رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عندما يكون للمعوق صديق

نبني كما كانت أسلافنا *** تبني ونعمل مثلما عملوا
بيت شهير ينسب إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- يجسد أهمية الاستدامة على البناء والتطوير الحكيم مهما تبدلت الأحوال وتغيرت الأزمان.
قام مقاول بناء قصر المربع منذ قرابة 100 عام بنقش هذا البيت على المدخل الرئيسي للقصر. قرأ المؤسس الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - هذا البيت منقوشا على مدخل القصر فوجه مقاول البناء بتعديل الشطر الثاني من بيت الشعر من ''نبني كما كانت أسلافنا تبني ونعمل مثلما عملوا'' إلى ''نبني كما كانت أسلافنا تبني ونعمل فوق ما عملوا''. فرق كبير بين معنى كلمة ''مثل'' و''فوق'' جسد فيه المؤسس - طيب الله ثراه - بذورا لثمار نجنيها اليوم والغد بحمد الله وتوفيقه في جميع أوجه الحياة التنموية المختلفة.
شهدت الرياض الأسبوع الماضي تجسيدا جديدا لبذور تنموية ممتدة من بذور الأمس, وينتظر منها أن تجود بثمار جديدة في الغد عندما أعلن الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض, العاصمة الرياض أول مدينة صديقة للمعوق على مستوى المملكة.
عقب هذا الإعلان إقرار سموه الكريم مبادرة ''الوصول الشامل'' التي طورها مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة تأكيداً على مراعاة استيعاب المعوقين في أوجه الحياة العامة، ومساندتهم في جميع المجالات كي يتمكنوا من ممارسة حياتهم، وتحقيق طموحاتهم.
يشكل واقع المعوقين في المملكة تحديا رئيسا عندما نقف على إحصاءاته. تشير مجموعة من الإحصاءات الديمغرافية عن المملكة أن عدد السكان يبلغ قرابة 24 مليون نسمة, يشكل 43 في المائة تحت سن 15 عاما، و3 في المائة فوق 65 عاما، و83 في المائة يعيشون خارج المدن الرئيسة.
تحتضن هذه الإحصاءت إحصاءات أخرى من فئة من بني جلدتنا شاء الله - سبحانه وتعالى - امتحانهم في الدنيا لتعظيم أجرهم في آخرتهم ألا وهم ذوو الاحتياجات الخاصة. تشير إحصاءات البنك الدولي ومصلحة الإحصاءات العامة إلى أن المملكة تحتوي على ستة أنواع من أنواع الإعاقة. إعاقة بدنية (34 في المائة)، وبصرية (30 في المائة)، وسمعية (11 في المائة)، وعقلية (10 في المائة)، ونفسية (3 في المائة)، ومشتركة (12 في المائة). تتركز معظم هذه النسب في فئات عمرية مختلفة, فالبدنية والسمعية في من هم فوق 60 عاما، والبصرية والنفسية في فئة 25 إلى 60 عاما، والعقلية والمشتركة في فئة ثلاثة إلى 13 عاما.
أثبتت أبحاث أخرى ذات علاقة ايضاً أن من بين 30 ألف مدرسة في المملكة هناك 10 في المائة فقط مجهزة بخواص الوصول الشامل في البيئة العمرانية. حيث تفتقر بقية المدارس إلى ممرات الكراسي المتحركة ودورات المياه الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، وخصائص أمان مهمة مثل أسوار السلالم والإضاءة الملائمة.
دراسة علمية أيضا نشرت العام الماضي في مجلة الإعاقة والتأهيل العملية لمجموعة من الباحثين في مستشفى القوات المسلحة في الهدا ـ الطائف, هدفت الدراسة إلى تفنيد مراحل تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة في السعودية من خلال دراسة حالات قسم التأهيل الطبي في المستشفى خلال الفترة من 1999 إلى 2005. توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج المهمة في هذا الشأن.
من أهم النتائج أن إصابات العمود الفقري تشكل الإصابات الأكثر شيوعا في السعودية. وأن هذه الإصابات تتمركز في الذكور دون الإناث ذوي الفئة العمرية بين 16 و45 عاما. وأن 73 في المائة من هذه الإصابات تنتج عن إصابة صاحبها شلل رباعي يعوقه عن أداء دوره بشكل طبيعي.
يشكل إعلان ''الرياض صديقة المعوق''، ومبادرة ''الوصول الشامل''، ومجموعة الإحصاءات الديمغرافية حول واقع المعوقين في المملكة, أرضية انطلاق نحو المشاركة بفاعلية في تنمية مشاركة نجلاء، ومحمد، وهيفاء، وإخوانهم وأخواتهم في استدامة تنمية المجتمع السعودي. هذه الأسماء هي أسماء حقيقية لفئة عزيزة على قلب كل مواطن ومواطنة. جمعت هذه الأسماء الإعاقة وفرقتها أدوارها التي تشارك بها في استدامة تنمية المجتمع السعودي وصفات تمثيلها.
نجلاء أكاديمية في إحدى المؤسسات التعليمية السعودية الشهيرة, شاء الله تعالى أن تولد نجلاء بإعاقة سمعية حرمتها من نعمتي السمع والكلام. اجتهدت نجلاء في محاولات عديدة للتغلب على هذه الإعاقة والاندماج بكل سر ومرونة في المجتمع من خلال الإصرار على دخول مدارس التعليم العام ولتحصل على الشهادة الثانوية على الرغم من تحديات صعوبة التعلم. زاد إصرار نجلاء بعد ذلك فحصلت على بعثة خارجية استطاعت من خلالها الحصول على شهادة البكالوريوس فالماجستير في التربية الخاصة, أضحت نجلاء الآن تتبوأ مكانة تربوية في مؤسسة تعليمية سعودية.
أما محمد فهو موظف قيادي في إحدى المؤسسات المالية السعودية الشهيرة, شاء الله بعد إكماله السنة التحضيرية في إحدى الجامعات السعودية أن يلبي دعوة قريب له في حضور حفل زواجه في إحدى المناطق القبلية جنوب المملكة, لم يدر بخلد محمد أن رصاصة من رصاصات احتفال زفة العريس ستسكن أسفل ظهره بطريق الخطأ. ما أجبرته على البعد عن مقاعد الجامعة قرابة ثلاثة أعوام ليعود من جديد, لكن هذه المرة مع ضيف لصيق عبارة عن كرسي متحرك. رزق الله محمد الصبر والسلوان في متابعة تعلمه ومن ثم التدرج الوظيفي إلى أن أضحى في مركز قيادي في مؤسسة مالية يشارك زملاءه التنفيذيين في إدارة دفة المؤسسة.
وهيفاء معلمة للغة العربية أكملت قرابة 20 عاما في تربية أجيال من بناتنا داخل قاعات التعليم العام. أصيبت هيفاء وهي في سن الطفولة بشلل أطفال أعاقها عن الحركة الطبيعية داخل مجتمعها, علاوة على فقدها حنان الأبوة بعد وفاة والدها. ورزقها في الوقت ذاته والدتها التي وظفت كل طاقاتها في سبيل تأهيل هيفاء لإكمال مشوارها التعليمي العام والجامعي ومن ثم مشوارها التربوي حتى أضحت معلمة أجيال في إحدى مدارس التعليم العام في مدينة الرياض. لم يكن طريق نجلاء، محمد، وهيفاء ممهدا ومفروشا بالورد حتى وصلوا إلى ما هم عليه الآن, فقد صادفتهم عثرات جسام تمثل معظمها في عدم جاهزية محيطهم التعليمي والعملي لاستيعاب إعاقتهم بتأهيل بيئة التعليم والعمل التأهيل الشامل لضمان انسياب حركتهم. وعلى الرغم من ذلك إلا أن نجلاء، محمد، وهيفاء يعدون نماذج لمجموعة ليست بالقليلة من أبناء وبنات الوطن شاء الله أن يمتحنهم في دنياهم بإعاقة مختلفة. وهم يمثلون نماذج ناجحة من نماذج ذوي الاحتياجات الخاصة الذين حظوا بدعم مكنهم من أداء أدوارهم الطبيعية في المجتمع بفاعلية.
يأتي إعلان ''الرياض صديقة المعوق'' ومبادرة ''الوصول الشامل'' لتذليل تحديات المعوقين خلال المرحلة المقبلة - بعون الله تعالى - بما يمكنهم من توظيف كامل طاقاتهم في سبيل المشاركة الفاعلة في استدامة تنمية البلاد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي