اقتصاديون: العملة الخليجية الموحدة ملاذ آمن عالميا من هزات أسعار النفط والتضخم

اقتصاديون: العملة الخليجية الموحدة ملاذ آمن عالميا من هزات أسعار النفط والتضخم

اعتبر محللون وخبراء اقتصاديون، أن الوحدة النقدية الخليجية ستشكل دعما كبيرا لاقتصادات دول مجلس التعاون وتزيد من تنافسيتها على مستوى العالم، وستوفر ‏لهم مزيدا من المرونة لتغيير السياسة المالية والنقدية.‏ كما أنها ستمنح أكبر منطقة مصدرة ‏للنفط في العالم موقعا أفضل للتفاوض مع شركاء التجارة الدوليين بالأخص فيما يتعلق باتفاقات التجارة الحرة مع التكتلات الاقتصادية الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي الذي يجري محادثات منذ نحو 20 عاما.
ويأمل صناع القرار في الخليج أن يعزز طرح عملة خليجية موحدة التجارة والاستثمار داخل المنطقة. ووفقا للاقتصاديين، فإنه نظرا لقوة اقتصادات دول المنطقة القائمة على النفط قد يحول المستثمرون أموالهم للعملة الموحدة الجديدة، مضيفين أن المستثمرين الدوليين والبنوك المركزية على مستوى العالم ستهتم بامتلاك أصول مقومة بالعملة الخليجية الموحدة كملاذ آمن وكإجراء تحوطي تحسبا لهزات أسعار النفط والتضخم مما يعزز مكانتها الدولية، إلى جانب أن العملة الجديدة ستكون بالتأكيد ضمن العملات الخمس الرئيسية في العالم.
وبحسب مراقبين، فإنه من الواضح أن استيعاب دول الخليج للعقبات التي واجهت بعض المشاريع المشتركة السابقة دعى الدول الأعضاء في الوحدة النقدية (السعودية، الكويت، قطر، والبحرين) السير بروية في هذا الملف الحساس، إلى جانب بروز مخاوف في الأوساط الاقتصادية والمالية الخليجية بشأن مستقبل اليورو والأزمة التي يمر بها وتأثيرها في مشروع الوحدة النقدية، حيث تزايد المطالب بالعمل على ضمان عدم حدوث أزمة مشابهة على الوحدة النقدية الخليجية خاصة أنها تقتفي أثر تجربة الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالعملة الموحدة، وهو الأمر الذي انعكس على نقاشات اجتماع مجلس إدارة المجلس النقدي الخليجي الذي عقد أخيرا في الرياض.
أكد الدكتور محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي رئيس المجلس النقدي الخليجي في وقت سابق، أن المملكة كما هو الحال في بقية الدول الأعضاء ملتزمة بالمضي قدما في مسيرة الاتحاد النقدي وعلى استعداد دائم للعمل على تذليل جميع التحديات التي قد تواجه هذه المسيرة، والعمل يدا بيد حتى إكمال متطلبات الاتحاد النقدي كافة، وتتويج الجهد المشترك بتأسيس البنك المركزي الخليجي وانطلاق العملة الموحدة. ولكن في الوقت ذاته نبه في حينه المعنيين جميعا، بمن في ذلك مواطنو دول المجلس، من الوقوع في فخ المبالغة في التوقعات، مشيرا إلى أن الاتحاد النقدي والعملة الموحدة سيحققان تناسقا في السياسات النقدية وقدرة مقارنة الأسعار وسهولة وشفافية التعامل المالي بين مواطني دول المجلس والمقيمين فيها، ولكنها لن تحل المشكلات والمعضلات الاقتصادية الأخرى التي يجب التصدي لها عبر القنوات الاقتصادية الأخرى التي لا تقع ضمن مسؤوليات وصلاحيات المجلس النقدي أو البنك المركزي مستقبلا.
وفي الوقت الذي كررت كل من الإمارات وعمان مرارا أنهما لا تنويان العودة للمشروع، أشارت مصادر في مجلس التعاون الخليجي إلى أن فرص عودتهما ستتزايد إذا تم إطلاق عملة موحدة قوية.
واعتبر الاقتصاديون انسحاب الإمارات من اتفاقية الاتحاد النقدي الخليجي ليس نعيا للمشروع، لكنه كان في حينه مفاجئا للأوساط الاقتصادية والاجتماعية في دول المجلس وشكل خيبة أمل لدى المواطنين الخليجيين حيث جاء في وقت كانوا يتطلعون فيه إلى مزيد من الوحدة وليس الفرقة، خاصة أن معظم دول العالم تعمل حثيثا على تكوين تكتلات اقتصادية ومالية.
وتقود المملكة صاحبة أكبر اقتصاد عربي جهود تحقيق تكامل أوثق في أكبر منطقة مصدرة للنفط في العالم. وتعتقد الرياض أن وحدة نقدية مع الكويت وقطر والبحرين ستسهم في تعزيز التجارة الخليجية وتمنح تلك الدول نفوذا أكبر على الساحة العالمية. وقال جون سفاكياناكيس كبير خبراء الاقتصاد لدى البنك السعودي الفرنسي "تراجعت جاذبية مشروع الوحدة في الوقت الذي تدرس فيه بعض الدول الخيارات المتاحة لها". وأضاف "قطر والإمارات يتحولان إلى اقتصاديين كبيرين، خيار العمل المنفرد قد يكون أكثر جاذبية بالنسبة لهما، أحد التحديات هو إقناع من لم يشتركوا بالمشاركة ومن اشتركوا بعدم الانسحاب من المشروع". ومن المتوقع أن تحقق السعودية الاستفادة الأكبر من التكامل الأوثق بين دول الخليج، إذ قد يساعد في توفير فرص عمل لسكانها الذين يتجاوز عددهم 18 مليون نسمة. وقال غانم نسيبه من مؤسسة بوليتيكال كابيتال لاستشارات المخاطر "حتما ستجتذب الوحدة مزيدا من الاستثمارات إلى السعودية وتوفر مزيدا من فرص العمل لمواطنيها".
من جهته، قال المؤرخ كريستوفر ديفيدسون "يجب أن تجذب السعودية الدول الصغيرة المجاورة للانضمام إلى الاتحاد الذي تقوده وإلا فستظل تلك الدول تشكل عبئا اقتصاديا وسياسيا عليها وهذا يجعل من الصعب للغاية، مواجهة مستقبل يتعين عليها أن تتنافس فيه مع إيران والعراق".
وقال إيكارت ورتز من مركز الخليج للأبحاث في دبي "الإرادة السياسية محدودة نوعا ما، والمشاكل الحالية في منطقة اليورو مبرر جيد لمزيد من البطء". وكان وزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد الصباح قال الثلاثاء الماضي إن الخليج ينبغي أن يتعلم الدرس من أزمة الديون الأوروبية. وهناك عقبة كبيرة أخرى هي عدم توافر بيانات اقتصادية حديثة وجديرة بالثقة في الدول الخليجية التي تنتشر بها الشركات المملوكة عائليا وهو ما يثير شكوكا حول التزام تلك الدول بالمشروع الذي يهدف لمحاكاة منطقة اليورو. ومن المثير للاهتمام أيضا عزم الكويت الالتزام بربط عملتها الدينار بسلة عملات في المستقبل المنظور، في حين تفضل الدول الثلاث الأخرى ربط عملاتها بالدولار. كما أن غياب المزايا الواضحة من الوحدة الخليجية - على عكس الحال في أوروبا - لا يقدم شيئا يذكر لدفع عجلة التقدم البطيئة. وقطعت اللجان المعنية في الأمانة العامة لمجلس دول التعاون الخليجي شوطا كبيرا فيما يتعلق بالتحضيرات والاستعدادات الفنية وتهيئة وتجهيز ‏البنى الأساسية المطلوبة لتفعيل اتفاقية الاتحاد النقدي الخليجي وتطبيق معايير التقارب الاقتصادية المؤهلة للاتحاد، حيث ينتظر خلال الفترة المقبلة أن يبت المجلس النقدي الذي يدار من قبل محافظي ‏البنوك ‏‏‏‏المركزية ‏‏الخليجية في توصيات جميع اللجان الفنية المعنية وإقرار الدراسات الفنية وتنفيذ الخطوات اللازمة في هذا الشأن، باعتباره هو المعني ‏‏باتخاذ جميع الخطوات المتعلقة بالاتحاد ‏‏‏‏‏‏النقدي ‏وهو ‏وحده الذي يقرر ‏‏موعد إطلاق العملة الموحدة.

الأكثر قراءة