قمة الانتعاش و البدايات الجديدة

قمة الانتعاش والبدايات الجديدة. هكذا سميت مجازاً قمة العشرين في مدينة تورنتو الكندية. قمة تحاورية تحمل في طياتها تساؤلات مفادها ماذا قدمت قمة العشرين؟ وماذا يمكن أن تقدم؟ سؤالان سيسألهما كل زعيم من زعماء قمة العشرين عندما يجتمعون صباح السبت في مدينة تورنتو الكندية للتحاور في شأن سياسات دعم نمو الاقتصاد العالمي، و آليات تفادي حدوث أزمات مالية عالمية جديدة.
قمة المجموعة العشرين هي تكتل اقتصادي عالمي يهدف إلى تبادل وجهات النظر حول تحديات منظومة الاقتصاد العالمي، وبحث آليات التنسيق و التعاون المشتركة في سبيل مواجهة هذه التحديات. اقترن اسم المجموعة بالرقم (20) عطفا على عدد الأعضاء المشاركين في القمة. حيث تضم القمة في عضويتها (19) دولة من دول العالم المختلفة التي تتباين نوعية اقتصاداتها من اقتصادات متقدمة إلى ناشئة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي ليكمل الرقم (20) في عقد قمة المجموعة العشرين. تشارك أيضا هيئات مستقلة بصفة أعضاء مستمعين كصندوق النقد الدولي ولجنته للنقد والمالية، والبنك الدولي ولجنته للتنمية.
أنشأت قمة المجموعة العشرين أواخر التسعينيات الميلادية عطفا على، أولاً، الأزمة المالية العالمية أواخر التسعينيات الميلادية، وثانيا، ضغط الاقتصاديات الناشئة على الاقتصاديات المتقدمة بهدف المشاركة الفعالة في صناعة القرار الاقتصادي العالمي.
تمثل إقتصادات أعضاء قمة المجموعة العشرين مجتمعة ما يقارب 90 في المائة من إجمالي الناتج القومي العالمي، و80 في المائة من حجم التجارة العالمية، 66 في المائة من عدد سكان العالم. تشكل هذه الإحصاءات، من الجانب النظري على أقل تقدير، ثقلا عالميا مؤثر في الاقتصاد العالمي ونظامه المالي.
و على الرغم من هذا الثقل الاقتصادي، إلا أن على مجموعة العشرين بعض المآخذ. من أهمها أنها هي طاولة حوار بين مجموعة من اقتصادات منظومة الاقتصاد العالمي، عوضاً عن هيئة اتخاذ قرار اقتصادي. وانحصار اهتماماتها في الشؤون المالية والاقتصادية، دون الشؤون الصحية، والتعليمية، والبيئية. كما أن أهدافها من الناحية العملية هي تكرار لسياسات الاقتصاد الحر، كالتخصيص، والتحرير، وأسواق العمل، والمنافسة.
من أهم إنجازات قمة مجموعة العشرين ترقية مستوى تمثيل أعضائها من وزراء مالية ومحافظي مصارف مركزية إلى ملوك ورؤساء ورؤساء حكومات، ما ساعد على زيادة متانة المشاركة الفعالة في تبادل وجهات النظر على طاولة القمة.
ومن النتائج التابعة لهذا الإنجاز ما صدر عن قمة العشرين في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 في العاصمة الأمريكية واشنطن من بيان القمة الذي عرف مجازاً بـ ''بيان واشنطن''. ركّز البيان على خمسة محاور هي: توحيد وجهة النظر حول مسببات الأزمة العالمية الأخيرة، ومراجعة برامج الإصلاح الاقتصادي للدول الأعضاء والتزاماتها في سبيل معالجة الأزمة العالمية و دعم النمو الاقتصادي، والاتفاق على مجموعة من المبادئ العامة لإصلاح الأسواق المالية، وإطلاق خطة إصلاح عامة وتكليف وزراء المالية في الدول الأعضاء لتنفيذها ورفع التوصيات لقادة القمة في اجتماعهم المقبل، وأخيراً، توثيق التزام قادة القمة بانتهاج مبادئ السوق الحرة.
لم يعمل ''بيان واشنطن'' كخريطة طريق لعمل القمم الثلاث اللاحقة فحسب، و لكنه أيضا حمل في طياته جرعة كبيرة من التفاؤل لدرجة أنه وصف من عدد من المراقبين بأنه ''معاهدة بريتن وود الثانية''. بدأت الدول الأعضاء بالنظر إلى الآليات الممكنة لإمكانية الاستفادة من ''بيان واشنطن'' و تنفيذه حتى موعد قمة العشرين الثانية في العاصمة البريطانية لندن في نيسان (أبريل) 2009.
سميت القمة الثانية مجازاً بـ ''قمة لندن'' عطفاً على مشاركة هيئات و مؤسسات دولية خارج مضلة مجموعة العشرين. هدفت ''قمة لندن'' إلى مراجعة أداء الدول الأعضاء في برنامج الإصلاح الاقتصادي، و إيجاد الحلول الاقتصادية اللازمة. نتج عن ''قمة لندن'' مجموعة من النتائج. أولاً مالية عبارة عن إلتزامات مالية من الدول الأعضاء من حيث المبدأ لدعم مجموعة من برامج الإصلاح الاقتصادي في مجالات التمويل، و التجارة، والاستقرار والانتعاش الاقتصادي، تقدر قيمتها بنحو 1.1 ترليون دولار أمريكي. و ثانياً، تشريعية من خلال إعطاء مساحة أكبر لمؤسسات التقييم والتصنيف الائتماني للمساهمة في دعم نمو الاقتصاد العالمي. وثالثاً، عملية، من خلال إعطاء الحكومات دور أكثر تأثيرا في مجريات الأعمال عن ذي قبل. وأخيراً، تنظيمية، من خلال تأسيس منتدى الاستقرار المالي بعضوية دول مجموعة العشرين، وكلاً من المفوضية الأوروبية، وأسبانيا، ومجلس الاستقرار المالي الخاص بمجموعة السبع. وعلى الرغم من هذه الإنجازات، إلا أن بيان قمة لندن حمل مجموعة من تحفظات الدول الناشئة وفي مقدمتها الصين حول دورهم في دعم برامج التمويل الخاصة بصندوق النقد الدولي ومدى استفادتهم من هذا الدعم.
عقدت القمة الثالثة بعد ذلك في مدينة بتسبيرج الأمريكية في أيلول (سبتمبر) 2009. سميت القمة بـ قمة بتسبيرج وحملت في طياتها رسالة مفادها الأمل في ازدهار الاقتصاد العالمي ونموه كما حدث في مدينة بتسبيرج الجميلة ذات الأنهار الثلاثة القائمة على أنقاض صناعة الحديد والصلب الأمريكية بداية القرن الماضي.
أطلقت قمة بتسبيرج أرضية لعمل سياسات الإصلاح الاقتصادي وآليات تنفيذها، سميت بإطار ''المتانة، والاستدامة، والتوازن''. من أهم إنجازات قمة بتسبيرج إعلانها أن مجموعة العشرين ستحل تدريجياً محل مجموعة الثماني في تبادل وجهات النظر حول نمو الاقتصاد العالمي واستدامته.
تأتي ''قمة تورنتو'' رابعة في التسلسل الزمني لقمم مجموعة العشرين. تهدف ''قمة تورنتو'' إلى تقييم أداء الدول الأعضاء في إصلاح القطاعات المالية، وتطوير مؤشرات قياس كفاءة مالية جديدة، ومناقشة مقترح فرض الضرائب على المؤسسات المالية، وتشجيع سياسات السوق الحرة.
تأتي ''قمة تورنتو'' بعد ثلاثة اجتماعات تحضيرية لوزراء المالية ومحافظي البنك المركزي في الدول الأعضاء. بدأت هذه الاجتماعات في سانت أندروز الاسكتلندية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، فإنشيون الكورية الجنوبية في شباط (فبراير) 2010، و أخيراً، في بوسان الكورية الجنوبية في تموز (يونيو) 2010 الجاري.
نتج عن هذه الاجتماعات التحضيرية محضر اجتماع ''قمة تورنتو''، والذي من أهمه إكمال وضع السياسات والأطر والبرامج الإصلاحية، وتقييم سير عمل هذه السياسات بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومجموعة مقترحة من سياسات الإنقاذ البديلة والتوصيات ذات العلاقة.
حملت نتائج قمم مجموعة العشرين الثلاث الماضية مجموعة متباينة من الإنجازات، ومجموعة أخرى من وجهات النظر المختلفة. نتائج من الأهمية بمكان التأكيد على أهمية زيادة المبادرات السعودية في صياغة القرار الاقتصادي العالمي بما يدعم، أولاً، صناعة هذا القرار في المؤسسات والهيئات الدولية ذات العلاقة، و ثانياً، بما يتوافق ومسؤوليات الاقتصاد السعودي على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي