معاناة مدننا الكبيرة
أتحدث من المنطقة الشرقية، ولا أعتقد أن مُدُنها أسوأ وضعا من مدن المناطق الأخرى، فالكل في حاجة إلى ترميم شوارعها وطرقاتها. منذ عدة أشهر ذهبت بمركبتي الفاخرة الجديدة التي لم يمض على استخدامها أكثر من ثلاث سنوات إلى مركز الفحص الدوري من أجل تجديد وثيقة السير، ففوجئت بسقوطها في الامتحان بسبب عدم توازن الكفرات الأمامية. وعند ما رأى عامل الفحص علامات دهشتي، قال لي لست أنت الوحيد الذي يُعاني هذا العيب في المركبة، وذلك نتيجة لكثرة المطبات والحفر التي تمر بها في ذهابك وإيابك. فلماذا نحن من دون خلق الله نُعاني أمورا ينقصها الإخلاص في العمل والإهمال في تأدية الواجب الملقى على عواتق المسؤولين، كل في محيط مسؤولياته؟ نحن نعلم أن الدولة لديها خير كثير ــ ولله الحمد ــ ولا نشك في أنها تُلبي جميع الطلبات المالية إذا تقدمت بها جهة الاختصاص في شتى الميادين التي تخدم المصلحة العامة. ونتساءل: هل من المعقول ألا يُحرك مشاهدة المسؤولين عن الصيانة ساكناً في ذهابهم وإيابهم إلى أعمالهم مع الشوارع نفسها التي نحن نُعانيها، فيرون بأم أعينهم الوضع السيئ لتلك الشوارع؟
ومعظم الشوارع التي تحتاج إلى تجديد طبقة الأسفلت فيها أو إلى صيانة دورية يظهر من وضعها أنها تجاوزت عمرها الافتراضي, أو أنه كان هناك خلل في جودة آخر عملية سفلتة، ربما بسبب ضعف أو غياب المراقبة الفاعلة أثناء مرحلة التنفيذ، هذا إذا أحسنا الظن بسلامة التصميم. وعيوب شوارعنا ــ مع الأسف ــ كثيرة ولا يمكن حصرها في الحُفر والمطبات المهملة التي تُدمِّر مركباتنا، فهناك مناسيب مجاري السيول والأمطار المغفول عنها التي تُحوِّل أجزاء من الشوارع إلى بِرك تحُول بين أصحاب المنازل والدخول إلى منازلهم بعد سقوط كميات متوسطة من المطر، وهو وضع اعتدنا معاناته. ونحن نعلم أن معظم ما نشاهده اليوم في شوارعنا من رداءة في التنفيذ وعيوب مزمنة كان موروثاً من عهد أجيال سابقة، لكننا كنا نأمل أن يكون الجيل الحاضر من المسؤولين أكثر وعياً وِهمَّة ونشاطا، فيقومون بالواجب المطلوب منهم حسبما تمليه عليهم ضمائرهم التي لا نشك في أنها تمتلئ بالإخلاص لوطنهم وأمتهم.
وهناك أمور كثيرة يود المرء أن يتطرق إليها، ونحن بصدد الشوارع داخل مدننا الرئيسة لا تقل أهمية، إن لم تكن هي الأهم بالنسبة لسلامتنا وتأثيرها السلبي في أصحاب المحال التجارية. قيام المسؤولين بصيانة بعض المرافق والإنشاءات الجديدة التي تتطلب إقفال عدة مسارات في الشوارع العامة أو إقفال كامل لبعضها من أجل المصلحة العامة، أمر مقبول وربما مرغوب, لكن العمل المراد به مصلحة الأمة ينقلب أحياناً إلى ضد المصلحة بالنسبة لكثيرين ويصبح وبالاً اقتصادياً عليهم. فمن عادة مشاريعنا أن تنفيذها يستغرق مدة قد تصل إلى أضعاف ما يستغرقه في بلدان مجاورة ربما تكون أقل إمكانات منا. ولك أن تتصور حالة أصحاب المتاجر الواقعة على جوانب الشارع المراد إغلاقه من أجل الصيانة أو تنفيذ إنشاءات جديدة، وذلك لمدة قد تصل إلى سنتين دون سابق إنذار! فمن المشاهَد أن معظم الأعمال والحركة التجارية ستكون شبه مُتوقفة خلال كامل مدة التنفيذ. ما ذنب أولئك المواطنين حينما يتوقف دخولهم لأشهر طويلة وهم يدفعون إيجاراً لمحالهم ورواتب لموظفيهم ورأسمال مجمَّد؟ نحن نجزم أن الدولة لا تقوم بدفع تعويضات لهم تُغطي ولو بعض خسائرهم، بل عليهم الانتظار حتى يُستكمل العمل المطلوب. وبطبيعة الحال، فإن بعضهم سيُعلنون إفلاسهم ويشكون أمرهم إلى الله.
وتنفيذ المشاريع في بلادنا له صفة خاصة يتميز بها عن كثير من البلدان، وهي ربما تُضاف إلى ما يُسمى «خصوصياتنا», هذه الخصوصية تتمثل في طريقة تقديم الدفُعات المالية للمقاولين الذين يقومون بتنفيذ الأعمال الحكومية، وهي حسبما نسمع تُعطى على أقساط مُتباعدة ولا تسمح للمنفذ أن يُنهي العمل بالسرعة المرغوبة. ومن جهة أخرى، فليس لدى المقاول حافز يحثه على زيادة ساعات العمل اليومي حتى يستطيع اختصار مدة التنفيذ. فخلال الـ 24 ساعة، لا يزيد عمل عُمال المقاول على سبع ساعات يوميا على أكثر تقدير، بصرف النظر عن أهمية المشروع. وخلال 17 ساعة الباقية يكون موقع العمل خالياً إلا من الموانع التي تمنع السير في ذلك الشارع. وهذا إجراء بعيد عن المنطق وتصرف غير مقبول من الجهات المسؤولة، التي تشمل الطرف الذي يشرف على التنفيذ والجهة التي تُموِّل المشروع. وما الذي يمنع تسليم المبلغ المتفق عليه لأي مشروع حيوي تمت الموافقة على القيام به مباشرة إلى المؤسسة الحكومية المسؤولة عن التنفيذ، بحيث تتحمل الأخيرة كامل مسؤولية الصرف بموجب عقد الإنشاء وحسبما تراه مناسباً لمراحل إنجاز العمل خلال زمن قياسي يخدم المصالح العامة للمواطنين؟ وكنا نأمل أن يكون لأعضاء المجالس البلدية دور فاعل في الإشراف على تنفيذ المشاريع الكبيرة وفي طريقة دفع المستحقات للمقاولين. هناك حتماً بعض المشاريع التي تستدعي المصلحة العامة إنجازها في زمن قصير نسبيا، فتستدعي ذلك زيادة ساعات العمل من ثماني ساعات إلى 16 ساعة في اليوم الواحد حتى يتم الانتهاء من العمل. ونحمد الله أن مواطنينا مسالمون وليسوا من أرباب المطالبات عند وقوع الضرر عليهم، كما يفعل أصحاب الأعمال والمحال التجارية في بعض البلدان، الذين يذهبون إلى المحاكم لطلب التعويض عن الخسائر التي ربما يكونون قد تكبدوها بسبب إقفال الشوارع.
ومن المشاريع التي يستغرق إنشاؤها أكثر من سنتين الأنفاق، وهو ما يتسبب في شل الحركة التجارية حول الموقع مدة طويلة. ولا نعلم لماذا نحن مُغرمون باستخدام الأنفاق بدلاً من الجسور التي يظهر لنا أنها أقل تكلفة وأسرع بناءً وأقل ضرراً على المجتمع المحيط بمواقعها خلال مرحلة الإنشاء، إلى جانب سهولة تصريف مياه الأمطار التي يعانيها المواطنون داخل الأنفاق. ومن النادر أن تُشاهد أنفاقاً كثيرة في معظم البلدان التي نزورها، ولو كانت الأنفاق أفضل من الجسور لأكثروا منها.
ونود قبل الختام أن نُعبِّر عن امتعاض جمهور المواطنين من استمرارية بقاء ردم جزء كبير من الشوارع التي يقع على جانبها أحياء خاصة، وهي التي أقيمت في زمن الإرهاب ــ لا أعاده الله ــ والآن وقد استتب الأمن ــ ولله الحمد ــ لم تبق إليها حاجة، وهي تتسبب في مضايقات كبيرة لقائدي المركبات.