وحدة «العشرين» على المحك.. الصدامات بين صانعي السياسات تتعالى
أكد تقرير صادر عن وكالة بلومبيرج العالمية أن مصادمات بين صانعي السياسات العالمية حول رؤاهم الخاصة بتعافي الاقتصاد العالمي بدأت، حيث تطالب أوروبا بأن تكون العجوزات في الميزانية أقل، بينما تحذر الولايات المتحدة من سياسة تشجيع الصادرات بدلاً من تعزيز الطلب المحلي.
وقال التقرير إنه في اجتماع عقده وزراء مالية العشرين في مدينة بوسان في كوريا الجنوبية من 4 إلى 5 حزيران (يونيو)، أكد وزير الخزانة الأمريكي تيموثي جايثنر أنه ليس بوسع العالم أن يعول مرة أخرى على المستهلك الأمريكي الذي يعاني نقصا في السيولة لدفع النموو وحث الدول الأخرى على تحفيز الطلب في بلدانها، فيما قال رئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه إن تشديد السياسة المالية في ''البلدان الصناعية القديمة'' من شأنه أن يساعد التوسع عبر دعم ثقة المستثمرين. إن كل استراتيجية من هاتين الاستراتيجيتين تنطوي على مخاطر على التعافي العالمي الذي قالت مجموعة العشرين إنه يواجه ''تحديات كبيرة''. إذ إن استمرار العمل بسياسة التحفيز ينطوي على خطر تذمر حملة السندات من ارتفاع أعباء المديونية، في حين أن عمليات خفض الإنفاق يمكن أن تزيد البطالة سوءاً. إن الاعتماد على الصادرات يترك العالم عرضة لحروب تجارية وللتنافس على تخفيض العملات مع سعي البلدان لإعطاء شركائها ميزة على الشركات الأخرى.
وقال فنكاترامان أنانثار - ناجيسواران الذي يساعد في إدارة أصول تقدر قيمتها بنحو 140 مليار دولار باعتباره رئيس الاستثمار العالمي في بنك جوليوس باير وشركاه في سنغافورة:'' قد ينتهي العالم إلى فترة من النمو بأقل من المستوى المتوقع لمدة سنتين إلى ثلاث سنوات. وينبغي أن نعترف بأننا لا نستطيع كلنا أن ننمو في الوقت نفسه بطريقتنا الخاصة للخروج من المتاعب''.
وأضاف'' لقد كانت هشاشة التعافي من الركود الذي عم العالم بأسره في العام الماضي واضحة عندما اجتمع وزراء مالية مجموعة العشرين ومحافظو البنوك المركزية فيها لوضع جدول أعمال القمة التي سيعقدها زعماؤهم هذا الشهر في مدينة تورونتو.
وعبر المسؤولون في مجموعة العشرين عن شعورهم بقلق أعمق بشأن الآفاق الاقتصادية والمالية من القلق الذي عبروا عنه في آخر اجتماع عقدوه في نيسان (أبريل). ففي البيان الذي صدر بعد انتهاء محادثاتهم في 5 حزيران (يونيو)، وعدوا ''بحماية الركود'' لكنهم استبدلوا موافقتهم على تحفيز الميزانيات بتعهد باتخاذ تدابير معقولة صديقة للنمو من أجل تحقيق الاستدامة المالية. وقالوا إن البلدان تستطيع مع ذلك تشجيع النمو المحلي ''ضمن نطاق قدرتها''.
المعايير الرأسمالية
حدد المسؤولون على نحو منفصل تشرين الثاني (نوفمبر) كموعد أخير لوضع لوائح جديدة لرفع مستوى جودة وكمية رأس المال الذي تحتفظ به البنوك، كما حددوا كانون الأول(ديسمبر) 2012 كموعد لبدء العمل بها. وكان وزير الخزانة البريطانية جورج أوزبون من بين الذين قالوا إن عملية بدء تنفيذ هذه اللوائح قد يتم تمديدها. وتم رفض مقترح أوروبي وأمريكي يقضي بفرض ضريبة على البنوك في أنحاء العالم لتغطية تكاليف عمليات الإنقاذ.
وحذرت البنوك من أن المقترحات الخاصة برأس المال قد تؤثر سلباً في الائتمان والنمو. وقدر بنك UBS AG ، وهو أكبر البنوك السويسرية، أن تلك المقترحات ربما تضطر البنوك إلى جمع أموال جديدة يصل حجمها إلى 375 مليار دولار.
وفي إشارة على وجود توتر بين القائمين على السياسات الاقتصادية في العالم، عبر تيموثي جايثنر عن القلق من أن الآخرين يتجهون إلى العملات الرخيصة وإلى فرض القيود المالية، تاركين تعافي بلدانهم يعتمد على المشترين الأجانب وليس على المشترين المحليين من أجل تقويته.
وقال جايثنر في إيجاز صحافي في مدينة بوسان بتاريخ 5 حزيران (يونيو)، إن هناك حاجة ''لتعزيز الطلب المحلي في اليابان وفي بلدان الفائض الأوروبية''. وأضاف يقول:'' إن أهمية مجموعة العشرين تكمن في مساعدة كل واحد منا على إدراك أهمية السياسات الاقتصادية التي تخدم مصالحنا الجماعية الواسعة''.
والمشكلة هي أن جميع الحكومات تحاول أن تستغل التحسن في التجارة الذي قدر مكتب التحليل الاقتصادي الهولندي في الأسبوع الماضي أنه نما بنسبة 3.5 في المائة في آذار (مارس)، وهو ما يزيد على ضعفي معدل نموه في شباط (فبراير).
من «بيرنود» إلى «توشيبا»
تعتمد الشركات، من بيرنود ريكارد SA الفرنسية لصنع المشروبات إلى شركتي توشيبا ونيسان للسيارات اليابانيتين، على الطلب الأجنبي لمضاعفة أرباحها. فقد قالت شركة بيرنود في الشهر الماضي إن أرباحها قبل احتساب الفائدة والضرائب تزيد بمبلغ 12 مليون يورو (15 مليون دولار) مقابل كل انخفاض بنسبة 1 في المائة في قيمة اليورو مقابل الدولار.
وقالت شركة توشيبا التي تعد أكبر شركة لصنع شرائح الذاكرة في اليابان، بتاريخ 11 أيار (مايو) إنها تهدف إلى مضاعفة أرباحها أربع مرات خلال ثلاثة أعوام عبر زيادة مبيعاتها الخارجية. وفي اليوم التالي، توقعت شركة نيسان التي تعد ثالث أكبر شركة لصناعة السيارات في اليابان إنها تتوقع أن تتضاعف أرباحها بأكثر من ثلاث مرات خلال عام وذلك من مبيعاتها في أمريكا الشمالية والصين.
وفي الولايات المتحدة ، يهدف الرئيس باراك أوباما لمضاعفة صادرات الولايات المتحدة مرتين خلال خمسة أعوام، بينما ترفض الصين أن تستجيب للضغوط الدولية لكي تسمح بارتفاع قيمة اليوان التي ما زالت تبقيها عند سعر 6.83 يوان للدولار الواحد منذ عامين تقريباً وذلك لمساعدة شركاتها التي تعمل في مجال التصدير.
ويتولى رئيس وزراء اليابان الجديد ناوتو كان منصبه وهو معروف عنه أنه يفضل يناً ضعيفاً بعد أن قال عندما كان وزيراً للمالية إنه يرغب في أن تنخفض عملة بلد ''أكثر قليلاً.'' وقال رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيلون بتاريخ 4 حزيران (يونيو) إن انخفاض اليورو دون 1.20 دولار يعد ''خبراً جيداً'' بعد أن كان الكسب الذي حققه ''يعاقب صادراتنا''. وقال أوزبورن وزير الخزانة البريطاني الأسبوع الماضي في بكين إنه ''حريص على جعل اقتصاد المملكة مدفوعاً أكثر بالتجارة.
وقال ألفين ليو، وهو خبير اقتصادي يوجد مقره في سنغافورة ويعمل لدى ستاندارد تشارترد Plc:'' إذا كان كل بلد يتوقع تصدير طريقته للخروج من المتاعب، فمن الذي سيشتري؟ إن البلدان قد تلجأ في هذه الحال إلى السياسات التي تعمل للمصلحة الداخلية وإلى الإجراءات الحمائية''.
لقد كانت الصين التي تعد أسرع اقتصاد رئيسي نمواً في العالم مصدراً للطلب العالمي حتى تاريخه، حيث حدثت فيها طفرة في الواردات بهدف المساعدة في تضييق الفائض التجاري للبلد. وقد تقلص الفائض من 8.2 مليار دولار في أيار(مايو) وذلك من 13.4 مليار دولار قبل عام، وذلك حسب التوقع الذي ورد في المسح الذي أجرته وكالة بلومبيرج الإخبارية قبيل صدور الأرقام الحكومية في هذا الأسبوع.
أثر الإجراءات الصينية
في الوقت نفسه، تعني التدابير التي تتخذها حكومة رئيس الوزراء وبين جياباو لتبطئة التوسع وتجنب فقاعات الموجودات أن قدرة الصين على الأخذ بيد الاقتصاد العالمي ستكون محدودة، كما قال ستيفن كنج، كبير الاقتصاديين في شركة HSBS plc القابضة في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرج اليوم.
وقال كنج:'' من أين يأتي تحفيز الطلب ... ليس من الصين، فالصين تنمو بسرعة أكثر من اللازم''.
وحسب ميشالا ماركوسين، رئيسة إدارة الاقتصاد العالمي في بنك سوسييتي جنرال SA في لندن، فإن النتيجة التي يتمخض عنها اقتصاد عالمي يعتمد على ضعف أسعار العملات ''قصة لا بد أن يكون فيها طرف خاسر ''. ووفقا لحساباتها، فإنه بينما يعمل انخفاض قيمة اليورو بنسبة 10 في المائة على تعزيز نمو منطقة اليورو بمعدل 0.7 نقطة مئوية، فإن هذه النسبة يقابلها ضعف في الولايات المتحدة والصين، ما يجعل الناتج المحلي الإجمالي الكلي للعالم أقوى بـ 0.2 نقطة مئوية فقط.
تنظر الحكومات إلى الخارج لتحقيق النمو لأنها في حاجة إلى خفض العجز المالي لبلدانها. ويقدر صندوق النقد الدولي أن يصل متوسط العجز في ميزانيات بلدان مجموعة العشرين إلى نسبة 6.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في هذا العام، وذلك ارتفاعاً من نسبة 0.9 في المائة في عام 2007.
اوضحت وزير المالية الفرنسية كرستين لاجارد في مدينة بوسان:'' بالنسبة إلى الأغلبية الساحقة من البلدان، يعد موضوع معالجة الأوضاع المالية وتوحيد الميزانيات الأولوية رقم 1. وهناك بعض الأصوات، وهي أقلية بالتأكيد، تصر على الحاجة إلى دعم النمو.''وقال المسؤولون الأوروبيون في مدينة بوسان إن ضغط الميزانيات يجب أن يتم في العام المقبل، في حين أيد جايثنر أفقاً زمنياً في ''المدى المتوسط'' لخفض العجوزات.
وقال مدير عام صندوق النقدي الدولي دومنيك شتراوس كان في إيجاز صحافي إن دراسة أجراها الصندوق أظهرت أن الدمج المالي من دون تخفيف الأنظمة التي تحكم السوق والذي من شأنه أن يعزز الطلب المحلي يمكن أن يخفض النمو العالمي بمعدل 2.5 نقطة مئوية ويكلف 30 مليون وظيفة.