طموحات القوى الصاعدة تضغط على رغبات الكبار في تورنتو

طموحات القوى الصاعدة تضغط على رغبات الكبار في تورنتو

انقسمت القوى العالمية الكبرى على نفسها بشأن كيفية الحفاظ على قوة الدفع التي حظي بها الاقتصاد العالمي، وسبل منع تعرض النظام المالي العالمى لازمة أخرى، إذ يتوجه قادة مجموعة الدول الصناعية والاقتصاديات الصاعدة العشرين إلى قمة في تورونتو يوم السبت المقبل وهم يحملون أولويات مختلفة بشأن الدين الحكومي وحزم التحفيز والإصلاحات المالية.
وبحسب ما نقلته وكالات الأنباء العالمية أمس عن إسوار براساد من معهد «بروكينجز» ومقره واشنطن « فإن توترا عميق يسود الآن بين تدابير مواصلة الانتعاش وتدابير السيطرة على العجز في الموازنة العامة وإجراءات ثانوية خاصة بالمحفزات الاقتصادية... قادة مجموعة العشرين سيعملون على توفيق مهمتهم عندما يجتمعون في تورونتو».
وتمضي اقتصادات القوى الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل قدما وتحقق نموا بصورة كبيرة ، مظهرة علامات ضعيفة من التأثر جراء أزمة الائتمان العالمية التي دفعت العالم إلى ركود في العام الماضي.
ولا ينطبق الأمر نفسه على دول العالم الغنية، فأوروبا على سبيل المثال تكافح في ظل نمو بطيء يتضاعف بسبب أزمة الديون الجارية. وسجلت الولايات المتحدة ، أكبر اقتصاد في العالم، نموا كبيرا في العام الحالي لكن انتعاشها هذا لم يتحول حتى الآن إلى فرص عمل.
لقد أحدثت هذه المسارات المختلفة اختلافات حادة بشأن ما يتعين فعله على الساحة الدولية. وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطاب إلى نظرائه من قادة مجموعة العشرين في الأسبوع الماضي إن الدول ستشكل خطرا على الانتعاش العالمي إذا خفضت الإنفاق العام.
وأضاف « يجب أن تتمثل أولويتنا القصوى في تورنتو في حماية وتعزيز الانتعاش... بذلنا جهدا استثنائيا لاستعادة النمو ، ولا يمكننا تركه يتداعى أو يفقد قوته الآن».
وتمضي الولايات المتحدة قدما على الرغم من عجز موازنتها بنسبة تفوق 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ويدرس الكونجرس حزمة إنفاق أخرى بقيمة 100 مليار دولار للمساهمة في خفض نسبة البطالة في الولايات المتحدة والتي بلغت 9.7 في المائة.
من ناحية أخرى، بدأت دول الاتحاد الأوروبي بالفعل في كبح أزمة الإنفاق الخاصة بها. وأعلنت عواصم أوروبية عمليات خفض ضخمة في إنفاقها في الأسابيع الأخيرة ، متأثرة بمخاوف من حدوث رد فعل عنيف للسوق تجاه دول مثل اليونان ، والتي يعتبر عجز موازنتها لا يمكن تحمله.
وفي مقابل هذه الخلفية ، اتفقت قمة للاتحاد الأوروبي عقدت في الأسبوع الماضي على أنه يتعين علي الكتلة دفع الأعضاء الآخرين في مجموعة العشرين تجاه خفض الإنفاق وليس زيادته. وتجلس كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا على طاولة مجموعة العشرين إضافة إلى قادة المفوضية الأوروبية.
وذكر بيان قمة الاتحاد الأوروبي « نظرا للمخاطر الكبرى التي انبثقت أخيرا من حزم التحفيز المالي الاستثنائية والتي تستهدف تحقيق استقرار الموازنات العامة ، فإنه يتعين على مجموعة العشرين الاتفاق على استراتيجية خروج منسقة ومتباينة لضمان استدامة الموارد المالية العامة».
وأدى التضامن الملح للاتحاد الأوروبي بالفعل إلى تغيير في اللهجة عندما اجتمع وزراء مالية مجموعة العشرين في بوسان في كوريا الجنوبية في وقت سابق هذا الشهر. ودعا البيان الصادر عنهم إلى الحفاظ على إجراءات التحفيز المالية إلى أن يتماسك الانتعاش العالمي ، بدلا من التركيز على أهمية وضع موازنات حكومية لا تعاني عجزا كبيرا.
وعلى الصعيد المالي ، أخفى قادة الاتحاد الأوروبي خلافاتهم الخاصة من أجل مطالبة مجموعة العشرين بدفع فرض ضريبة دولية على المعاملات البنكية التي تتسم بالخطورة إلى جانب فرض ضريبة عالمية على المعاملات المالية.
وكلا الدعوتين تستندان إلى الرغبة في جعل البنوك تدفع تكلفة الاضطراب الذي أصاب الأسواق العالمية في أعقاب انهيار النظام المصرفي في عام 2008 . بيد أنه لا يوجد اتفاق سواء في الاتحاد الأوروبي أو مجموعة العشرين بشأن كيفية تطبيق الأمر.
وتعارض البلدان النامية والصناعية الأصغر ضرائب البنوك المنسقة، معللين ذلك بأنهم لم يضطلعوا بأي دور في إشعال الأزمة المالية العالمية. وتقود كندا، التي تستضيف قمة العشرين هذا الموقف.
وأسقط فرض ضريبة على البنوك من قائمة أولويات الولايات المتحدة ، حيث إنها تدفع من أجل إجراء إصلاحات مالية أشمل. ومع هذا ، طالبت إدارة أوباما بالفعل بفرض ضريبة على المؤسسات المالية الأمريكية لاستعادة تكلفة حزمة إنقاذ الصناعة في السنوات القليلة الماضية.
كما أخفق وزراء مالية مجموعة العشرين في التوصل لاتفاق بشأن مسألة فرض ضريبة على البنوك في اجتماع بوسان. ولا يتوقع أن يكون هناك قرار نهائي للنزاع إلى أن تعقد القمة المقبلة لقادة مجموعة العشرين في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
حتى في داخل الاتحاد الأوروبي، لا يوجد اتفاق بشأن نوع الرسوم التي سيتم فرضها وسبل استغلال الأموال التي سيتم تحصيلها. وتقود ألمانيا ولوكسمبورج دعوات لفرض ضريبة على التعاملات المصرفية ، بدعوى أن هذا سيوفر مخصصات مالية ضخمة وسيكبح من التعاملات المصرفية التي تتسم بالخطورة دون التسبب في حدوث ضرر كبير للمستهلكين أو المركز المالي للبنوك.
لكن السويد وبريطانيا والتشيك تعارضان هذا الاتجاه. وكانت السويد قد قدمت ضريبة مماثلة في فترة الثمانينيات من القرن الماضي ، وشهدت هروب كثير من شركاتها إلى أوسلو ولندن جراء هذا.
وأكد رئيس الوزراء البريطاني الجديد ، ديفيد كاميرون ، أنه لن توجد قواعد منسقة في الاتحاد الأوروبي ، ما يجعل من غير المرجح أن تحقق مجموعة العشرين نجاحا أكبر.
وأصر كاميرون « لا نرغب أن يكون لدينا نوع من ضريبة بنوك محددة أوروبيا مع استخدام محدد للأموال».
رغم ذلك فإن رؤساء دول وحكومات بلدان مجموعة الثماني وكذلك مجموعة العشرين يسعون لاعادة اطلاق عجلة التعاون الدولي بين هذه الاقتصادات الكبرى وبحث الاختلافات في وجهات نظرهم من مواضيع سجالية متعددة.
وهذه المحادثات التي ستجري على مدى ثلاثة أيام وعلى أعلى المستويات ستتيح التطرق إلى مسائل اقتصادية بالغة الحساسية مثل الدين العام وضبط القطاع المالي وفرض ضرائب جديدة عليه، وصولا إلى تنسيق السياسات الاقتصادية تحقيقا للمصلحة المشتركة.
وأولى هاتين القمتين اللتين ستستضيفهما كندا ستكون قمة مجموعة الثماني التي ستلتئم يومي الجمعة والسبت في هانتسفيل (أونتاريو، جنوب شرق) وستجمع أربع دول أوروبية (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا وإيطاليا) إضافة إلى الولايات المتحدة وكندا واليابان وروسيا.
وفي منطقة موسكوكا ستبحث قمة الدول الصناعية الكبرى جدول أعمال يتركز على مسائل السلام والأمن، بحسب دبلوماسي في المجموعة.
أما قمة العشرين التي ستستضيفها تورونتو، العاصمة الاقتصادية للبلاد، فمن المقرر أن تتطرق إلى مروحة أوسع بكثير من المواضيع. وتضم مجموعة العشرين، إضافة إلى دول مجموعة الثماني البلدان ذات الاقتصادات الناشئة وهي جنوب إفريقيا والسعودية والأرجنتين وأستراليا والبرازيل والصين وكوريا الجنوبية والهند وإندونيسيا والمكسيك وتركيا إضافة إلى الاتحاد الاوروبي.
ومن المقرر أن تبحث هذه الدول الثرية والناشئة اقتصاديا «تقييما متبادلا» لسياساتها الاقتصادية، وهي خطوة ينسقها صندوق النقد الدولي.
والهدف من هذا الأمر هو الاطلاع على مشاريع كل دولة من هذه الدول في ما يتعلق بموازنتها، وكذلك أيضا البحث في أسعار صرف العملات والإصلاحات البنيوية، توصلا إلى «نمو عالمي متين ومستديم ومتوازن»، وهو الهدف الذي اقرته قمة مجموعة العشرين الاخيرة التي عقدت في بيتسبورج في الولايات المتحدة في أيلول (سبتمبر).
ويبدو الاقتصاد العالمي اليوم بعيدا جدا عن بلوغ هذا الهدف المثالي. ففي وقت يحقق النهوض الاقتصادي في عديد من مناطق العالم، ولا سيما في آسيا، معدلات نمو عالية للغاية، فان مخاوف هائلة وحقيقية تحدق باقتصادات مناطق اخرى وفي طليعتها أوروبا.
كما يهدد نزاع بشأن قيمة العملة الصينية أن يلقي بظلاله على قمة لزعماء العالم هذا الأسبوع ، لكن القوة الآسيوية قد تخفف من التهديدات الأمريكية بشن حرب تجارية وذلك بتقديم غصن زيتون قبيل الاجتماع.
ويلقي أعضاء الكونجرس الأمريكي، الذين يضعون نصب أعينهم الانتخابات المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، باللوم فيما يتعلق بمسؤولية التعافي الأمريكي دون توفير وظائف في معظمه إلى العجز التجاري الضخم مع الصين. ويهدد الكونجرس بفرض رسوم جمركية على الصين في حال عدم سماحها لعملتها الرينمينبي (اليوان) بالارتفاع.
وتختلف مخاوف أوروبا بشكل محلوظ عن نظيرتها الأمريكية إذ إنها تحارب من أجل تعزيز علمتها «اليورو» في غمرة أزمة ديون. لكن في ضوء سعي الاثنين إلى تحسين صادراتهما إلى الصين ، من المرجح أن يشكل الجانبان جبهة موحدة في أي مسعى لإعادة تقييم اليوان.
واستأنف البنك المركزي الصيني عملية زيادة قيمة اليوان مطلع الأسبوع معلنا أنه سينهي عامين من تثبيت اليوان أمام الدولار الأمريكي. وارتفع اليوان بنسبة معتدلة بلغت 0.4 في المائة أمام الدولار خلال تعاملات أمس الأول الإثنين في أول زيادة منذ تموز (يوليو) عام 2008.
كانت الصين قد سمحت بعملتها أن ترتفع تدريجيا خلال خمس سنوات لكنها أوقفت العملية بهدف إحداث استقرار في الاقتصاد في غمرة الأزمة المالية عام 2008. وحذر مسؤولون صينيون من أن الزيادة ستكون تدريجية على الرغم من إعلان يوم السبت.
وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إنه يرحب بالتنازل الصيني باعتباره «خطوة بناءة يمكن أن تساهم في حماية التعافي» لكنه لا يزال يخطط لإثارة نزاع سعر الصرف خلال قمة مجموعة العشرين المقررة في تورنتو مطلع الأسبوع القادم.
وقال بيل بورتون المتحدث باسم البيت الأبيض للصحافيين أمس الإثنين إن «التنفيذ سيكون مهما ، لذا نحن نتجه للتو لمتابعة ذلك».
وقلل مسؤولون صينيون من أهمية أسعار الصرف قبيل قمة العشرين متهمين المنتقدين الأمريكيين بتسيس القضية وجعل الصين كبش فداء للمشكلات الاقتصادية الأمريكية.
وقال نائب وزير الخارجية الصيني كوي تيانكاي الذي يرأس وفد بلاده للتحضير للقمة إن «الرينمينبي هو عملة صينية لذا لا أعتقد أنها قضية ينبغي بحثها دوليا».
وقال محللون في الصين إن التعهد بإعادة تقييم سعر اليوان قبيل القمة كان متوقعا ، ويجب أن يعقبه الآن إجراء للتخفيف من المخاوف الخارجية.
وقال الخبير الاقتصادي ستيفن جرين في مؤسسة «ستاندرد تشارترد» المالية إن «المهم لإدارة التوترات السياسية هي أن يصبح اليوان أكثر مرونة عن ذي قبل وأن يتحدد سعره وفقا لآلية السوق».
وتعهد مشروعون أمريكيون بمواصلة الضغوط في هذه الأثناء ، مشيرين إلى رفض الصين إعادة تقييم أكبر لليوان دفعة واحدة. وسيسمح الكونجرس لوزارة التجارة الأمريكية بأن تقوم بتضمين العملة كعامل محدد للرسوم التجارية الجديدة على الواردات الصينية.
وقال بيتر موريسي أستاذ الاقتصاد في جامعة ماريلاند إننا «سمعنا هذه الكلمات من قبل» تعليقا على تعهد الصين مطلع الأسبوع ووصفه بأنه «خدعة لتهدئة المنتقدين خلال الفترة السابقة على اجتماعات مجموعة العشرين وهي أقل من أسبوع دون إعادة تقييم اليوان بشكل كبير وكدفعة واحدة».
وقال أوباما في الماضي إنه يعتقد أن الصين تتلاعب بعملتها لكن إدارته حتى وقت قريب ترفض مواجهة الصين علنا بشأن سعر صرف عملتها.
وأحجمت وزارة الخزانة عن إقرار رسوم في وقت سابق من هذا العام ، مؤجلة صدور تقرير نصف سنوي للكونجرس على أمل التوصل لاتفاق مع الصين. وقال وزير الخزانة تيم جيثنر إن الولايات المتحدة ستقيِّم موقفها بعد قمة العشرين.
وحذر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية كين جانج من أن نزاع العملة أصبح «مبررا لاتخاذ إجراءات حمائية ضد الصين تلك الإجراءات غير مبررة إطلاقا وستضر في نهاية المطاف بكلا الجانبين».
ويقدر خبراء الاقتصاد بأن اليوان مقوم بسعر أقل من قيمته أمام الدولار بنسبة تراوح بين 5 إلى 50 في المائة لكن تأثير ضعف عملة الصين والعجز التجاري الكبير على الاقتصاد الأمريكي موضع نزاع ساخن.
وقال معهد السياسة الاقتصادية الأمريكي في دراسة صدرت في آذار(مارس) الماضي إن العجز التجاري كلف اقتصاد الولايات المتحدة 2.4 مليون وظيفة خلال الفترة من عامي 2001 إلى 2008.
لكن جوزيف فرانسوا في مركز الأبحاث الاقتصادية والسياسية يرى أن زيادة قيمة العملة الصينية ستضر فعليا بسوق الوظائف الأمريكية نظرا للارتباط الكبير للاقتصادين ببعضهما البعض.
وقبل اسبوع من قمة تورنتو خطت الصين خطوة بالغة الأهمية باعتمادها بعض المرونة في ما يتعلق بسعر صرف عملتها، مستجيبة بذلك لمطلب مزمن من شركائها الدوليين. غير أن الآثار الاقتصادية لهذه الخطوة الصينية لا تزال غير جلية حتى الساعة.
إلى ذلك قال المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إن كاميرون اتفق مع الرئيس الامريكي باراك أوباما على العمل على توحيد السياسات المالية خلال قمة قادة مجموعة العشرين التي تعقد مطلع الأسبوع المقبل، وإن الرجلين سيعقدان أول اجتماع ثنائي لهما يوم السبت المقبل.
وأضاف المتحدث أن الزعيمين اتفقا في محادثة هاتفية، الثلاثاء الماضي، على ضرورة التوصل إلى توافق في تنفيذ السياسات المالية خلال القمة التي تعقد في كندا لتعزيز ركائز النمو الاقتصادي في المستقبل.

الأكثر قراءة