لا أستطيع أن أفسر هذا الخصام من قبل المستشفيات مع الهلال الأحمر إلا من باب التهرب من المسؤولية وضعف الإنسانية والنيات السيئة وعدم الخوف من الله وعدم تطبيق توجيهات ولاة الأمر مهما كانت المبررات، نعم فأقسام الطوارئ عليها أن تستقبل أية حالة طارئة وأن تتصرف للتعامل معها وإلا فهي متنصلة من مسؤولياتها، نعم يمكن لهذه المستشفيات أن تنسق مع الهلال الأحمر حول درجة الحالات الطارئة بحيث تحول الحالات الطارئة غير الحادة إلى الأقل ضغطا وإن كان بعيدا، أما أن يمنع الهلال الأحمر من إيصال أية حالة حتى وإن كانت حادة فهذا مرفوض تماما.
لن تعدم المستشفيات الحيلة في توسيع طاقتها الاستيعابية في أقسام الطوارئ بما يتناسب ومعدلات الحالات الطارئة اليومية، وحكومتنا الرشيدة وفرت المليارات لوزارة الصحة والمستشفيات الجامعية والعسكرية وأصحاب الأيادي البيضاء يتمنون المساهمة في تطوير تلك الأقسام ويبادرون بعرض ذلك وأنا أعلم أكثر من حالة مبادرة لم تتجاوب معها إدارات المستشفيات لأسباب متعددة، وبالتالي فإن الأعذار مرفوضة من الأساس ومن يعاني ضعف الطاقة عليه أن يعالج الموضوع بالوسائل والطرق كافة حفاظا على أرواح المواطنين والمقيمين والحد من آثار ما يتعرضون له من أمراض مفاجئة مثل الجلطات والنوبات القلبية وحوادث السيارات والسقوط والاختناق وغيرها من الحالات المفاجئة.
الهلال الأحمر حسب علمي يتطور بشكل أكثر من جيد وهناك خطة لتطويره وتعزيز قدراته بشكل غير مسبوق، إضافة لنيته تطوير المهارات الإسعافية لدى أفراد المجتمع وكلنا يعرف أن إسعاف المريض في الوقت المناسب يرفع من درجة شفاء الحالة وتعافيها وتجاوزها مراحل الخطر ومضاعفاته وهو أمر ينعكس بكل تأكيد على الوقت الذي سيمضيه في المستشفيات للعلاج، إضافة لتخفيض تكاليف العلاج وهذا بطبيعة الحال يجعل كل عاقل من القائمين على أقسام الطوارئ في المستشفيات يرى في الهلال الأحمر صديقا مكملا لمهمته في التعامل مع الحالات الطبية الطارئة فينظر للعلاقة مع العاملين في الهلال الأحمر كعلاقة وئام لا علاقة خصام كما هو الوضع الآن.
محزن أن يشعر المسعفون بالإحباط وهم يقومون بعملياتهم الإسعافية نتيجة ما يلاقونه من سوء معاملة وسوء علاقة مع أقسام الطوارئ حتى يقول كثير منهم إن السلاسل تقف عائقا أمام إيصال المريض لأقسام الطوارئ وهو يتضور ألما أو ينازع الموت وللأسف الشديد حتى بات كثير منهم محرجين أمام أهالي المرضى وهم يشتكون سوء حالهم وضعف حيلتهم مع فاكسات الكسل وانعدام الإنسانية وضعف تحمل المسؤولية تحت أي مبرر، نعم محزن جدا أن يكون ذلك ولا يوجد حل جذري لتلك المعضلة التي نسمع عنها منذ سنوات طوال.
كنا نلوم الهلال الأحمر لتأخره وضعف قدراته الوصول إلى الحالات الإسعافية في الساعة الذهبية، كما هو متعارف عليه في عالم الإسعاف وعندما طور الإسعاف قدراته وجدنا أن العاملين في أقسام الطوارئ لا يريدون العمل المرهق ويريدون أقل الحالات ما جعلهم ينظرون لمسعفي الهلال الأحمر كأعداء يأتون لهم بالعمل المرهق الذي لا يريدونه وهذه هي الحقيقة والأعذار أن الموازنات لا تكفي وأن المكان ضيق وأن الأسرة غير كافية ولو بذلت جهود تنظيمية وفق أحدث المعايير الطبية لزادت الطاقة الاستيعابية وأنا أعلم كثيرا من الحالات يمكن إخراجها من المستشفى لكنها تتأخر لمزيد من الاطمئنان الذي لا داعي له أو لأن الدكتور لم يمض أوراق الخروج، إلى غير ذلك من الأسباب غير المقنعة.
معالي وزير الصحة الدكتور عبد الله الربيعة عندما كان مديرا للشؤون الصحية في الحرس الوطني كانت له مقولة نعرفها جميعا بأنه لن يغلق الباب أمام أية حالة طارئة مهما كانت الجنسية والمهنة وأنه علينا أن نتصرف في التعامل مع الحالات الطارئة كافة والتعامل معها الأمر الذي جعل الضغط على طوارئ الشؤون الصحية كبيرا ولكن البركة كانت من الله بفضل النيات الخالصة، وكلي ثقة بأن معاليه سيوجه بمعالجة الخصام القائم بين الهلال الأحمر وأقسام الطوارئ في المستشفيات كافة وتحويله لوئام يصب في مصلحة المواطن والمقيم فالهلال الأحمر والمستشفيات إنما هي أجهزة عاملة في جسد واحد لعلاج المرضى بأعلى جودة ممكنة.