وزارتا الشؤون والأوقاف والتشجيع الفعّال للجمعيات الخيرية ..
تعاني الجمعيات الخيرية في بلادنا من تذبذب إيراداتها وبالتالي تذبذب في كم ونوع خدماتها في المجال الذي تنشط به في خدمة المجتمع الأمر الذي يستدعي تدخلا حكوميا فعالا لحل هذه المعضلة لما لهذه الجمعيات من دور كبير وفاعل كونها أحد مكونات القطاع التنموي الثالث بعد القطاعين الحكومي والخاص.
هذه المعاناة بلغت ذروتها هذه السنة والتي قبلها بسبب ضعف السيولة لدى الكثير من المحسنين نتيجة الأزمة المالية العالمية وذلك بعد أن نهض بعضها من إفرازات الحرب على الإرهاب الذي يشكل تجفيف مصادر تمويله أحد أهم مساراتها الأمر الذي جعل كثيرا من الميسورين يحجم عن تمويل الأعمال الخيرية خوفا من الوقوع في المحذور دون علم.
ودون أدنى شك خففت جهود أصحاب السمو الملكي من معاناة الجمعيات الخيرية التي يرأسون مجالس إداراتها أو يرأسونها فخريا، حيث أثمرت جهودهم الداعمة للجمعية تحقيق إيرادات أكثر من جيدة في مثل هذه الظروف لهذه الجمعيات بما دفعوه من أموالهم وبدعوتهم الميسورين من أبناء المجتمع للتبرع لهذه الجمعيات والذين استجابوا لهذه الدعوات وهم على ثقة بأن هذه الجمعيات تقوم بمهامها على أكمل وجه، كما وثقوا بأن أموالهم أبعد ما تكون عن أيادي الإرهابيين الذين يستهدفون الحصول على المال اللازم لعملياتهم من هذا المدخل الإنساني.
المجتمع السعودي مجتمع متكافل يحب الخير بطبعه ويكاد أن يكون من النادر أن تجد فردا سعوديا ليست له مساهمة خيرية مالية أو عينية أو معنوية الأمر الذي يعني أن لدينا قاعدة صلبة وقوية تستند إلى ثقافة شرعية وإيمان بما عند الله لا يريد عناصرها إلا توفير القنوات الخيرية الفاعلة والآمنة، الفاعلة من حيث الكفاءة والأثر والآمنة من حيث مصداقية صرفها في مصارفها التي أعلنت الجمعيات الخيرية عنها.
كثير من المواطنين ومن كافة المستويات تصدوا لتأسيس جمعيات خيرية في جميع مجالات الخير الصحية والتعليمية والتأهيلية والإغاثية والاجتماعية والإسكانية ورعاية المعوقين وكبار السن والأيتام إلى غير ذلك، ولقد تمكنت هذه الجمعيات الخيرية بجهود أفرادها التطوعية ودعم رؤسائها الفخريين والمحسنين بأموالهم وجهودهم من أداء كثير من مهامها إلا أنها لم تستطع أن تؤدي مهامها بالشكل الذي تريد بسبب التذبذب الكبير في إيراداتها المالية وبالتالي التذبذب في قدراتها على النهوض بمهامها.
بعض القائمين على الجمعيات الخيرية يتحدث عن انخفاض في الإيرادات يصل إلى كثر من 80 في المائة والبعض يتحدث عن 50 في المائة والبعض يتكلم بين هذا وذاك والكل يشتكي من تناقص القدرات المالية بشكل دراماتيكي والعجز عن النهوض بمهامهم والتزاماتهم أمام المستفيدين من خدماتهم في كافة المجالات، نعم استطاع البعض أن يتجه إلى صيغة الوقف الإسلامي لتوفير موارد مالية مستدامة ونجح في توفير الأوقاف لكن الأكثرية لم تفلح في ذلك وما زالت تعاني.
أوضاع الجمعيات الخيرية الحالية غير مرضية وستكون لها انعكاسات سلبية على المديين المتوسط والبعيد لأنها ستعجز عن لعب دورها المهم والحيوي في معالجة القضايا والمشكلات ما يجعل هذه القضايا والمشكلات تتعقد وتتفاقم بشكل أقل ما يقال عنه أنه غير مرض، وبالتالي علينا أن نفكر في إيجاد حلول جذرية لمشكلة تمويل هذه الجمعيات وتمكينها من تحقيق إيرادات سنوية مستدامة تمكنها من النهوض بمهامها على أكمل وجه.
في عهد حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك الإنسانية لن نعدم الحل بل أكاد أجزم أن الحل قادم وبسرعة بإذن الله خصوصا بعد أن أقر مجلس الوزراء إنشاء «الهيئة العامة للأوقاف» في أبريل الماضي والتي يتوقع لها أن تلعب دورا كبيرا في توفير أموال طائلة من ريع الأوقاف وتوجيه جلها لصالح الجمعيات الخيرية التي ستنفقها وفق وصايا الواقفين.
أيضا وزارة الشؤون الاجتماعية يجب أن تتنقل من سيادة روح مراقبة الجمعيات الخيرية إلى روح تنميتها كما ونوعا ودعمها للنجاح في مهامها من خلال وضع خطة استراتيجية لتطوير العمل الخيري في بلادنا لتغطية كافة مجالاته بما يجعله قطاعا فاعلا وعضدا قويا للقطاعين الحكومي والخاص في تحقيق الأهداف التنموية الشاملة والمستدامة والمتوازنة، ويمكن للوزارة أن تستفيد من تجارب الدول الأخرى في دعم مؤسسات المجتمع المدني بشكل عام والخيري على وجه الخصوص وأن تترك مقولتها بأن الجمعية التي لا تستطيع تحقيق الإيرادات المالية اللازمة لأعمالها أن تغلق أبوابها وتتحول لمقولة أكثر منطقية منها وهي أن تدعم الوزارة الجمعيات الخيرية لكي تقف على أرجلها ماليا وفنيا وإداريا وتحفزها للنجاح من خلال إيجاد بدائل محفزة ومؤشرات تنافسية شاحذة للهمم، وأن يكون ذلك سهلا ومتاحا ومنطقيا وفق معايير معلومة لا حبرا على ورق.
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف ومن خلال العلماء والفقهاء الذين يعتبرون جزءا من النسيج الاجتماعي بحاضره وتطلعاته يمكن ومن خلال أدواتها المتاحة أن تجعل همومهم هموم الناس لتحفيز الميسورين ودعم الجمعيات بالتأصيل الشرعي لأعمالها ومواردها المالية وحث أفراد المجتمع على دعمها والتفاعل مع رسائلها وأنشطتها، وأيضا يمكن للوزارة توفير أراض للجمعيات الخيرية من الأراضي المتاحة لها والتي تروجها حاليا لمستثمرين بحيث تتمكن الجمعيات من إقامة أوقاف عليها لرفدها بإيرادات متنامية ومستدامة تمكنها من رسم خططها على بينة مالية واضحة.
ختاما أقول إن وزارتي الشؤون الاجتماعية والشؤون الإسلامية والأوقاف يمكن أن ينهضا بالعمل الخيري ويرفعا كفاءته وإنجازاته بشكل كبير متى ما وضعا خططا مدروسة لذلك حيث يمكن أن توضع معايير للدعم تجعل القائمين على الجمعيات الخيرية يحرصون على تحقيق أعلى درجات الكفاءة الإنتاجية وتلبية معايير الجودة بحيث تدعم كل جمعية تستوفي مستوى معينا من الشروط بالأراضي الوقفية ومبالغ مالية ودعم عيني بما يتناسب وتاريخها وحجم نشاطها وحجم التبرعات التي تحققها وحجم إنجازاتها.