مجموعة العشرين تساند استراتيجية «اليورو» في التصدي لأزمة الديون
من المرجح أن يساند وزراء المالية في أكبر اقتصادات في العالم خلال اجتماعهم نهاية الأسبوع بقوة جهود أوروبا لتسوية أزمة ديونها، لكنهم لن يعلنوا سياسات جديدة لمساعدتها على ذلك.
وبعد عدة شهور مارست خلالها واشنطن وبكين وغيرها من الحكومات الضغوط على أوروبا لتتحرك بطريقة أكثر حسما في مواجهة الأزمة، يبدو الآن أن صانعي السياسات في العالم يشعرون بأنه قد بدأ تنفيذ استراتيجية تتمتع بفرصة معقولة للنجاح، وأنه يجب منحها الوقت لتؤتي ثمارها.
لذا من المرجح أن يثني وزراء المالية ورؤساء البنوك في مجموعة العشرين خلال اجتماعهم يومي الرابع والخامس من حزيران (يونيو) المقبل في كوريا الجنوبية على أوروبا، ويشكلوا جبهة موحدة للتصدي للأزمة على أمل طمأنة أسواق المال.
ويوم الأربعاء الماضي، قال تيموثي جايتنر وزير الخزانة الأمريكي في لندن، إن الحكومات الأوروبية تعاونت في صياغة ''برنامج قوي للغاية من الإصلاحات النقدية وتعهدت بالتزام قوي للغاية على الصعيد المالي''، مضيفا أن من الضروري الآن البدء في تطبيق الخطط.
واستبعد مسؤول في إحدى دول المجموعة يشارك في تحضير الاجتماع أن تعلن أوروبا أو مجموعة العشرين أي سياسات جديدة في الوقت الراهن، إذ إنه تم الكشف للتو عن خطوات معالجة الأزمة، ويجري تنفيذها الآن. ورجح المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن يؤكد الاجتماع على أن أوروبا ستنفذ خطتها، وأن الأسواق ستستقر.
وفي وقت سابق من الشهر، انتابت حكومات مجموعة العشرين حالة من القلق من عجز بعض الدول الأوروبية عن حشد الإرادة السياسية اللازمة لمواجهة مشكلات ديونها العامة.
وتحدث الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشكل شخصي إلى خوسيه لويس رودريجيث ثاباتيرو رئيس الوزراء الإسباني لحثه على تطبيق إصلاحات في الميزانية. وعقد مسؤولون في المجموعة مؤتمرات عبر الهاتف لبحث السياسة الأوروبية.
ومنذ ذلك الحين، أعلنت أوروبا استراتيجية من شقين، يتمثل الشق الأول في مجموعة من برامج التقشف الوطنية تستهدف خفض العجز العام والدين الحكومي إلى نسب آمنة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات القليلة المقبلة. وأعلنت الدول المثقلة بأكبر ديون في منطقة اليورو، وهي اليونان والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا إجراءات تقشف هذا الشهر. وحتى فرنسا ذات الموقف الأقوى تحركت، وأعلنت اعتزامها أن ينص الدستور على خفض العجز.
أما الشق الآخر من الاستراتيجية فيتمثل في مساندة طارئة في شكل سيولة من الدول الغنية لإفساح الوقت لإجراءات التقشف، كي تؤتي ثمارها، ويضمن ذلك أن تحتفظ الدول بقدرتها على الحصول على التمويل حتى وإن عجزت عن تمويل نفسها في سوق السندات كما هو حال اليونان.
وإضافة إلى خطة لإنقاذ اليونان قيمتها 110 مليارات يورو تمد البلدان الأوروبية شبكة أمان مالي للدول المثقلة بالديون يمكن أن تصل إلى جانب المساندة التي سيقدمها صندوق النقد الدولي إلى 750 مليار يورو ـ وهو ما يمثل ثلاثة أرباع إجمالي الدين العام لليونان والبرتغال وإيرلندا وإسبانيا.
بيد أن هذه الاستراتيجية لم تطمئن الأسواق سوى بصورة جزئية، كما يظهر من استمرار القيود على السوق النقدية بين البنوك في منطقة اليورو. وهناك أيضا شكوك بشأن رغبة بعض الدول في تمويل الدول المدينة طالما تدعو الحاجة.
ويظهر استطلاع لـ''رويترز'' أن قليلا من المحللين يعتقدون أن تدابير التقشف التي أخذتها اليونان وربما دول أخرى لن تجدي نفعا، إذ إن هذه الدول معسرة على نحو كبير، ما يجعل إعادة هيكلة الديون أمرا لا مفر منه في نهاية المطاف. وتسعى ألمانيا إلى إرساء أسلوب منظم للتعامل مع حالات الإعسار المالي في الدول المثقلة بالديون في منطقة اليورو بهدف معالجة هذا الوضع الطارئ. لكن مسؤولين أوروبيين قالوا علانية إن الأسواق هشة بدرجة لا تسمح لأي دولة بأن تجازف بإعادة هيكلة ديونها في الوقت الحالي دون أن يفجر ذلك أزمة مالية أوسع نطاقا.
كما تخشى مجموعة العشرين من أن تكبح سياسات التقشف الأوروبية انتعاش الاقتصاد العالمي من حالة الركود. ويقول مسؤولون في المجموعة إن هذا سيكون قضية رئيسة على جدول المناقشات خلال الاجتماع. ويمكن أن توجه أي عملية لإعادة هيكلة الديون في أوروبا ضربة جديدة للنمو من خلال الإضرار بالبنوك التجارية.
وحتى الآن تبدو المجموعة راغبة في أن تلقي بثقلها وراء جهود أوروبا لعزل نفسها عن الأسواق من خلال القروض الطارئة، بينما تحاول معالجة أزمة ديونها.
وبدا أن جيمس بولارد رئيس بنك الاحتياطي الاتحادي في سان لويس، وهو مسؤول أمريكي بارز في الشؤون النقدية يساند هذا التوجه خلال زيارة إلى ستوكهولم يوم الخميس الماضي. وقال إن أوروبا ''اشترت وقتا'' لحكوماتها.
وأضاف ''إذا كان هناك نوع من إعادة الهيكلة في المستقبل... فربما يكون بعد عدة سنوات من الآن''.ورجح مسؤول آخر من إحدى دول مجموعة العشرين أن توصل المجموعة رسالة وحدة وتضامن مع أوروبا خلال الاجتماع المقبل.
ويمكن أن يساعد ذلك في حد ذاته على طمأنة الأسواق التي اجتاحها الاضطراب الأسبوع الماضي عندما شقت ألمانيا صف إجماع عالمي بشأن تنظيم أسواق المال، وحظرت بصورة فردية بعض أنواع البيع على المكشوف.
ومن شأن إقناع المستثمرين بأن مجموعة العشرين لا تزال تتحرك صوب التوصل لاتفاق بشأن التنظيم المالي، وأنها تحاول على الأقل تنسيق السياسات النقدية بهدف حماية النمو الاقتصادي أن يهدئ اضطراب الأسواق. وقال بيير كارلو بادوان كبير الاقتصاديين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ''يمكن أن يوجهوا إشارة قوية للأسواق العالمية بأنهم يعنون ذلك سياسيا عندما يقولون إنهم يريدون تنسيق السياسات.. الجهد المشترك والاستثمار السياسي الجماعي من مجموعة العشرين سيعود بالنفع على الجميع''.
وفي نيسان (أبريل) 2009 مثل إظهار الوحدة من جانب زعماء مجموعة العشرين خلال قمة في لندن بداية انتعاش الأسواق من الأزمة المالية العالمية، وربما أسهم في عودة الثقة.
ويمكن لاجتماع هذا الأسبوع وقمة قادة المجموعة المقبلة التي تعقد في تورنتو في كندا في أواخر حزيران (يونيو) أن يكون لهما التأثير نفسه في أزمة ديون أوروبا.ويعتقد محللون أنه أمام حكومات المجموعة وبنوكها المركزية عدد من الخيارات السياسية البديلة إذا ما تفاقمت الأزمة، من بينها أن يخفض مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي (البنك المركزي) سعر الفائدة الذي يفرضه على البنك المركزي الأوروبي عن مبادلات بالدولار، وهو ما قام المجلس باستعادة العمل به هذا الشهر لتهدئة التوتر في أسواق النقد الأوروبية.وكان استخدام البنوك التجارية للمبادلات ضعيفا، وهو ما ألقى بعض المتعاملين باللوم فيه على السعر. لكن بولارد قال هذا الأسبوع إنه يعتقد أن استخدام المبادلات تراجع، لأن القيود المالية كانت أقل صرامة مقارنة بها في أواخر عام 2008.
ومن بين الخيارات الأخرى في حال قوض ضعف اليورو بصورة مفرطة الثقة بأصول منطقة اليورو تدخل منسق من قبل البنوك المركزية الرئيسة في مجموعة العشرين لدعم العملة الموحدة.
لكن حتى الآن لم يبدأ المسؤولون في البنك المركزي الأوروبي في إصدار تحذيرات شفهية عن الضعف المفرط لليورو، ويدركون أن هبوط اليورو لأقل مستوى له في أربع سنوات يساعد على استمرار النمو الاقتصادي في المنطقة.
وإذا ما تدهورت الظروف المالية بصورة أكبر سيكون لدي المركزي الأوروبي خيارات من بينها خفض آخر في أسعار الفائدة الرسمية التي بلغت انخفاضا قياسيا وتوسعا هائلا في شراء السندات الحكومية. لكن هذه خطوات جوهرية يمكن أن تعتبرها الأسواق مؤشرات على الفزع، لذا يتوقع أن يحتفظ بها البنك المركزي بديلا في المستقبل المنظور.