هل يمكن إعادة النظر في «خريجي الدبلومات الصحية»؟
قبل عامين قررت وزارة الصحة أن عام 2010م سيكون آخر عام تقبل فيه شهادات الدبلومات الصحية (ما فوق التعليم الثانوي أو الشهادة الجامعية المتوسطة)، ما يعني أن القبول سيقتصر على حملة البكالوريوس. بالطبع الهدف هو تحسين ورفع مستوى الخدمات الصحية المقدمة من قبل بعض فئات الممارسين الصحيين, وبالذات التمريض وتخصصاته الفرعية وغيره من التخصصات، بناء على توصيات منظمة الصحة العالمية. في نهاية العام الماضي تجدد صدور القرار, لكن هذه المرة مددت الفترة إلى عام 2012، حيث يظهر أنه تمديد يسمح لجميع الدفعات التي كانت على مقاعد الدراسة بالتخرج والالتحاق بالوظائف في الوقت الإضافي.
الموضوع تمت مناقشته من عديد من المسؤولين والمفكرين وكتاب الأعمدة الصحافية, بل أيضا من العامة الذين تمكنوا من مناقشة البديل كبرنامج يعالج وضع الحاليين ممن هم على رأس العمل أو على قائمة الانتظار. من وجهة نظر شخصية فهذا القرار سيتسبب في ارتكاب بعض الأخطاء غير المقصودة, حيث إن تنفيذه لا يقف على استعداد جهة واحدة. لكن يمكن البدء في مناقشته بكل شفافية في حدود التالي:
(1) هل المقصود من القرار كل هذه التخصصات أم تخصصات معينة فقط؟
(2) هل هناك دليل على أن مستوى هذه الشهادة لم يعد كافيا لأن يقدم الممارس الصحي الخدمات الصحية في تخصصات كالتمريض والقبالة مثلا بشكل مرض ومتوائم مع متطلبات هذا المستوى الوظيفي؟
(3) هل قامت الهيئة السعودية للتخصصات الصحية (كونها المعنية بالفحص والاختبار والتصنيف والترخيص) بدراسة أثبتت فيها علميا صحة ما توجهت إليه المنظمة ويسري أيضا على الوضع في المملكة؟
(4) إن كان التقييم الحالي قد أفرز ضعفا في المخرجات, فهل الضعف في الخريجين أم في البرامج أو في منفذيها؟
(5) لماذا لم تلجأ الجامعات المنفذة لهذه التخصصات في العالم إلى التخلي عن منح هذه الشهادات وتحولت إلى منح شهادة البكالوريوس فقط.؟
(6) هل هناك ضرر في استمرار منح الدرجتين مع إيثار حملة البكالوريوس بمستوى أفضل وظيفيا حسب النظام؟
(7) هل إذا بدأنا في برامج التجسير سنكون قد غطينا جميع احتياجاتنا ونحن راضون عن المخرجات وتقديم الخدمة أيضا؟
(8) هل سنظل نستقطب ممارسين صحيين في هذه التخصصات إلى أن يتأهل جميع الحاملين للدبلومات، الذين يحتاجون إلى ما لا يقل عن سبع إلى عشر سنوات (بافتراض اجتهاد كل الجامعات حكومية وأهلية للقيام بذلك، وتفريغ كل مقدمي الخدمات الصحية لموظفيهم للدراسة)؟
في القطاع الصحي بأكمله لا تغطي المرأة السعودية أكثر من 31 في المائة من القوى العاملة فيها حاليا. وإذا توقعنا أن حاملات البكالوريوس سيبدأن في أخذ فرصهن من الآن لأنهن من حملة البكالوريوس فسنحتاج إلى عقود لسد الفراغ في حين أن التحاقهن بالوظائف وهن حملة هذه الشهادات يحقق تغطية مهام ثقيلة من العمل ويساعدهن على إكمال دراساتهن باهتمام كبير بعد أن استشعرن من قرب مسؤولية أن يقدمن خدمة صحية. واقعيا وعلميا في تخصصات مثل التمريض يكون تحضير البكالوريوس أكبر شهادة مهنية فنية لممارسة المهنة، باحتراف مهني في المرافق الصحية. الدليل على ذلك أن المهارات التي يتعلمها ويتقنها حامل أو حاملة الماجستير والدكتوراه في التمريض إدارية وتعليمية أو أكاديمية, وهذا هو الفرق. إن مثل هذا القرار إذا لم يصاحبه إيقاف القبول في المعاهد الصحية كافة، وتعديل المهام الوظيفية، ورفع مستوى الوظائف، وتعديل المرتبات، وحساب الزمن المطلوب، لتغطية العجز، وتسكين الخريجين ممن هم على رأس العمل أو على قائمة الانتظار أو غيرهم، في الكليات الجامعية المصرح لها بمنح درجة البكالوريوس, فإن أول ما يلاحظ عليه هو حاجته إلى التنسيق بين جهات عدة لتكتمل عناصره ويحسن إخراجه ونشره. فهل ستعكف الجهات المهنية الصحية على إعادة كتابة المهام الوظيفية لحملة البكالوريوس من جديد, حيث إن في كثير من المواقع سنجد بعد عدة سنوات خلوها ممن يقوم بالخدمات السريرية اليومية للمريض؟ هل هناك دراسة تتوقع ما ستكون عليه أخلاقيات وسلوكيات المؤهلين حديثا حيال التوجيهات بالقيام بالمهام التي كانوا يقومون بها؟
أعتقد أننا نحتاج إلى الجلوس وطرح هذه النقاط وغيرها للدراسة وجمع بعض البيانات الحقيقية من الواقع. فإذا كانت المسألة ضعف البرامج التأهيلية فلا بد من الحزم لئلا يكون في الميدان إلا المتميز. وإذا كانت عملية الفحص لا تتحكم في النوعية فيمكن جعل الخريج يعيد أجزاء من البرنامج أو التدريب المكثف ليكون أقدر على تقديم الخدمة بجودة وأمانة. وإذا كان الهدف إيجاد حملة البكالوريوس للقيادة وتسيير العمل كما ينبغي في المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية فيمكن:
(1) تمديد الفترة إلى أن نضمن تعديل المهام وتخريج الطلاب في هذه المؤسسات الحالية ومحاولة إيجاد الحلول لها فهي أيضا روافد سعودية في النهاية ولا نريد لهم أن يقفوا حائرين أمام مثل هذه القرارات. أو (2) تحديد تخصصات معينة للبدء بها ومتابعتها، تاركين تخصصات التمريض والقبالة إلى وقت تكون فيه نتائج الدراسات مطمئنة على متابعة تنفيذ القرار دون معوقات أو منعطفات لا نستطيع القيادة فيها باحتراف.
لا شك أن اكتساب المهارات أصبح واقعا، لأن سوق العمل وتطور تقديم الخدمات بات يحكم حركة التوظيف. كما أن التوجه نحو التعلم مدى الحياة أسلوب عصري للتعامل مع إحباطات سوق العمل والأزمات الاقتصادية، حيث بين فترة وأخرى (غير محدودة) يمكن للموظفين التفرغ لاكتساب مهارات جديدة ومعلومات تعضد قدراتهم في العمل وتحسن علاقتهم بالمريض. حاليا نحن في حاجة إلى الدراسة وتنسيق مكثف بين كل الجهات المعنية ينتج عنه قرار استراتيجي مصيري مقنن. والله المستعان.