رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إسرائيل الجسم الغريب وحلم قيادة الشرق الأوسط اقتصاديا

في أحد اللقاءات التي أجرتها قناة الجزيرة مع إحدى الشخصيات التركية صبيحة يوم الجريمة الإسرائيلية النكراء التي نفذتها ضد قافلة الحرية قال إن مسؤولا إسرائيليا برر إعلاميا هذا العمل الهمجي بقوله إن تركيا تريد أن تتزعم قيادة منطقة الشرق الأوسط اقتصاديا، مستغربا من هذا القول حيث تظن إسرائيل أن المنطقة رضيت بقيادتها لاقتصاديات المنطقة من خلال ربط دول المنطقة بمنظومة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا موضحا أن تركيا دولة أصيلة في المنطقة قائمة على أراضيها لا على أراضي الغير كما هو حال إسرائيل الجسم الغريب الذي زرع في المنطقة على أراض فلسطينية محتلة. وللأمانة وقبل أن أسمع كلام الشخصية التركية كنت أتأمل في أسباب الرد الإسرائيلي القاسي على هذه القافلة تحديدا دون سابقاتها، ولماذا تركّز الهجوم على السفينة التركية على وجه الخصوص؟ ولماذا معظم الضحايا من الجنسية التركية؟ وتوصلت إلى رأي شخصي مفاده أن السبب لا يمكن أن يكون تكتيكيا بحال من الأحوال بل هو سبب استراتيجي بكل تأكيد، نعم لا أعتقد أن هذا الهجوم القاسي والهمجي المركز على السفينة التركية أن يكون لكون السفينة التركية مرمرة هي الأكبر حجما وحمولة وبالتالي هي الأولى بالهجوم الهمجي البربري الذي يفتقد أبسط القيم الإنسانية. نعم، الأسباب استراتيجية وهي أسباب بكل تأكيد مؤلمة لإسرائيل استراتيجيا لكونها تؤثر سلبا بشكل كبير في مسارات استراتيجية ماضية إسرائيل في تنفيذها لو نجحت هذه القافلة تحديدا في كسر الحصار على غزة، وباعتقادي أن أهم مسارين استراتيجيين هما مسار المفاوضات ومسار موقع إسرائيل في منظومة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الاقتصادية.
ففي مسار المفاوضات تريد إسرائيل من كافة ألوان الطيف السياسي الفلسطيني أن تخضع لشروطها التفاوضية ولاشك أن شوكة حماس تحول دون ذلك، ولذلك تشهد غزة المسيطر عليها من قبل حماس حصارا لا إنسانيا غير مسبوق مدعوم بصمت عالمي غير مسبوق أيضا، والأمور تسير كما تريد إسرائيل بمرور الوقت حيث تراهن على تنازل حماس عن شروطها بمرور الوقت تحت ضغط سكان غزة نتيجة عدم تحملهم آلام الحصار التي أهلكت الضرع والزرع والبشر، وهذه القافلة تكسر هذا الصمت وتدعم صمود شعب غزة الداعم لحماس بدعمها المعنوي وما يترتب عليه وبدعمها المادي لسكان غزة أيضا الذي سيتتابع لو نجحت هذه القافلة ما يلحق ضررا استراتيجيا لا تكتيكيا بتوجهات إسرائيل التوسعية على حساب الشعب الفلسطيني ومقدسات المسلمين خصوصا أن هذه القافلة الأكبر حجما والأكثر تنوعا من حيث نوعية المشاركين فيها من جهة تنوع جنسيات المشاركين في هذه القافلة ومن جهة تنوع دياناتهم وقناعاتهم (مسلمون، مسيحيون، يهود).
وفي مسار موقع إسرائيل اقتصاديا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيكون الضرر مؤلما أيضا إذ ترغب إسرائيل في قيادة المنطقة اقتصاديا وفتح أسواقها لصالح المنتجات الإسرائيلية وهو هدف استراتيجي بعيد المدى، ولكن نجم تركيا كقطب اقتصادي منتج في المنطقة يجعلها تنافس على هذا الموقع بقوة خصوصا أن تركيا دولة ذات أغلبية مسلمة وذات قيادة إسلامية معتدلة نالت رضا شعوب المنطقة نتيجة لعدة مواقف اتخذها رموز الحكومة التركية (الانسحاب من أمام إسحاق رابين مثالا)، وبكل تأكيد نجاح قافلة الحرية التي تقودها تركيا سيعزز مكانة تركيا في المنطقة بقيادتها الحالية ما يجعلها مرحب بها قيادة وشعبا ومنتجات اقتصادية الأمر الذي يمنحها فرصة أكبر لتبوؤ مركز اقتصادي قيادي في منظومة الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا على حساب أحلام إسرائيل.
إذن وحسب ما أعتقد أن إسرائيل اتخذت قرارا برد قاس لإفشال قافلة الحرية من الوصول إلى غزة وكسر الحصار لأسباب استراتيجية ونفذت هذا القرار وتبذل حاليا جهودا كبيرة لتبرير هذه الفعلة لتخفيف أثر هذه الجريمة على موقفها أمام الرأي العام العالمي ولا أظن أنها ستنجح لأن ما اتخذته من قرارات وما قامت به من أفعال مشينة محصلة تفكير حفنة من المتطرفين أعمت عقولهم أفكارهم المتطرفة ونظرتهم الدونية لمن هو من غير جلدتهم وهؤلاء دائما ما يكون تدميرهم في تدبيرهم.
نحن الشعوب العربية والمسلمة وبعد ضرب غزة بشكل همجي قبل أكثر من سنة وبعد هذه الحادثة سنكون أبعد ما نكون عن التطبيع مع الكيان الصهيوني حتى وإن وافقت حكومات المنطقة كلها وتحت أي مبرر ومقابل أي تنازلات إسرائيلية لأن أفعالهم البشعة تثير حقد النفوس حتى وإن كان هذا الحقد نائما في أعماقها، كما سنكون أقرب ما نكون إلى تركيا التي يممت وجهها شطر العالم العربي والإسلامي الذي لقيها بكل ترحيب ومحبة وفرح بعودتها إلى منظومة العالم الإسلامي. تركيا وإن بدا أنها خسرت في هذه القافلة عشرة مواطنين أتراك، نسأل الله أن يتغمدهم برحمته، إلا أنها فازت بامتياز وحققت قيادتها مكاسب محلية ودولية كبيرة ستنعم بفوائدها بما يعزز تحقيقها لاستراتيجياتها بينما إسرائيل وإن بدا أنها انتصرت بمنع القافلة وقتل وجرح عدد من المشاركين فيها فقد خسرت الكثير وأثبتت لنا جميعا أنها جسم غريب ذو أفعال غريبة لا يمكن للمنطقة أن تتقبلها مهما طال الزمن ولن تتمكن في ظل الرفض الشعبي المتنامي في المنطقة أن تتبوأ أي مركز متقدم في منظومة الشرق الأوسط الاقتصادية بل إن الأمر بات أكثر سوءا حتى أن الداخل الفلسطيني بدأ في مقاطعة بضائعها.
ختاما قد يقول قائل إن إسرائيل إذا لم تدخل اقتصاد المنطقة من الباب ستدخله من الشباك وأقول إن الدخول من الشباك حتى وإن تمكنت منه لن يمكنها بحال من الأحوال أن تكون لاعبا رئيسيا في اقتصاديات الشرق الأوسط وستبقى جسما مرفوضا يشعر بالغربة إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي