التأمين الصحي على المواطنين .. متى يكون؟
يتزايد الحديث في الآونة الأخيرة عن أهمية التأمين الصحي وحاجة المواطن له، ولا سيما في ضوء تجربة الضمان الصحي التعاوني بالمملكة واستفادة قطاع عريض من المقيمين والمواطنين منها. كما أن هذه التجربة استفاد منها القطاع الصحي العام والخاص وكذلك شركات التأمين.
فالقطاع الصحي العام استفاد من ناحيتين، الأولى أنه تخلص من الأعباء المرتبطة بعلاج شريحة كبيرة من المستفيدين من الضمان الصحي وعددهم وصل الآن إلى نحو سبعة ملايين شخص ما بين مواطن ومقيم لأن التأمين شملهم، والناحية الثانية هي أن هذا القطاع استفاد من خلال مساهمته في علاج جزء من هؤلاء المستفيدين، ولكن هذه المرة بمقابل، حيث استفادت المستشفيات الحكومية من مراكز الأعمال التي أنشأتها لهذا الغرض، فحققت عائداً مادياً لا بأس به.
أما القطاع الصحي الخاص فقد استفاد مادياً وفنياً من هذه التجربة على الرغم من بعض التجارب السيئة لبعض مقدمي الخدمة مع بعض شركات التأمين.
أما هذه الأخيرة وأقصد بها شركات التأمين فالفائدة كانت كبيرة، خاصة بالنسبة للشركات التي هيّأت نفسها إدارياً وفنياً وتسويقياً، واستطاعت أن تستحوذ على قطعة كبيرة من كعكة التأمين الصحي. وعلى العموم فقد تجاوزت أرباح شركات التأمين العاملة في قطاع التأمين الصحي، حسب تقرير "ساما" سنة 2008، تسعمائة مليون ريال.
والحديث في هذا الموضوع يقودنا إلى محاولة تقييم هذه التجربة ومعرفة مدى الفائدة التي ستجنيها الدولة والمجتمع وكذلك المواطن من تعميمها.
وبالنسبة لتجربة التأمين الصحي فإنني أرى، ورغم بعض السلبيات التي اعترتها، أنها تبقى تجربة ناجحة بكل المقاييس، وقد استفاد منها جميع أطراف التأمين ومنهم، على وجه الخصوص، المشمولون بالتأمين الصحي ومقدمو خدمة العلاج وشركات التأمين.
ومع ذلك، فإن تعميم هذه التجربة يقتضي تهيئة الأرضية المناسبة لأننا ما زلنا بحاجة إلى التوسع بشكل كبير في القطاع الصحي سواء من حيث الخدمات الصحية أو من حيث الجهات التي تقوم بتقديمها. فلا يكفي حتى يتم تطبيق التأمين الصحي أن تكون لدينا شركات تأمين حتى وإن كانت متخصصة في التأمين الصحي، فالتأمين الصحي يحتاج في المقام الأول إلى قطاع صحي فاعل قادر على تقديم خدماته بجودة عالية.
وأذكر أنه حينما تم إقرار الضمان الصحي الإلزامي على المقيمين بالمملكة، فقد اندفعت بعض مستشفيات القطاع الخاص ذات السمعة الجيدة والخبرة العريقة في القطاع الصحي، إلى تقديم خدماتها لشرائح كبيرة من المقيمين العاملين بالمملكة إلا أن هذا الاندفاع غير المدروس ترتب عليه أن أصبحت هذه المستشفيات تعج بالمراجعين من المستفيدين من الضمان الصحي التعاوني، وهذا أدى إلى انحسار في سمعتها وتردٍ في جودة خدماتها.
الإشكالية الأخرى هي في تركز الخدمات الصحية في المدن الرئيسة للمملكة كالرياض وجدة والخبر، ولذلك فالخدمات العلاجية التي يعول عليها والتي يمكن تقديمها وفقاً للتأمين الصحي ستكون في المناطق الرئيسة الثلاث للمملكة، وهذا سيشكل ضغطاً إضافياً على هذه المناطق من المناطق الأخرى.
لذلك يجب أن تكون لدينا خطة مدروسة تعتمد على دراسة احتياجات المواطنين من الخدمات الصحية وتوزيعها بشكل عادل، وتطوير الخدمات التي تقدمها المراكز الصحية والمستشفيات القائمة بحيث تقوم بتقديم خدماتها وفق مفهوم وفلسفة التأمين الصحي، وبما يبقيها في دائرة المنافسة مع القطاعات الصحية الأخرى. فالهدف هو ألا يحوز المواطن وثيقة تأمين صحي ولا يجد مَن يقدم له الخدمة أو على الأقل لا يجد مَن يقدمها له بشكل لائق.
هذا إضافة إلى أن تقوم الدولة بتبني مفهوم تأمين اجتماعي وبشكل مواز وداعم للتأمين الصحي الخاص، وحينئذ فقط يتم التفكير في التأمين الصحي على كل المواطنين وإراحة وزارة الصحة من عبء تقديم خدمات العلاج وفق المنطق البيروقراطي الذي أثبت عدم قدرته على تحقيق ما يتطلع إليه المواطن.