الحوار الوطني وتوعية هيئات التعليم الجامعية

أحد الطلبة في جامعة أهلية قال لي إن دكتور المادة لديه علم, لكنه يفتقر إلى أبسط مبادئ التربية, فهو معلم لا مرب, يتلفظ بألفاظ لا تليق بمعلم ولا تليق بالجامعة ولا تليق بالطلبة, وعندما يناقشه أحد الطلبة في كلامه المتناقض أو نسيانه لما اتفق عليه مع أحد طلبته يثور ويطرد الطالب أمام زملائه ويطلب منه حذف المادة وهو ثائر عصبيا دون أدنى قابلية للتفاهم. هذه الحادثة ليست الأولى وليست الأخيرة, وهي ستستمر ما دام أعضاء الهيئة التدريسية يتم تعيينهم في الجامعات لأنهم حاصلون على درجات الماجستير أو الدكتوراه دون النظر إلى قدراتهم في التربية وفي التعليم.
الإعلان الذي يبثه مركز الحوار الوطني بهدف التوعية بمبادئ الحوار إعلان حقيقي يلامس هموم كل طالب في أي مرحلة من مراحل التعليم بما في ذلك التعليم الجامعي, كما يلامس هموم أولياء أمورهم, حيث يعانون الأمرين من مدارس وجامعات تعلم ولا تحث على التعلم ولا تربي طلبتها على القيم الإنسانية ومفاهيمها, التي جعل ديننا الإسلامي التمسك والعمل بها عبادة ينال فاعلها الأجر الكبير.
يقول لي الطالب الجامعي الذي طرده الدكتور من القاعة أمام زملائه دون وجه حق وبعنجهية كبيرة تنم عن مدى تدني أخلاق هذا الدكتور الذي يحتاج إلى دورة مكثفة في التربية قبل أن يتصدى لتعليم طلبتنا، يقول لي تذكرت إعلان مركز الحوار الوطني الذي ما زال يبث في قناة «العربية» دون جدوى, ومع الأسف الشديد, لأن النظام يدعم الدكتور الدكتاتور ولا ينصف الطالب, لأن الدكتور هو الأقوى، وهو يؤكد هنا أن الجامعة إنما تغرس في نفوسنا الظلم بدل العدالة، نعم تؤكد لنا الجامعة والدكتور المعلم أن القوي يجب أن يظلم الضعيف وأنه لا أحد ينصف الضعيف.
عندما تغيب قيم ومبادئ الحوار يجب أن يحضر النظام وإلا ضاعت الطاسة، ولنا في «ساهر» نموذج, فعندما غابت القيم الأخلاقية لدى المستهترين من قادة السيارات بأرواحهم وممتلكاتهم وأرواح وممتلكات الآخرين وفشلت الأسرة والتعليم والإعلام في غرس الأخلاق المرورية وهي تعكس الأخلاق بشكل عام, جاء «ساهر» ليوقف هؤلاء عند حدهم, فأصبحنا نرى السيارات تسير بهدوء وانخفضت درجات الخطر إلى أدنى نسبها ولم نعد نرى السيارات التي تسابق الريح ولا تحترم خطوط المشاة والإشارة بين ليلة وضحاها. وأعتقد أن حملة التوعية بمبادئ وقيم ومفاهيم الحوار تتطلب دعم التوعية بأنظمة وإجراءات فاعلة تحمي الطرف الأضعف، وأعتقد أن الجامعات التي يدرس فيها حاليا أكثر من نصف مليون طالب تتجاوز أعمارهم الـ 18 تتطلب توجه مركز الحوار لها كأولوية لتأهيل هيئاتها التعليمية تربويا أولا ولتأهيلها معرفيا ومهاريا بمبادئ وقيم ومفاهيم الحوار, خصوصا مهارة الاستماع وقيمة الصبر ثم الصبر ثم الصبر ثم التواضع وإتقان عملهم ببعديه التعليمي والتربوي.
عضو هيئة التعليم الجامعي قيادي وقدوة بالنسبة للطلبة, وأفعاله أمضى من أقواله أثرا في أنفس طلبته وعليه أن يتحلى بالقيم النبيلة والمفاهيم السليمة والصبر على موقفه والتصرف وفق هذه القيم والمفاهيم, وألا يتأثر بردود الأفعال السلبية من قلة من الطلاب, كما يقول لي أحد الطلبة الجامعيين, حيث يقول إن كثيرا من الدكاترة يبدأون تدريسهم لنا بأخلاق عالية تشعرنا بأننا أمام معلم ومرب ثم ما يلبثون أن يتخلوا عن كل ذلك بعد مواجهة السيئين من الطلبة ليعمموا سلوكا سلبيا على الجميع من باب ردة الفعل والانتقام من الجميع.
لست متحاملا على الهيئات التعليمية في الجامعات, لكني لست راضيا عن طريقة تعامل معظمهم مع الطلبة سواء الهيئات التعليمية الرجالية أو النسائية, ولو أن طالبا جامعيا أو ولي أمر طالب جامعي أتيحت له الفرصة لطرح قصصهم من الهيئات التدريسية لألفنا كتبا تصلح لمسلسلات طويلة المدة وغير منتهية، وأود هنا أن أوضح لهم ما هم عليه كي يراجعوا أنفسهم ويبصروا ما يقومون به بعين الطلاب وأولياء أمورهم لعلهم يتجهون للعب دورهم التربوي جنبا إلى جنب مع دورهم التعليمي.
أضع يدي في يد مركز الحوار الوطني في دوره التوعوي المشهود، وأرجو من القائمين عليه أن يتجهوا للفئات المؤثرة من معلمين وهيئات تدريس في الجامعات والمعاهد وإلحاقهم بدورات تدريب معرفية ومهارية لترسيخ قيم ومبادئ الحوار مع الآخر, خصوصا الآخر الأضعف في المعادلة, وهو الطالب, الذي تبذل الحكومة النفيس والغالي من أجل تأهيله علميا وتربويا ليكون مواطنا صالحا منتجا يتحلى بسمات شخصية تدفعه إلى النجاح، والأمل معقود على وزارة التعليم العالي أن تتفاعل مع مركز الحوار الوطني لإعداد وتنفيذ مثل هذه الدورات التي باتت ضرورية جدا جدا وإلا فإن طلابنا سيفقدون القدوة الحسنة بل سيندفعون لعكس ما نريد بسبب وجود القدوة السيئة، كما أرجو من الإخوة أعضاء هيئات التدريس في جامعاتنا أن ينخرطوا في هذه الدورات دون تكبر على العلم والتعلم, فمن قال علمت فقد جهل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي