هل تقود العقوبات الأخيرة على إيران إلى إعادة هيكلة خطوط الملاحة البحرية في الخليج؟
توقع محللون اقتصاديون خليجيون أن تضطر الشركات العاملة في مجال النقل البحري خلال الأشهر القليلة المقبلة، إلى إعادة سياساتها الخاصة بنشاطها في مجال حركة التجارة العالمية عبر خطوط الملاحة البحرية بسبب عوامل اقتصادية وسياسية وبيئية قد تواجه حركة التجارة من الدول الأوروبية وأمريكا وبقية الدول الغربية إلى منطقة الخليج، نتيجة تداعيات أزمة إيران مع الغرب وما ترتب عنها من فرض عقوبات جديدة على إيران، سواء من مجلس الأمن وأمريكا على وجه الخصوص.
#2#
ويقول لـ''الاقتصادية'' حجاج بو خضور المحلل الاقتصادي الكويتي: إن حركة التجارة العالمية لمنطقة الخليج ربما ستشهد قبل نهاية العام الجاري، إعادة هيكلة في خطوط الملاحة البحرية وأسعار أجور الشحن إلى منطقة الخليج كنتيجة تلقائية وحتمية للتغيير الذي سيحدث في حركة التجارة العالمية بسبب العقوبات التي فرضها مجلس الأمن وأمريكا على إيران أخيراً، مؤكداً أن الهيكلة الجديدة ستقوم على التوافق مع التطورات التي تحدث في خطوط الملاحة البحرية.
#3#
أما إحسان عبد الجواد المحلل الاقتصادي والمستثمر في قطاع النقل البحري، فلا يرى هنالك ضرورة لإعادة هيكلة خطوط التجارة العالمية عبر الملاحة البحرية، خاصة أن العقوبات التي فرضت على إيران ليست بجديدة، لذا فإن تأثيرها في حجم البضائع والسلع الواردة لمنطقة الخليج سيكون ضعيفاً، بل إن هذه العقوبات يمكن أن تتيح مساحات إضافية لنقل البضائع عبر البواخر والسفن القادمة إلى الخليج.
وقال ''صحيح أن خطوط الملاحة ستفقد جزءاً من حصتها المخصصة لنقل البضائع إلى إيران, لكنها ستتيح الفرصة لزيادة حجم الواردات إلى بقية دول الخليج، خاصة أن السوق الخليج تشهد حالياً نمواً في حجم البضائع المستوردة''. ويؤكد عبد الجواد أن بداية العام الجاري شهدت ارتفاعاً في أجور الشحن لمختلف بلدان العالم، بعد انخفاض خلال العام الماضي.
#4#
ويساند الدكتور أحمد البنا المحلل الاقتصادي الإماراتي ما ذهب إليه عبد الجواد بأنه من المبكر الحديث عن إعادة هيكلة في خطوط التجارة العالمية، وبالتالي الملاحة البحرية أو أجور الشحن، مشيراً إلى أن العلاقات التجارية بين إيران دول الخليج، خاصة فيما يتعلق بإعادة التصدير للمنتجات الاستهلاكية والغذائية تعتبر تاريخية تنطلق من الموانئ البحرية في غرب الخليج إلى شرقه، ولا أعتقد أن هذه المبادلات التجارية يمكن أن تتأثر بالعقوبات المفروضة على إيران أو أن تدفع شركات الملاحة إلى إعادة هيكلة خطوط التجارة عن طريق البواخر، لكن فيما يخص المنتجات ذات التقنية العالية والمنتجات التي تشملها العقوبات أتوقع أن يكون هنالك نوع من التأثير بخصوص هذه النوعية من البضائع والمنتجات.
ويضيف البنا ''إن الطاقة الاستيعابية للموانئ الإيرانية تعتبر محدودة، بالتالي فإن خطوط الملاحة الدولية عادة لا تستخدم تلك الموانئ، بل إنها تلجأ إلى استخدام الموانئ المتطورة والموجودة على الساحل العربي لدول الخليج، خاصة الموانئ الإماراتية التي يتم فيها عملية إعادة تصدير تلك البضائع على السفن الصغيرة والتقليدية التي تستوعبها الموانئ الإيرانية. ويضف: ''لا أعتقد أن تكون هنالك نتيجة سلبية مباشرة على الخطوط البحرية العالمية بسبب تلك العقوبات''. ويشير البنا إلى أن أجور الشحن قد لا تتغير بسبب هذه العقوبات، خاصة أن عملية انخفاضها أو ارتفاعها تكون مرتبطة بأسعار النفط وحدوث كوارث طبيعية, لذا لا أتوقع أن يكون هنالك تأثير ملموس على أجور الشحن من وإلى منطقة الخليج.
وعاد المحلل الاقتصادي الكويتي ليشير إلى أحد العوامل التي يراها دافعاً لإعادة هيكلة التجارة العالمية عبر الملاحة البحرية، يتمثل ذلك في إجراءات السياسة النقدية بين أمريكا والصين، على سبيل المثال، لمعالجة العجز في الميزان التجاري الأمريكي، الذي تتسبب فيه الصين بنسبة 24 في المائة من إجمالي العجز الذي تعانيه، أجبر أمريكا على أن تتخذ بعض الإجراءات الحمائية على البضائع والسلع الصينية الواردة إليها والمتسببة في تنامي هذا العجز، مشيراً إلى أن هذا الأمر يتطلب بالضرورة إعادة هيكلة خطوط التجارة عبر الملاحة البحرية، ما ينعكس على أجور الشحن، بشكل متفاوت من منطقة لأخرى. بالإضافة إلى أن الأزمة المالية في أوروبا، التي يتوقع استمرارها، قد لبست ثوباً جديداً يتمثل في أزمة القروض السيادية في اليونان، وربما تتبعها إسبانيا وإيطاليا وأيرلندا البرتغال وبريطانيا، لافتاً إلى أن هذه الأزمة في حد ذاتها دفعت الدول الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا، إلى فرض إجراءات تقشفية للحد من تداعياتها. وأن مثل هذه الإجراءات ستحد من تدفق الواردات على دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما ينعكس أثره على خطوط التجارة العالمية.
ويشير إلى عامل آخر سيكون سبباً في اللجوء إلى إعادة الهيكلة، يتمثل في تطبيق قوانين الحماية البيئة والمنظمة لنشاط النقل البحري بعد حادثة التسرب النفطي الأخيرة، التي حدثت في خليج المكسيك وتوجه أمريكا إلى التصويت على قانون يحمّل الشركات النفطية مسؤولية الكوارث التي تسببها.
ويوضح بو خضور، أن صناعة السفن نفسها وتكاليف تشغليها سيكون له دور بارز في إعادة الهيكلة الجديدة، حيث شهدت الفترة 2002 من 2004، تنامي تكاليف صناعة وتشغيل السفن، ومن المعلوم أن تجارة النقل البحري لديها دورة اقتصادية، حيث إن فترة الانتعاش عادة ما تكون قصيرة، في حين أن فترة الركود تصبح طويلة، فإذا كان ملاك السفن يلجئون لبنائها في فترات الانتعاش فإن تكاليف التشغيل، بالطبع، ستكون مرتفعة، ما يدفع بدوره الملاك لرفع أسعار الشحن، ما يؤدي إلى اختلال توازن هذه الصناعة، وهذا الأمر سيقود إلى انخفاض في أجور الشحن عبر الملاحة البحرية خلال العامين المقبلين، ليس بسبب الأزمة المالية فحسب وإنما لسوء التخطيط الذي واكب صناعة السفن من الفترة من 2005 إلى 2008، حيث شهدت هذه الفترة تصنيع وسائط نقل بحري تعادل 70 في المائة من حجم الأسطول البحري العالمي الموجود والعامل أصلاً في هذا المجال، وهذا يعني أن المعروض ''بضائع وسلع'' يفوق الطلب على هذه السفن، ما يؤدي إلى انخفاض أجور الشحن. ويضيف بو خضور أن شركات صناعة السفن التي قامت ببناء سفنها في هذه الفترة، ستواجه مخاطر كبيرة وسيكون أداؤها التشغيلي غير مجدٍ، وربما تعاني خسائر متتالية قد تقودها إلى الإفلاس. ويوضح بو خضور، أن منطقة الخليج ستشهد نمواً في البنى التحتية والمشاريع الصناعية، ما يعني أنها في حاجة إلى تدفق إضافي في حجم البضائع والسلع الواردة إليها، الأمر الذي يفرض ضرورة وجود وسائط نقل بحري تتلاءم مع طبيعة الموانئ لديها، ما يؤدي إلى خلق تنافس كبير بين شركات النقل البحري، ومن ثم خفض أجور الشحن لمنطقة الخليج.