مصرفيون: ضرائب البنوك مستحيلة .. وعلى الأسواق الناشئة التحوط
هل ينجح الأوروبيون في إقناع بقية أعضاء مجموعة العشرين بفرض ضريبة على البنوك؟ وما موقف الاقتصادات الناشئة من هذا الاقتراح؟ وفي حالة عدم موافقة G20 على هذا الاقتراح، وإصرار الأوروبيين على فرض ضرائب على بنوكهم، ما مدى تأثير ذلك في الحوالات المصرفية في أوروبا والمخاوف بشأن هروب الأموال إلى بنوك خارج الاتحاد الأوروبي؟
وفي حالة افتراض سيناريو قبول قادة الدول العشرين بفرض الضرائب على البنوك، ما ردة الفعل المتوقعة من جانب البنوك؟ وهل ستعمد البنوك إلى تمرير الضرائب المفروضة عليها على قيمة الخدمات المصرفية؟
تساؤلات طرحتها ''الاقتصادية'' على الخبراء والمختصين للإدلاء بآرائهم قبيل افتتاح قمة مجموعة العشرين بمدينة تورنتو الكندية اليوم، والذي تتصدر أجندتها قضايا التعافي الاقتصادي، وكيفية التعامل مع المؤسسات المالية والمصرفية.
في البداية تحدث الدكتور يارمو كيوتلاين كبير الاقتصاديين في ''الأهلي كابيتال''، الذراع الاستثماري للبنك الأهلي التجاري، بقوله ''لست متأكداً بأن ينجح الأوروبيون في إقناع البقية بمقترحهم حول فرض الضرائب، يبدو لي أن آراء مختلف البلدان ما زالت متباعدة جداً، فقد رفض وزراء مالية مجموعة العشرين في مؤتمرهم الذي عقد في بوسان هذه الفكرة التي تلاقي معارضة قوية خاصة من جانب كندا وأستراليا.
#2#
وفي الواقع لا أرى أن هناك تغييراً كافياً في المزاج يؤدي إلى عكس هذا الموقف في الوقت الراهن لأسباب ليس أقلها أن الكثيرين يعتبرون أن هذه الضريبة تشكل خطراً على النمو.
أتوقع صدور مزيد من البيانات بشأن السياسات، وربما بعض التنازلات الرمزية في هذا الشأن، لكن دون أن يكون هناك اتفاق حقيقي على فرض ضريبة كبيرة.
على الأقل، أعتقد أن عدداً حتى من البلدان التي تتعاطف مبدئياً مع هذه الفكرة يرغب في تأجيل النقاش بشأنها''.
ويضيف ''معظم البلدان الغربية حريصة على استرداد بعض أموال دافعي الضرائب التي تم إنفاقها على عمليات إنقاذ البنوك، لكن يبدو أن لديها طرقها المختلفة لتحقيق ذلك، وبطبيعة الحال استرجعت الولايات المتحدة على سبيل المثال جزءاً كبيراً من الأموال التي تم استخدامها في برنامج إنقاذ الموجودات المتعثرة.
ربما يتم فرض بعض الضرائب لكنها ستكون محدودة الحجم بمدى الرغبة في تعريض التعافي للخطر''.
#3#
ويرى كبير الاقتصاديين في ''الأهلي كابيتال'' أن الخلاف الرئيسي بين أوروبا والبلدان الغربية الأخرى له جانبان، الأول أن ضرورة ضبط النفقات المالية العامة في أوروبا أكبر بكثير، فرغم أن وضع الولايات المتحدة ليس جيداً، إلا أن إمكانات النمو فيها تبدو أفضل، والتكاليف السياسية لفرض ضرائب جديدة في عام تعقد فيه الانتخابات (انتخابات الكونجرس النصفية في تشرين الثاني (نوفمبر) عالية وتعزز وضع الدولار كعملة احتياطي بسبب المشاكل التي تعانيها منطقة اليورو، أيضاً تظل جماعات الضغط في ''وول ستريت'' قوية.
ربما أمكن للولايات المتحدة أن تتدبر أمورها بسهولة أكبر في ظل الوضع الراهن، بينما يطالب مشترو السندات في الاتحاد الأوروبي باتباع التقشف في أوروبا.
إن فرض ضرائب على البنوك أسهل من الإضرار بالمستهلكين من عالم الشركات. وهناك فوائد سياسية لفرض ضرائب على البنوك إذا أخذنا في الاعتبار الاستياء واسع النطاق من عمليات الإنقاذ والمكافآت.
الأمر الثاني، ما زال وضع البنوك الأوروبية هشاً، فلديها سندات يونانية وإسبانية وبرتغالية بمليارات اليورو، الأمر الذي يعرضها لضغط متجدد خاصة أن البنك المركزي الأوروبي يتوقع أن تكون هناك زيادة حادة في عمليات التحوط. وقد تكون البنوك الأوروبية بحاجة إلى عمليات إنقاذ إضافية، ولذلك السبب وحده، لن يدخر السياسيون جهداً لإثبات أن هذه ليست هوة لا قرار لها.
وعن موقف الاقتصادات الناشئة من مسألة فرض الضرائب، يقول كيوتلاين ''بصورة عامة، أعتقد أن الأسواق الناشئة تعتبر أن هذه المشكلة مشكلة الغرب، وعلى الغرب أن يجد حلاً لها.
لقد كان أداء الأسواق المالية في الاقتصادات الناشئة جيداً نسبياً ولا توجد مشاكل هيكلية فيها. الشيء الوحيد الذي يرغب فيه كثير من حكومات الأسواق الناشئة هو تعزيز مساهمة القطاع المالي في النمو. والضرائب الجديدة لا تحظى بقبول كبير في هذا الشأن. إن الأرضية المشتركة تأتي من رغبة الأسواق الناشئة في الحد من التجاوزات، بيد أنها قد تكون أكثر رغبة في التحوط ضد التجاوزات عبر التنظيم المتحفظ مما هو عبر فرض ضرائب فعلية، والكثير منها ليس بحاجة إلى الأموال على أية حال''.
وفي حال قام الأوروبيون بشكل منفرد بفرض ضرائب على بنوكهم وأثر هذا القرار، يعلق الدكتور يارمو ''هذا الاحتمال وارد، ومن المرجح أن تكون الضرائب ضئيلة بما يكفي لجعل البنوك تفكر مرتين. وفيما عدا ذلك، هناك أمران ينبغي أخذهما في الاعتبار: أولاً، كان هذا سيحدث في كل الأحوال.
ذلك أن عدداً متزايداً من المؤسسات مهتم بالأسواق الناشئة وبدأ يفقد حماسه لأوروبا بسبب حدة المشاكل الهيكلية وهزالة احتمالات النمو فيها، كما أن عددا من البلدان الأوروبية يقوم بتشديد الأنظمة التي تحكم القطاع المالي بشكل كبير في مجالات أخرى كذلك.
ولذلك فإن الضرائب، على أهميتها، ستكون مبعث قلق آخر وليس المشكلة الرئيسية، ثانياً، سوف تستخدم الأنظمة للتحوط ضد هجرة الأموال حتى لو كان النجاح على هذا الصعيد جزئياً فقط.
وستكون هناك رغبة لدى الجهات التنظيمية الأوروبية في أن تكون لها سيطرة أكبر على البنوك التي تعمل على أراضيها. ومن المرجح أن تقوم تلك الجهات بتشديد التنسيق على المستوى الأوروبي وتصر على أن تعمل البنوك النشطة في أوروبا من خلال شركات تابعة مقيمة في الاتحاد الأوروبي يمكن إخضاعها للمراقبة. وفي حساباتها بالطبع، أوروبا رغم ما لديها من مشاكل، سوق كبيرة ومهمة لدرجة لن يكون كثير من المؤسسات من الغباء بحيث تدير ظهرها لها''.
من شبه المؤكد أن تبذل البلدان خارج الاتحاد الأوروبي جهوداً للحصول على ميزة تنافسية، وأن تعمل بنشاط على إغراء المؤسسات الأجنبية بالقدوم إليها. وحتى لو نجح الاتحاد الأوروبي في الاحتفاظ بجبهة موحدة، فإن من غير الواضح إذا ما كان يستطيع فرض وجهة النظر هذه على الدول غير الأعضاء فيه، وحتى على الدول التي له اتفاقيات تعاون واسعة المدى معها. وتعتبر سويسرا حالة مهمة بشكل خاص في هذا الأمر، لكن بعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وتركيا قد تحاول استقطاب الأعمال.
وبطبيعة الحال، سوف يتم اتخاذ خطوات مشابهة من جانب عدد من المراكز المالية الطامحة الأخرى خارج أوروبا. لكن هذه التحركات سوف تتضرر في المدى القريب من جراء النفور العام من المخاطرة ونقص رأس المال، ولكن قد ننتهي إلى حل مشكلة واحدة لنجد أنفسنا في مواجهة مشكلة أخرى قبل مضي وقت طويل. وبقدر ما تحدونا الرغبة في إلغاء المنافسة التنظيمية السلبية، فإن هذا لم يحدث حتى الآن. وبشأن ردة الفعل المتوقعة من قبل البنوك في حال فرضت ضرائب عليها، يشير كبير الاقتصاديين بقوله، ''لا أتوقع منها أن تكون متحمسة جداً.
ونستطيع بالتأكيد أن نتوقع منها أن تتخذ إجراءً دفاعياً وأن تمارس ضغوطاً كبيرة لعكس بعض التدابير. وإذا افترضنا أن أوروبا فقط ستقوم بفرض هذه الضريبة، فسوف تضغط البنوك على أساس تضاؤل قدرتها التنافسية العالمية، ويمكن أن تكسب جهودها قوة دفع إذا تحسن الوضع الاقتصادي، وسوف تبحث البنوك أيضاً عن سبيل لخفض التكاليف التي تتحملها. ومن المحتمل أن تعتمد على توزيع منتجات الأطراف الأخرى وقد ينتقل العنصر التصنيعي الخاص بالكثير من المنتجات إلى خارج الاتحاد الأوروبي''.
وقد تتلقى أسواق المال دفعة تعزيزية شريطة ألا تعمل الضرائب على إلغاء ميزاتها. وقد يصبح الكثير من الشركات أكثر استعداداً للنظر في تمويل الأسهم والسندات إذا أصبحت القيود التي تواجهها البنوك أكثر حدة. وبصورة أعم، ستكون هناك حاجة إلى اليقظة التنظيمية لضمان عدم تدني جودة الخدمات المقدمة للعملاء. أما فيما يتعلق بجزئية هل ستمرر البنوك الضرائب على تكاليف خدماتها، أكد يارمو ذلك بقوله ''نعم، بدرجات متفاوتة اعتماداً على الخدمة والعميل. الطلب على كثير من الخدمات لا يتسم بالمرونة – ذلك أن الناس سوف تحتاج إليها بغض النظر عن السعر.
وبهذا المعنى سوف تفعل البنوك كل شيء لحماية هوامش ربحها. وفي بعض المجالات، قد نشهد منافسة أكثر قليلاً، وقد تستخدم بعض البنوك تآكلاً مؤقتاً في هوامشها كمحاولة للحصول على حصة في السوق. وفي بعض المجالات، فإن مزيداً من المنتجات المالية مهما كانت غير ملائمة من المنظور الدوري، سيكون أمراً جيداً. ذلك أن أحد العوامل التي أدت إلى الفقاعة كان الرخص الشديد للأموال بسبب التدني القياسي لأسعار الفائدة''.
#4#
من ناحيته يتفق نبيل المبارك مدير عام شركة سمة الائتمانية والكاتب الاقتصادي مع الدكتور يارمو بشأن التشكيك في قدرة الأوروبيين ونجاحهم بإقناع بقية الدول الأعضاء في مجموعة العشرين بمقترح فرض ضرائب على البنوك، وقال ''الواقع يختلف من دولة إلى أخرى، أمريكا تعارض هذا المقترح بحكم سيطرة القطاع المالي فيها على متخذ القرار السياسي ورأينا هذا النفوذ بشكل واضح في وقت سابق من خلال عدم قدرة الرئيس أوباما على اتخاذ بعض القرارات المهمة بشأن القطاع المصرفي في بلاده والذي هو منشأ الأزمة العالمية''.
ويردف المبارك ''دول أخرى مثل السعودية لم تتعرض لأي مشاكل في قطاعها المالي ومنذ بداية الأزمة نأى الاقتصاد السعودي عن التعرض لها وبالتالي يصعب الموافقة على إصدار ضرائب على البنوك، أما النظرة الأوروبية ففيها نوع من الجانب الاجتماعي الذي يسيطر عليهم، ليس من المستبعد فرضها داخل نطاق الاتحاد الأوروبي داخلياً لكن على المستوى العالمي شبه مستحيل''.
وأضاف ''لا أستغرب أن يكون موقف الصين والبرازيل والهند ربما يكون معارضا لفرض الضرائب لأن بنوكهم أيضاً لم ترتكب نفس الحماقات التي قامت بها البنوك الأوروبية، وبالتالي المسألة شبه محسومة ولن يتم فرض ضرائب، نتوقع وضع بعض الحلول الوسطية عبر فرض ضرائب على البنوك المخالفة بشكل أكبر أو ما إلى ذلك''.
ويرى مدير عام شركة سمة الائتمانية أن إصرار الأوروبيين على فرض ضرائب حتى على بنوكهم في هذا التوقيت بالذات أمر فج، ويستطرد ''من الجيد المحافظة على حقوق الأفراد، لكن هذا الأمر عملياً فيه العديد من السلبيات الاقتصادية الكثيرة، سواء من ناحية استقرار الأموال، وهروب رؤوس الأموال الأجنبية، هناك حلول أخرى مثل تشديد السياسة المالية، والضغط على البنوك وإلزامها بالتحفظ أكثر''.
وحول ردة فعل البنوك في حال فرض ضرائب عليها، يؤكد المبارك أن ردة فعلهم لن تكون مباشرة وستأخذ مدى طويلا ربما لسنوات حتى تتبين عائداتها، ويضيف ''في النهاية لا يمكن توقع خروج الناس من السوق الأوروبي الذي يشكل ما يقارب 400 مليون نسمة، وهي سوق غنية ومتقدمة، وفيها مميزات ربما لا توجد في الصين، الهند والبرازيل من ناحية تقدم السوق، وثقافة المجتمع، وحتى تعرف البنوك منذ 20 عاماً أن العمل في أوروبا له التزامات معينة، وهناك نسبة التزام بالنظام عالية جدا، والأنظمة متجددة وفيها حقوق مختلف الأطراف واضحة''.
ويلفت نبيل المبارك بأن هناك نقطة قد تكون غائبة عن الكثيرين وهي أنه لا يوجد مصرفي يعمل في منطقة واحدة، لابد أن لهم فروعا أو أذرعا في عدة مناطق من العالم وبالتالي فإن البنوك تستطيع تغيير عملياتها بشكل مستمر لتتلافى أي مشاكل تواجهها في منطقة ما، مؤكداً أن البنوك في أوروبا لا يمكنها تمرير الضرائب على خدماتها لأن النظام لا يسمح بذلك.