قمة مجموعة العشرين تقيّم الأزمة الأوروبية
في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي وفي مدينة بطرسبورج عبر قادة مجموعة العشرين عن بالغ سعادتهم بظهور رخاء عالمي نتيجة لأعمالهم غير المسبوقة في التنسيق حيث وعدوا بأن تكون مجموعة العشرين المنتدى الرئيسي للتعاون الاقتصادي العالمي.
عودة إلى الوراء في اجتماع مجموعة العشرين
لكن بعد عدة أشهر من إطلاق هذا الوعد، بدأ العهد يضعف بسبب الأزمة الأوروبية التي ما زالت مستمرة. وكما تبين بعد الاجتماع الأخير في بوسان فهناك وجهتا نظر بدأتا في الظهور وبدأتا تأخذان شكلا بين مجموعة قمة العشرين. وجهة النظر الأولى التي تتزعمها الولايات المتحدة تعتبر السياسة المالية كمحفز رئيسي للنمو في وجهة حالة من عدم التيقن تحيط بالطلب الخاص. أما وجهة النظر الثانية فهي واحدة تتزعمها الدول الأوروبية التي تعاني قلقاً متزايداً متعلقاً بالنمو المحفز بسياسة مالية يمكن له في نهاية الأمر أن يكون عامل زعزعة استقرار وقد يستدعي ردة فعل للسوق تكون قاسية تؤثر سلبا في استدامة الديون. وبالنظر إلى هذه الخلفية المتعلقة بالأزمة الأوروبية المستمرة فهناك مؤشرات (حتى لو أنها ما زالت نسبيا مخفية) بصعود التوتر في العواصم العالمية بسبب المخاوف من أن الأزمة قد تخرج عن السيطرة وستسبب في هذه الحالة فوضى اقتصادية ومالية التي ستكون حادة على الانتعاش الاقتصادي الكوني الناشئ. وهذا القلق في الولايات المتحدة يتزايد بسبب التعافي من البطالة التي تؤكدها البيانات الأخيرة وبالإعلان عن إجراءات تعويضية لتوسيع الصادرات الأميركية في السنوات المقبلة.
والشعور الذي يشترك فيه كل أعضاء مجموعة العشرين ومن ضمنهم الأوروبيون هو الإحباط بأن الأزمة الأوروبية هي ليست قضية عادية يمكن معالجتها، أي أنها غير مألوفة من قبل، فهي أزمة تتطور ضد إطار مؤسسي غير مكتمل تظهر أن الاتحاد الأوروبي- أكبر اقتصاد عالمي- غير مسلح لمعالجة أول أزمة حقيقية منذ أن جاء إلى الوجود بعد الحرب العالمية الثانية.
الانعكاسات على الولايات المتحدة
لقد أثبت اللقاء لوزراء المالية لمجموعة العشرين قبل أسابيع قليلة في بوسان بأنه ليس هناك حل سهل، وفي الوقت ذاته فإن المخاطر هي في طريقها للارتفاع خاصة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية التي تريد على الأقل أوروبا مستقرة إن لم تكن نامية حتى يتسنى لها تقوية وتعزيز اقتصادها. فالعواقب على المدى القصير للتراجع في عملة اليورو والانخفاض الناتج في صادرات الولايات المتحدة إلى أوروبا هي ليست القضية الوحيدة التي تشغل بال الأمريكيين أو الوحيدة التي عليهم التعامل معها، فهناك انعكاسات على الصناعة الأمريكية في الأسواق العالمية التي ستتأثر هي الأخرى بالتنافسية القادمة من المصدرين الأوروبيين. وهناك عاملان آخران معقدان يمكن لهما أن يفضيا إلى أوقات عصيبة مقبلة على المدى القصير، فالمناخ السياسي في واشنطن يمكن أن تزداد حرارته وبشكل سهل طالما أن الين المحتفظ بقيمته مقابل اليورو يمكن أن يمنح صناع القرار في الصين الفرصة لتأخير أي تعديل لمعدلاتهم في تبادل العملة مقابل الدولار، وهي مسألة تناولها السياسيون الأمريكيون رفيعو المستوى في الفترة الأخيرة. أما العامل الثاني فيتعلق بالعدوى التي يمكن أن تنتقل إلى السوق الأمريكية وإلى النظام البنكي الهش في أمريكا في حال واجه النظام المالي الأوروبي ضغوط كبيرة بسبب الأزمة المستمرة.
تقييم الخيارات
لماذا لم تدرك وبشكل كاف بعد مجموعة العشرين الانعكاسات البنيوية من اندلاع أزمة أوروبية كاملة؟ السبب الأول هو لأن الأوروبيين أنفسهم تأخروا كثيرا في معرفة هذا الشيء على وجه التحديد، وثانيا، لأن هناك كثيراً من التفكير الرغائبي لمدة طويلة بألا تمتد الأزمة في اليونان وحتى في إسبانيا والبرتغال إلى بقية دول الاتحاد الأوروبي. وهذا التفكير خاطئ وبشكل ظاهر، فليس فقط قد اندمج الاتحاد الاوروبي بشكل كبير ولكن أيضا هناك عديد من الدول الأوروبية تشترك مع بعضها في الهشاشة في اتباع الوحدة النقدية التي أفضى عدم إكمال إطارها المؤسسي رفع منسوب عدم القدرة على الدفاع عن نفسها في مواجهة أزمات مقبلة. فقمة العشرين هي ليست مسرح صناعة قرار ولكنها جسم رفيع المستوى للتشاور، فالقادة لهذا السبب سيستعملون القمة في تورونتو لوضع مزيد من الضغط على الأوروبيين حتى يجمعوا على حل مشكلاتهم. فإعلان الأوروبيين الأخير عن آلية استقرار أوروبية هو بكل تأكيد خطوة في الاتجاه الصحيح في حال أضيف إليها مضمون تشغليي كامل، ومع ذلك فالخطوة لا يمكن اعتبارها كاملة لأنها لا تقدم إجابة مقنعة عن المشكلات الحالية.
وفي نهاية الأمر يمكن اعتبار أن أي أزمة ثقة في قدرة الأوروبيين على التعامل مع الديون سيعكس أيضا تراجع الثقة في قدرتهم على تحقيق النمو مرة أخرى. فعندما يركز الأوروبيون فقط على الاستقرار المالي فإنهم بذلك يخاطرون في تعزيز المخاوف في الأسواق المالية إلا إذا بدأوا في التحرك للأمام بخطط ذات صدقية وجريئة لتعزيز النمو ولإزالة مختلف العوائق والتنظيمات واللوائح المعيقة في الطريق. طبعا ليس هناك ما يمكن للدول الأخرى أن تقوم به لأن المسألة برمتها في يد الأوروبيين، وعليهم أن يكونوا يقظين لحقيقة أن أي إعلان لن يكون ذا مصداقية كافية ولن تكون هناك أي شبكة أمان مالي قوية ولن تكون هناك حزمة مالية كبيرة بما يكفي إن استمر الاوروبيون في اشتراط تعهداتهم في الدعم. فاتحاد أوروبي قوي يعني أنه يجب أن يصمد معا بصرف النظر عما يحدث في مقبل الأيام.