الاختبارات ومصادر القلق

تمر هذه الأيام معظم المجتمعات بمرحلة الاختبارات النهائية مع أن بعض المجتمعات قدم الاختبارات لهذه السنة نظراً لتزامنها مع دورة كأس العالم المنعقدة في جنوب إفريقيا, وذلك تفادياً لما يمكن أن تحدثه من انشغال للطلاب ومتابعة لمجريات مبارياتها, ما يضيع عليهم كثيرا من الوقت, ويأخذ جزءاً من التفكير الذي يفترض أن يركز على بناء المستقبل المرتبط بالعلم والمعرفة بدلاً من أن يكون التركيز على الهوايات فقط.
ومع ما يكتنف فترة الاختبارات من ضغوط ومصادر قلق للطلاب, لذا وجدت من الأهمية بمكان مناقشة موضوع الاختبارات, التي ليست مقتصرة على الفرد والأسرة, بل هي شأن اجتماعي عام ينشغل به الجميع, نظراً لما يترتب على أداء الطلاب من نتائج تؤثر بصورة مباشرة في مستقبلهم الدراسي والمهني, خاصة طلاب المرحلة الثانوية التي إما أن تفتح نتيجتها الباب أمام الطالب لمواصلة مشوار الدراسة وإما تغلق الباب, ويضطر الطالب إلى البحث عن فرصة عمل أو دورة تؤهله لعمل مستقبلي ربما لا تتضح معالمه وفرص التطور فيه.
قبل فترة وجيزة سمعت خبراً من مصر يفيد بأن مجلس الوزراء في مصر وافق على نقل أسئلة اختبارات سنة ثالثة ثانوي في طائرات عسكرية, وذلك ضماناً لعدم الاعتداء عليها أثناء نقلها من العاصمة القاهرة إلى المناطق النائية. توقفت عند هذا الخبر طويلاً, واسترجعت في الوقت ذاته حدثاً مرتبطاً بالاختبارات حدث في الأردن, إذ قبل ما يقارب ست سنوات أجلت اختبارات الثانوية العامة لمدة أسبوعين, وتصدر خبر التأجيل نشرة الأخبار في وسائل الإعلام الأردنية, وذلك بسبب تسرب بعض الأسئلة, وأحدث هذا التأجيل كثيرا من الإرباك لكثير من الأسر التي خططت للسفر, حيث ألغيت حجوزات الطيران والفنادق والشقق, وتدخل المدعي العام الأردني وأحيل مسؤولون في وزارة التربية إلى المحاكمة.
نحن في المملكة تخلينا عن المركزية في اختبارات الثانوية العامة, وذلك نظرا لما تحدثه من تكلفة وإجراءات إدارية طويلة, ومع ذلك لا يمكن ضمان سرية الأسئلة, وعدم التسرب بتطبيق اللامركزية, كما لا يمكن ضمان وحدة المعايير لمدارس المملكة كافة. تأملت في هذه الأوضاع والممارسات وتساءلت بشأن آثارها في الطلاب, وبشأن ما تخلقه من مناخ اجتماعي مستنفر أثناء فترات الاختبار. ما من شك أن مثل هذه الإجراءات التي تصل إلى حد استخدام الطائرات العسكرية أو إلغاء الاختبارات وتأجيلها تحدث ضغوطاً وحالة غير طبيعية لدى الطلاب وأولياء الأمور لأنها ترفع من مستوى القلق وتضعف من هدف التعليم بعيد المدى المتمثل في اكتساب المعرفة وبناء المهارات والقيم, وتجعل الهدف القريب المتمثل في اجتياز الاختبار هدفاً أساساً.
مصر العريقة في العلم والمعرفة, وذات الجامعات التي نشرت معارفها في أنحاء العالم العربي كافة تضطر إلى نقل الأسئلة عبر الطائرات العسكرية في زمن التقنية والتواصل الإلكتروني .. هل عجزت عقول العلماء والمسؤولين عن التربية والتعليم والمركز القومي للاختبارات عن إيجاد الآليات والأساليب التي تضمن السرية وتحقق النقل الآمن للاختبارات, أم أن الفلسفة الإدارية والسياق الثقافي, أو الفلسفة الإدارية والتربوية السائدة تريد هذا الشيء؟!
النظام الإداري الذي يخلق مثل هذا الوضع بشأن الاختبارات يترتب عليه كثير من الأضرار كاللجوء إلى استخدام المهدئات بحجة أنها تزيد التحصيل مثل حبوب الكبتاجون, أو التفكير في الانتحار, وهذا ما نقلته وسائل الإعلام هذه الأيام, حيث أقدم طالبان على تمزيق أوراق الاختبارات والشروع في الانتحار في مصر, ما حدا بأولياء الأمور مناشدة الرئيس حسني مبارك التدخل في الأمر وحلحلة الوضع الجامد والمتحجر الذي حول الاختبارات إلى بعبع يحسب له ألف حساب.
ما من شك أن أوضاعاً كهذه تخلق تأزماً على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع الذي يتحول إلى أسير للاختبارات وأجوائها وإجراءاتها, مع أن هدف التقويم الموضوعي وإبراز الفروق الفردية الحقيقية الدالة على مستوى المعرفة أو المهارة المتحققة لدى الدارسين لا يختلف عليه, لكن ما الذي يمنع من السعي إلى تحقيق الهدف, لكن بفلسفية إدارية وتربوية مختلفة مع توظيف التقنية التي يسرت كثيرا من الأمور في المجالات كافة؟ فكيف بالأمور التربوية, وبالأخص الاختبارات, هل عجزت التقنية عن خدمة هذا المجال أم فشل التربويون ورجال التعليم في توظيف التقنية بالشكل الذي ييسر الأوضاع ويحقق الموضوعية ولا يخلق مناخاً ضاغطاً؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي