إعلان الجامعات استراتيجياتها وخططها من مستلزمات اقتصاد المعرفة
تقام في كل عام وفي أنحاء العالم مؤتمرات للتعليم العالي تناقش شتى الموضوعات المتخصصة أكاديميا, علمية كانت أم اجتماعية, إضافة إلى الاقتصادية التي أصبحت هاجسا لكل مسار تنموي. في الأسبوع الماضي أقيم مؤتمر التعليم العالي في أستراليا, حيث اجتمع فيه كبار ممثلي الجامعات والعقول المهتمة بتحسين أداء التعليم العالي في أستراليا ومن أنحاء مختلفة من العالم يناقشون موضوعات حبذا لو أن جامعاتنا تتبنى مثل هذه التوجهات ليكون التقدم العلمي متناغما مع متطلبات التنمية التي تسعى إلى شفافية العلاقة بين هذه الصروح الشامخة مع المجتمع. لقد تركزت نقاط المؤتمر حول:
ــ دور الجامعة في عصرنا الحالي.
ــ رسم الاستراتيجيات من خلال استراتيجيات الدولة وخططها.
ــ السعي إلى استدامة الجهود ببناء صحيح للبنى التحتية.
ــ إتاحة الجامعة على الخط المباشر محليا وعالميا أخبارها ونتائجها وأبحاثها وابتكارات منسوبيها طلبة وأعضاء هيئة تدريس.
ــ وأخيرا, كيف تبنى العلاقة مع قطاع الأعمال تعاونيا في التمويل والاستثمار والدخول في التعليم العالي الخاص تحت مظلة واحدة مع القطاع الحكومي لتحقق توجه الدولة واستراتيجياتها. لقد كان التركيز على وضع رسالة الدولة في مقدمة العربة وبتحرك العربة تبدأ ثورة علمية تعليمية لتنمية الاقتصاد المبني على المعرفة ورفع المستوى الثقافي لأفراد المجتمع.
هذا ــ ولله الحمد ــ في المملكة سطَّره خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ قولا وعملا بافتتاح الجامعات وزيادة أعداد المبتعثين ودعم البحث العلمي وإقامة المدن الاقتصادية والهيئات المتخصصة, حتى إعادة هيكلة التخصصات العلمية لتتواءم مع متطلبات التنمية. هذا سيجعل الجامعات، ولعقود مقبلة، تسابق الزمن في الرغبة إلى وصول المجتمع معها للوقوف على استراتيجياتها وخططها المستقبلية في الاستفادة من الرساميل لرسم المسارات والتأكيد على تحقيق الأهداف بمنهجية تكفل لنا الاستفادة من كل الموارد المتاحة والتي ستتاح مستقبلا ـ بإذن الله.
حاجتنا الآن إلى أن تستعرض الجامعات مهاراتها التي تؤكد علميا أنها تخطط لاستدامة النجاح. إن تاريخ إنشاء الجامعة وحجمها وتخصصاتها وموقعها وتعداد السكان في المنطقة وتوافر الخدمات المختلفة, عوامل مؤثرة في النموذج الذي يمكن أن تبنيه كل جامعة للوصول إلى تحقيق أهدافها. إن تحديث المؤشرات مثل خلق الفرص للطلاب ودفع عجلة الابتكار والتعاون مع القطاع الصناعي خلال الدراسة وبعد التخرج، والدخول في منظومة تطوير المجتمعات أيضا من الإمكانات التي يمكن أن تبرز احتراف الجامعة في بناء النماذج المختلفة لتقدمها وبقائها على الخريطة بثبات في مراكز متقدمة كعلامة فارقة في هذا القرن. من الجهود المرغوبة قيام مسؤولي الدولة المرموقين بإلقاء المحاضرات جنبا إلى جنب مع أعضاء هيئة التدريس والعمداء ووكلاء الجامعات سواء المحلية أو الخارجية, وذلك بهدف إثراء الدراسات داخل المؤسسات المدنية الخدمية.
من ناحية أخرى, إن الصرف المحفز للتوسع في مد البنى التحتية في كل مدينة فيها حرم جامعي يعد نوعا من دعم المشاريع المستدامة. كما أن خلق فرص للطلاب, وليس فقط استحداث الوظائف، وزيادة اكتساب الطلاب الخبرة الميدانية وهم ما زالوا على مقاعد الدراسة، وتغيير بيئة العمل ومحيطها ومقدم الخدمة أو الوظيفة للتعود على جميع الظروف وتوقع الأسوأ مع الاختلاط بقوى عاملة لها سلوكيات مختلفة وقادمة من خلفيات غير اعتيادية لهي عوامل تأثير إيجابية في خطط التعاون مع أقطاب المجتمع وأعمدته وأي مستثمر من الخارج. كما أن الدخول على الأسواق العالمية المتميزة في استقطاب بعض المتخصصين النادرين والتخطيط للتعاون المحلي والدولي في تبادل الطلاب والبرامج وأعضاء هيئة التدريس ليعد من اكتساب المعارف الجديدة وتحقيق أفضل الشراكات. هنا يمكن التأكيد على أن الحديث عن الجودة والمعايير أصبح هاجسا لكل مسؤول في الجهات التشريعية والتنفيذية والاستشارية على حد سواء؛ حيث يمكنه هذا من إطلاق كلمة “تطوير” على مراحل البناء والإصلاح وخلال إتمام مثل هذه الشراكات. وطالما أنها على أسس ومدروسة بعناية فإن جاذبية هذه الأنشطة ستزداد إذا اطمأن الطرف الثاني على الدخول وتحقيق مكاسبه الاجتماعية والاقتصادية.
بما أن مجرد تأطير الموضوعات والأفكار بزمن وميزانية افتراضية معروفة ومحددة مصادرها، فالمساهمة في تخريج كوادر تستطيع أن تعمل بيدها لتحرك تروس العمل، وأخرى تعتلي مقاعد القيادة وتسهم في الحركة التشغيلية، وغيرها تبحث بالدراسة في كيفية ابتكار المحركات للتنمية. وآخرون يراقبون لرصد المتغيرات ستكون أساساً لكل تطوير مستقبلي. وبالطبع بعودة ما يقارب 100 ألف مبتعث ستكون المحصلة نهضة فكرية وعمرانية ومؤسساتية اجتماعية غير مسبوقة في المنطقة أو حتى على مستوى العالم. ما يهم هو وضوح الأهداف، وحسن اختيار البرامج، وانتقاء الربابنة، وتوفير الدعم الكامل بكل شفافية واقعية وليست صورية.
في الواقع ربما يعد هذا الشهر في أستراليا انتفاضة للتعليم العالي في مناقشة المسائل الحيوية التي تهم الجميع, مسؤولين وأعضاء هيئة تدريس وطلاب, ففي جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا في أستراليا أيضا سيتم عقد مؤتمر التعليم العالي في نهاية هذا الشهر؛ حيث يهدف إلى نشر البحوث والممارسات التي تعزز ما يستند إليه العمل في السنة الأولى في التعليم العالي. من المفترض أيضا أن تتم مناقشة موضوعات مثل الشراكات الأكاديمية والمهنية لتعزيز الاستفادة من السنة المالية للتعليم العالي FYHE، وإعداد وتصميم نموذج الممارسات المبتكرة لدعم الطلاب، وتعزيز الموظفين الأكاديميين والمهنيين القياديين منهم والتنفيذيين ليشاركوا الطلبة مبادراتهم من خلال استراتيجية ترسم لتوسيع نطاق المشاركة. نأمل أن نتوجه في مسارات كهذا تقلع بنا إلى فضاءات أرحب نستفيد فيها من فكر ويد كل فرد ونحقق بكل طريقة مبتكرة التوجه نحو اقتصاد المعرفة الذي كان أساسا رغبة ولاة الأمر ــ حفظهم الله.ـ والله المستعان.