رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الجهل بقوانين المرور يقتل الأبناء ويأسر النساء

عندما وُلد خالد أذّن أبوه سالم في أذنه اليمنى وأقام للصلاة في أذنه اليسرى اقتداء بسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وابتهجت العائلة وأعدت الولائم، وظلت تتغنى بمولودها الذكر فقد أتى بعد سارة وهيفاء. ويكبر خالد ويبالغ الأب في تدليله فيضعه وهو لا يزال غض العود في حِجره أثناء قيادته للسيارة. ونحن السعوديين نتفاخر بوضع أبنائنا في حُجورنا عند قيادة السيارة والمضحك المبكي أن رجل المرور عندما يرى هذا المنظر فإنه يربت على رأس الصبي ويبارك للأب صنيعه، فهل أنه يجهل أن مكان الطفل في المقعد الخلفي مثبت بإحكام في كرسيه. عندما أنهى خالد المرحلة الابتدائية وأصبح قادرا على مسك مقود السيارة فلم يتوان أبوه أن يفاجئه بهدية، إنها السيارة التي يحلم بها ويتمنى قيادتها. وصنيع كهذا لم يكن فقط بهجة للابن بل إنه أعفى الأب من بعض مسؤولياته فيوصل الأبناء للمدارس والأم للسوق والبنات للتنزه. وتظل العائلة بهذه النشوة حتى يأتي اليوم الموعود فينعى إلى سالم أن ابنه الذي طربت له نفسه عند ولادته، وتربى تحت أنظاره، وتعلم قيادة السيارة في حِجره قد مات. أتت المنية فغيبت خالد، ذلك الصبي اليافع المطيع غيبه الموت ليس في ساحة معركة يذود عن البلاد والعباد ولا في مطاردة لمجرمي المخدرات بل حادث سيارة يموت فيها كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء.
ُينعى إليه الخبر وهو في عمله وبين زملائه فيسقط مغشيا عليه، فهذا حبة القلب لم تقر به عيناه، ولم ير شبابه النظر، ولم يصل بعد إلى ما يرجوه منه إنها المنايا تضرب خبط عشواء. وفي المستشفى يستيقظ الأب ويسأل أين ابني؟ أين خالد؟ فيرى الوجوه شاحبة والعيون دامعة فيغمى عليه مرة أخرى، ويظل بين الإغماءة واليقظة حتى يعي الحقيقة، ويتكيف مع الفاجعة، ويتقبل العزاء من الناس في أحب الناس، فأحسن الله عزاءك في خالد. هل تعلَّم سالم من هذه اللوعة ومن هذه الحرقة.. لنر؟ تمر السنون ويرزق بابن آخر أسماه وليد، يتدرج في تربيته كما كان يفعل مع أخيه من قبل، لأنه لا يعرف من أصول التربية إلا تلك، فيضعه في حِجره وهو يقود السيارة، كما كان يفعل مع خالد، وعندما أصبح قادرا على الجلوس أمام مقود السيارة يتمنى ما تمنى شقيقه سيارة فارهة جديدة ويسر الأمر لأمه فتنقله لأبيه فيرفض لأنها تذكره بخالد. وتعيد الأم الكًرة وتصر في الطلب وتغلظ في القول فيضعف الأب المسكين وما هي إلا أيام حتى يُهدى لوليد أداة الموت (سيارة) بقي سالم يقسط ثمنها حتى شاب رأسه، وانبرى عوده. ويخرج وليد بسيارته الجديدة من الوكالة يقودها في شوارع المدينة كالطاووس. وكأن التاريخ يعيد نفسه، فوليد يَعفِي أبيه من بعض مسؤولياته، ويعود للعائلة الفرح المعسول، وتظن أن الدهر قد تبسم لها من جديد. ولكن الأحداث لهم بالمرصاد فيأتي الخبر إلى الأب بأن وليد قد وقع عليه حادث وقد مات. إنها صدمة أخرى ومصيبة عظمى، فقد ابناً آخر وهو في أرذل العمر، فيقولون تصبر وهل بقي له غير الصبر؟ وتعيد أمام ناظريه ذكرى وفاة خالد ولكنه يتماسك فقد علمته الصدمات وساسته النكبات فيرضى بما كتب الله ويتقبل العزاء بصبر ويقين، فأحسن الله عزاءك في وليد. لم يبق لهذا الرجل المكلوم ذرية سوى سارة وهيفاء بنتين شابتين جميلتين كأزهار الربى. فتتولاه الأسقام، ويصيبه الكبر، ويوهن عظمه، ويضعف جسمه، فلا يستطيع تلبية حاجات العائلة، فمن يسنده؟ لم يعد له أبناء والنساء أسيرات في المنازل. فما الحل؟ نعم إنه هو!! السائق!! وما أسهل أن تأتي بسائق!! يأتي سالم بالسائق ليقود الزوجة والبنتين الشابتين، ويظل الأب يرافقهم الأسابيع الأولى خشية الخلوة ولكنه يتعب، ويمل، ويأمن فيترك للسائق الحبل على الغارب، ويسلم له المنزل بما فيه من أنفس وبشر وحجر. يتبضع للبيت، ويوصل للمستشفى، وينتظر أمام المدارس والجامعات، وقد يسافر الأب عدة أسابيع، ويترك السائق مع العائلة، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ ما الذي سيحدث: رجل (السائق) والزوجة وابنتين شابتين كأحلام الصبي؟
ترى من منا ذلك الرجل سالم؟ فحوادث السيارات قتلت أبناءنا، وتسليم أثمن ما نملك البيت والبنين والبنات للسائقين والخدم أمر طبيعي، والشاذ من يفعل عكس ذلك. من سينظم لنا أحوالنا، ومن سيعيد إلينا صوابنا، ومن ينقذنا من هذا الهدر في الأنفس والممتلكات؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي