إنسانهم وإنساننا
في حلقة من حلقات الممثل الكوميدي السوري الساخر ياسر العظمة عرض حدثاً مفترضاً مسرحه العاصمة السورية دمشق, وبطلاه ريفي سوري يسكن خارج دمشق وآخر أمريكي يعمل موظفاً في السفارة الأمريكية في دمشق. الموظف الذي يعمل موظف اتصالات أو سنترال خرج للنزهة دون علم السفارة, وحل ضيفاً على الريفي السوري الذي أكرمه وأسكنه في منزله وعمل على راحته, أما السفارة الأمريكية ولعدم علمها أين الموظف فقد أعلنت حالة الطوارئ واستنفرت كل طاقاتها, وكذا استنفرت وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة الاستخبارات الأمريكية CIA والمباحث الفيدرالية, كما استنفر الإعلام الأمريكي والبيت الأبيض, وأصبح هذا الموظف حديث العالم, ولم يعد هناك حدث آخر يشغل الناس في جميع أرجاء العالم سوى غياب هذا الموظف, إذ صور غيابه على أنه اختطاف.
في الحوار بين الرجل السوري والموظف هنري هناك وقفات لاذعة, حيث يستغرب الأمريكي الكرم والضيافة اللذين لقيهما, ويهم بإعطاء السوري بعض الدولارات مقابل إكرامه له وإسكانه في بيته, لكن العربي الشهم يرفض هذا الأمر, ويبلغه أن ما قام به تجاهه جزء من ثقافتنا التي تحتم علينا فعل هذا الشيء, ولا ينسى أن يعمل مقارنة بين الثقافة الأمريكية التي تفتقد مثل هذه الخاصية, ألا وهي خاصية الكرم, كما تفتقد الحس الإنساني الذي يجعل الأمريكي مهتماً بنفسه دون الآخرين, إذ ربما يرى رجلاً يعتدى عليه أو امرأة تغتصب دون أن يرف له جفن أو يثير فيه الموقف أي إحساس لنصرة المعتدى عليه ونجدته.
نتيجة الاهتمام السياسي الأمريكي والهالة الإعلامية تستنفر قوى الأمن السوري تبحث عن المفقود, وتمشط الأودية والبراري والجبال حتى مر الريفي السوري, ومعه الموظف الأمريكي على عربة بدائية بسيطة أراد إيصاله إلى مكان سكناه بعد أن أكرمه, وقام بضيافته على أحسن وجه, ويكاد الرجل السوري يدخل السجن لاتهامه بأنه اختطف الموظف الأمريكي, ولم يسلم من هذا الأمر حتى شهد الأمريكي بأنه ذهب للنزهة, وأنه أقام عند الرجل لكرمه وشهامته ولم يتعرض لاختطاف أو نحوه.
تذكرت أثناء مشاهدتي هذه الحلقة صوراً حقيقية تقع في أرجاء عالمنا العربي والإسلامي, حيث يفقد العشرات بل المئات دون أن يحرك هذا الأمر إحساس مسؤول أمني أو الإعلام والصحافة التي كثيراً ما تنقل لنا خبر فقمة أصيبت بالزكام, أو حيوان بندة معرض للخطر في زاوية من العالم. كم من العرب والمسلمين الذين يتعرضون للاختطاف في دول أخرى, أو للقتل على أيدي عصابات أو أجهزة أمنية دون أن يعرف بهم أحد, أو يتحرك ويدافع عنهم, بل إن الاعتداء والإهانة تمارس من الأجهزة الرسمية ضد مواطنيها.
في الثمانينيات من القرن الماضي نقلت وسائل الإعلام خبراً مفاده أن امرأة في الصين تعيش حياة مختلفة عن الصينيين, وتتعبد بطريقة مغايرة, وبالتحري حولها من قبل إسرائيل من أنها ربما تكون يهودية أرسلت لها طائرة خاصة وفريقاً متكاملاً, وأحضرت المرأة إلى إسرائيل لتعيش مع اليهود في فلسطين, حتى لا تكون وحدها في بلد ناءٍ بعد أن مات والداها. كما أن ما حدث ويحدث للجندي جلعاد شاليط يؤكد هذا الاهتمام, إذ لا يمر يوم إلا ويذكر في الإعلام والصحافة, ويكون محل حديث السياسيين, ويثار مع الوفود وفي المفاوضات, حتى أن إسرائيل اشترطت لتخفيف الحصار عن غزة لقاء الصليب الأحمر بشاليط.
كما أن الذي يضيع أو يختطف من الدبلوماسيين والصحافيين, وحتى الجواسيس الغربيين يكون في بؤرة الاهتمام سياسياً وإعلامياً, كما حدث مع البريطانيين الذين دخلوا المياه الإقليمية الإيرانية, وكذلك الأمريكان الثلاثة الذين اجتازوا الحدود مع العراق. إن قيمة الفرد الغربي تتضح من خلال السعي الدؤوب من قبل حكومته والضغط على الأطراف الأخرى التي ربما تكون لها علاقة إما مكانية وإما أمنية بفرد فقد أو تاه, أو ربما اعتقل في بلد لمخالفته الأنظمة حتى يتحقق ما يريدون ويفرج عنه, بينما 11 ألف فلسطيني يقبعون في السجون الصهيونية, ولا أحد يحرك ساكناً بشأنهم, حتى أن السلطة تتفاوض مع الكيان الصهيوني, بل تتعاون أمنياً, وتنســق سيــاسيـاً دون أن يعنيها أمر المعتقلين. هذه الصـــورة تكشف أمراً خطيراً, وهو أن قيمة الإنســان في مجتمعاتنا صفر إذا ما حسبت بالاهتمام والجهد الذي يبذل من قبل الجهات الرسمية إذا ما قورنت بقيمة الإنسان في الغرب.