«نوووور» والإنجاز في إطار خدمة المجتمع
تتطور قيم ومفاهيم الرأسمالية الاقتصادية بمرور الزمن نتيجة الممارسة التي عادة ما تفضي إلى مشكلات واختناقات وآثار جانبية تحفز فكر المنظرين والمهنيين لمعالجتها والتصدي لها, ما يولد نظريات اقتصادية وإدارية ومالية وتسويقية واجتماعية ونفسية علاجية سرعان ما تأخذ طريقها إلى التطبيق مولدة وضعا جديدا يستدعي هو الآخر إعمال العقل مرة أخرى, وهكذا في متتالية تطوير متسارعة.
وهو تطور يتميز بأنه تولد فكريا وطبق عمليا في رحم بيئته، وبالتالي فهو تطور طبيعي منسجما مع المعطيات القائمة في البيئة الرأسمالية الحقيقية التي ولد ونما داخلها, ما يجعله فاعلا وذا أثر ملموس في تلك البيئة بالمحصلة رغم الآثار السلبية الجانبية التي لا بد أن تكون مهما كانت الاحتياطات, فالجهود البشرية لا بد من أن يعتريها النقصان.
نتيجة للعولمة الاتصالية والاقتصادية والانفتاح غير المسبوق والمدعوم بتقنيات التواصل السريعة ارتحلت وما زالت ترتحل وفي فترات زمنية وجيزة لنا كثير من الأفكار والنظريات الإدارية لعالمنا الثالث كحلول ناجحة وناجعة لكثير من قضايانا ومشكلاتنا, لكنها ـ مع الأسف الشديد ـ تصطدم بمعطيات وواقع مختلف تماما ما يجعلها غير فاعلة, الأمر الذي يجعل كثيرين يعزفون عنها على اعتبار أنها أفكار فاشلة, متناسين أن المشكلة ليست فيها بقدر ما هي في وقت استقطابها وتطبيقها في بيئة غير مهيأة لنجاحها.
فشل تطبيق كثير من الأفكار والنظريات الناجحة في الدول الرأسمالية الحقيقية في بيئتنا جعل الكثير يعزف عنها ويصر على ممارسة نظرية التجربة والخطأ في تطوير الأعمال رغم التكلفة العالية لهذه النظرية التي تستهلك الموارد بأدنى كفاءة بما في ذلك مورد الوقت الذي يعد عنصرا حاسما في الإنجاز والتنافسية, والوقت كما يعرفه مجتمع الأعمال هو المال، وهو وضع يستدعي معالجته بفكر وتطبيق محلي متميز ينطلق من منظمات سعودية يقودها مواطنون مؤهلون يحملون هم الوطن جنبا إلى جنب مع هموم منظماتهم.
إحدى النظريات الرأسمالية التي ما زال الكثير يشكك في فاعليتها النظرية التي تقول إنه من أجل الاستمرارية والنمو يجب أن تعمل المنظمات بفكرة ''الجميع يربح'' على أساس الشراكة مع جميع الشرائح ذات الصلة لتدخل المنظمة نسيج المجتمع الذي سيرى فيها أبعادا متعددة غير البعد المباشر المتمثل في الخدمات التي تقدمها أو المنتجات التي تطرحها في الأسواق, ما يجعله يقبل عليها دون سواها وما يجعله يدافع عنها إذا تعثرت ويضغط على جميع الجهات التشريعية والتنفيذية لدعمها أو إنقاذها.
هذه النظرية أكثر من رائعة ذلك أنها تحقق مصلحة المنظمة بتحقيق أهدافها أولا, كما أنها تحقق مصلحة جميع الأطراف ذوي الصلة بتلك المنظمة ثانيا, الأمر الذي يجعل موقفهم إيجابيا تجاهها في كل الأحوال وينظرون إليها بعين الرضا التي هي عن كل عيب كليلة, ما يسهل تحقيق أهدافها ويعزز مكانتها السوقية ويحميها من التقلبات والظروف.
بكل تأكيد بلادنا تنعم بشركات كبرى كثيرة (ولا أقصد هنا الأفراد الميسورين) تأخذ في الاعتبار خدمة المجتمع وهي تعمل على تحقيق أهدافها إيمانا منها بأن هذه المهمة باتت مهمة جوهرية وأساسية من مهامها وليست مهمة مساندة, ومن هذه الشركات كبريات الشركات النفطية والبتروكيماوية والبنوك وبعض الشركات العقارية الكبرى, وهو أمر ليس مستغربا, ذلك أنها شركات تنعم بإيرادات كبيرة وأرباح مجزية تمكنها من ذلك, بل المستغرب ألا تقوم تلك الشركات بمهامها في خدمة المجتمع, إذ يشي ذلك بضعف في الإدارة من ناحية وطمع كبير, إن لم يكن جشعا, من قبل ملاكها.
شدني ما كتبه الكاتب الاقتصادي ورجل الأعمال المعروف نجيب الزامل عن الأستاذ عماد الدغيثر مؤسس موقع نووور دوت كوم التعليمي لعدة أسباب أولها أن لدينا عقولا وطنية أبدعت حلولا إلكترونية في ظل ندرة الموارد والتشجيع وفي ظل العوائق المتعددة والتثبيط القاتل من بيروقراطية البيروقراطيين, والموقع للأمانة بعد أن اطلعت عليه موقع رائع إذ يمكن المعلم حتى المدرب من صناعة المحتوى وتجهيزه وتسويقه, وهو ما يعني أن لدينا من خطا خطوة جبارة في مجال إنتاج المعرفة وتسويقها بدل الإمعان في استهلاكها فقط.
السبب الثاني كما قاله الأستاذ نجيب الزامل أن الأستاذ المواطن العاشق لبلده وأمته ''عماد الدغيثر'' يملك حقا ابتكارياً حصرياً على البرنامج في العالم، وأنه عُرض عليه مبالغ مالية كبيرة شديدة الإغراء من عمالقةِ العالم الافتراضي العالميين للتنازل عنه إلا أنه رفض، وما زال رغم أنه ينفق على شركته التي يعمل فيها على تصميماته الفردية المسجلة أكثر من 200 مبرمج من جيبه الخاص ولم يأخذ ريالاً واحداً من شركته لأنه مهتم تولـّعاً بالتطوير العلمي في بلاده, وأن شركته التي قدمت حلولا إلكترونية متعددة بعضها ذو بعد إنساني (مصحف بانعمة مثالا) تمثل فجوة مفتوحة تتسرب منها أمواله.
الأستاذ عماد الدغيثر قدم لنا مثالا متطورا للمسؤولية الاجتماعية بهذا الفعل, فإذا قامت الشركات الغربية بخدمة المجتمع بعد نجاحها فإن الدغيثر قدم خدمة المجتمع على نجاح الشركة, وهو فعل يستحق أن نقابله بمثله وأحسن نحن أبناء المجتمع السعودي كل من موقعه, مسؤولين ومستهلكين, وولدنا أولى بدعمنا وأولى بخيرنا دون أدنى شك.