الخلاف بشأن العملة الصينية لا يزال قائما
عندما يتعلق الأمر بموضوع العملة الصينية المحير، فقد تغير كل شيء ولم يتغير أي شيء، فقد ألقت الصين قنبلة مدوية أمس السبت عندما أعلنت انتهاء ربط عملتها بالدولار الذي استمر مدة عامين, وفي سياق هذه العملية بدا أنها أزالت خطر تصعيد المعركة حول سعر صرف عملتها وتحولها إلى حرب تجارية.
لكن في نهاية الأسبوع الأول من التداول بموجب النظام الجديد، لم يرتفع الرنمنبي مقابل الدولار إلا بنسبة 0.39 فقط. وعندما قال البنك المركزي الصيني إنه لن تكون هناك تحركات درامية في سعر الصرف، اتضح أنه لم يكن يمزح.
لقد اتسم البيان الذي صدر في عطلة نهاية الأسبوع بالغموض بشكل متعمد، لكن إحدى النواحي المثيرة هي الطريقة التي استخلص بها كثير من الناس داخل البلد وخارجه استنتاجات مختلفة جداً منه.
فقد كان رد مجموعة العشرين عليه إيجابياً. فبعد أن دعاه أحد مستشاري البنك المركزي بنهاية السياسات ''المناهضة للأزمات''، كان الافتراض أن الصين ستستأنف سحب ربط عملتها بالدولار الذي كان معمولاً به قبل الأزمة ببطء، والذي تمخض عن ارتفاع قيمة الرنمنبي بشكل تدريجي.
لم يكن تيم جايثنر، وزير الخزانة الأمريكي الذي كان يواجه كونجرساً دائم الشكوى ويتعرض لضغط متزايد كي يصم الصين بأنها بلد ''يتلاعب بالعملات'', هو وحده الذي تنفس الصعداء. فقد اعتبر احتمال ارتفاع قيمة الرنمنبي خبراً جيداً في عديد من عواصم البلدان المتقدمة الأخرى. وكان بعض تلك البلدان يفرض ضوابط رأسمالية للحيلولة دون ارتفاع عملاتها بسرعة كبيرة، بينما كانت ترى أن المنافسة من جانب الشركات الصينية تزداد شراسة. وازدادت صادرات الصين إلى البرازيل، وروسيا ومنطقة آسيان بنسبة 110 و92 و48 في المائة في أيار (مايو) بالمعدلات السنوية.
لكن في الصين، استقبل القرار بصورة مختلفة في عديد من الدوائر. فخلال الأشهر القليلة الماضية، كانت وزارة التجارة تخوض معركة كي تتجنب حدوث أي ارتفاع بالمرة لعملتها مقابل الدولار ـ حتى أن أحد نواب وزير التجارة حذر في أوائل العام الحالي قائلاً:'' إن الماء لا يغلي إذا تم تسخينه لدرجة 99 مئوية, لكنه سيغلي إذا زادت درجة تسخينه درجة واحدة''.
لكن رد الفعل في هذا الأسبوع حتى تاريخه اتسم بالإيجاب.
ويرجع أحد أسباب ذلك إلى أن الوزارة نظرت إلى الإعلان من منظور مختلف، مفترضة أن البنك المركزي يعني ما يقول بشأن ''سعر صرف أكثر مرونة - وبعبارة أخرى عملة يمكن أن تنخفض وأن ترتفع.
فقد قال ماي زنيو، وهو باحث في الوزارة، أمس: إن المعارضة لارتفاع الصرف بنسبة تبلغ حتى 2 إلى 3 في المائة لا تزال قوية. وقال في هذا الصدد: إن هذا الارتفاع سيشكل ضربة قوية لصناعتنا ذات العمالة المكثفة. واستدرك أن التحول في السياسة إلى نظام يقوم على سعر صرف أكثر مرونة يعد أمراً جيداً لأنه ''ترتب على المصدرين الصينيين أن يتحملوا عبء انخفاض العملات الأخرى، في إشارة إلى انخفاض قيمة اليورو, وهو العملة الخاصة بأكبر سوق للصادرات الصينية.
إن الرسالة التي أراد أن يبعث بها هي: بينما ترى الحكومات الأجنبية أن السياسة الجديدة ستؤدي إلى عملة صينية أقوى، فإن جماعة الضغط التابعة لشركات التصدير الصينية ترحب بها كوسيلة لحماية نفسها من ضعف اليورو. ويمكن لهذين الهدفين أن يتعارضا.
سينتقل بعض هذا الاضطراب إلى قمة مجموعة العشرين. فقد كان إعلان الصين الضعيف مصمماً بالدرجة الأولى على سحب موضوع الرنمنبي عن الطاولة في القمة وعلى تركيز الانتباه على ما تعتبر الصين أنه المشكلة الرئيسة في الاقتصاد العالمي - أي سوء الإدارة في الولايات المتحدة. لكن بعد الكشف عن هذا التحول الغامض في السياسة، ستواجه الصين على الأقل عديدا من الأسئلة حول ماهية نياتها الحقيقية.
وفيما عدا ذلك، فإن سياسة الصين الجديدة لم تلغ بالكامل احتمالات المكاشفة السياسية. إن النقطة المهمة الواضحة هي إذا ما كان قد اعترى اليورو بالفعل ضعف كبير مرة أخرى. فسيتوقع المصدرون الصينيون أن تنخفض عملة بلدهم مقابل الدولار، لكن ما من شك في أن ذلك سيثير ردود أفعال غاضبة في واشنطن وغيرها. ويمكن أن يحدث الشيء نفسه إذا تضخم الفائض التجاري الصيني مرة أخرى في النصف الثاني من العام، وهو أمر ممكن إذا استمرت الصادرات في التعافي وتباطأت الواردات عندما تهدأ الطفرة الاستثمارية الهائلة التي شهدها العام الماضي. إن الانقلاب الدبلوماسي الذي قامت به الصين أكسبها بعض الوقت، لكن الخلاف الأساسي لم يزل.