مخاطر اليورو تشعل الخلاف بين فرنسا وألمانيا
أشعلت المخاطر التي تتعرض لها العملة الموحدة للاتحاد الأوروبي ''اليورو'' في الأسواق العالمية وسبل معالجتها الخلاف بين ألمانيا، القوة الاقتصادية والنقدية الأولى داخل منطقة اليورو، وعدد من شركائها وعلى رأسهم فرنسا، على خلفية تعثر الدوائر الأوروبية في إدارة الأزمة التي نتجت عن إشكالي ة إدارة الديون في اليونان وتحولت إلى أزمة هيكلية تتعلق بمجمل السياسات النقدية والمالية الأوروبية.
وتحرك المسؤولون الأوروبيون في بروكسل لاحتواء الخلافات الجوهرية المتصاعدة خلال اجتماع يعقد اليوم، يرغب المسؤولون فيه التركيز على تهدئة الأسواق المالية المضطربة، والحد من المضاربة على السندات الحكومية التي تعد مصدر القلق الأول لبرلين ولا يزال من غير المرجح جدا، أن تنتهج الدول الأوروبية الخطوات القاسية نفسها.
في مايلي مزيد من التفاصيل:
تحرك المسؤولون الأوروبيون في بروكسل لاحتواء الخلافات الجوهرية المتصاعدة بين ألمانيا القوة الاقتصادية والنقدية الأولى داخل منطقة اليورو، وعدد من شركائها على خلفية تعثر الدوائر الأوروبية في إدارة الأزمة التي نتجت عن إشكالية إدارة الديون في اليونان وتحولت إلى أزمة هيكلية تتعلق بمجمل السياسات النقدية والمالية الأوروبية.
ويرغب المسؤولون في التركيز حاليا على تهدئة الأسواق المالية المضطربة، والحد من المضاربة على السندات الحكومية التي تعد مصدر القلق الأول لبرلين ولا يزال من غير المرجح جدا، أن تنتهج الدول الأوروبية الخطوات القاسية نفسها التي أعلنت عنها ألمانيا.
ويبحث وزراء الخزانة والمال الأوروبيون خلال اجتماع جديد من المقرر أن يكون قد عقد أمس، في بروكسل، لوضع إطار يسمح بالإبقاء على أكبر قدر من التنسيق بين ألمانيا وشريكاتها. وتلوح في الواقع وعلى خلفية إدارة أزمة منطقة اليورو مواجهة محمومة بين كل من فرنسا وألمانيا.
وفيما تواصل باريس سعيها الدؤوب القائم منذ عدة سنوات لإحكام قبضتها على التوجه السياسي لأوروبا الموحدة، فإن ألمانيا تريد، عبر إجراءات صارمة ــ بما في ذلك التحكم في المضاربات في أسواق المال ــ وضع لمساتها النهائية على الصعيد النقدي والمالي الأوروبي ووفق النمط الألماني الصارم.
وتحظى برلين بشكل علني حاليا بدعم النمسا وهولندا والسويد وهي الدول الثرية في منظومة بروكسل وتمتلك أوراقا حاسمة في المعادلة النقدية. لكن على الصعيد السياسي تظل فرنسا مدعومة من قبل دول الجنوب الأوروبي المتوسطية الرافضة للفصل بين الشق السياسي الاجتماعي لإدارة الأزمة وبين الشق النقدي، والداعية إلى مرونة في إدارة أزمة الديون تحديدا التي تواجهها جميعا من أثينا إلى لشبونة مرورا بروما ومدريد وباريس.
وفاجأت السلطات الألمانية شريكاتها الأوروبيات أمس الأول، بفرض حظر فوري شامل على عدد من المعاملات المالية في أسواق المال، التي تخص المضاربات المكشوفة دون رصيد على سندات ديون الدول، وعلى الضمانات الائتمانية الوهمية المرافقة لها والشائعة التداول بين المضاربين.
وقالت المفوضية الأوروبية في بروكسل إن ميشيل بارنيه مفوض السوق الداخلية الأوروبي، توجه أمس إلى برلين في مهمة عاجلة للوقوف شخصيا على النوايا الفعلية للحكومة الألمانية التي لم تقم بأي تنسيق يذكر، لا مع بروكسل ولا مع الدول الأعضاء. وسيرأس هرمان فان رومباي الرئيس الأوروبي اجتماعات وزراء الخزانة.
وقال فان رومباي في تصريحات أذيعت أمس، إن الخطوة الألمانية الخاصة بالمضاربات على السندات المكشوفة ستطرح للبحث إلى جانب صياغة خطة تحرك أوروبية لمواجهة الأزمة خلال الفترة المقبلة وقبل القمة الأوروبية المقررة خلال أقل من شهر واحد من الآن في بروكسل.
ولكن المراقبين يرون أن الهدف الفعلي للاجتماع الوزاري الأوروبي الجديد يتجاوز بشكل كبير هذا الإطار ويطول قضايا ومسائل حساسة من شأنها نسف خطط الاتحاد الأوروبي لتجاوز أزمة اليورو في حالة الإخفاق في بلورة حلول سريعة لها.
ومن المتوقع وحسب عدة مصادر أن يعرض فولفجانج شوبيله وزير الخزانة والمال الألماني خطة تحرك صارمة على دول منطقة اليورو لاستخلاص الدروس من أزمة ديون اليونان.
وتريد ألمانيا استكمال الإجراءات العملية المعتقلة بتفعيل جميع جوانب خطة الطوارئ المتفق عليها (750مليار يورو)، الهادفة لتقديم الدعم للدول التي تتعرض للضغط مستقبلا.
وتشترط ألمانيا ألا يتم الإفراج عن أي مبلغ لدعم أي دولة، سوى بعد النظر فيها حالة بحالة واشتراط خريطة طريق مفصلة كل مرة يتم الإفراج فيها عن أي قسط، مع موافقة الهيئات الوطنية للدول أي البرلمان.
كما تريد ألمانيا وضع ضوابط جدية صارمة تضاف إلى معايير الاندماج النقدي التي نصت عليها اتفاقية ماستريخت عند طرح اليورو. ومن بين الضوابط الجديدة إمكانية إعلان إفلاس دولة متسيبة مقصرة وحرمان بعض الدول المتسيبة من المساعدات المالية الأوروبية المخصصة لمناطقها الفقيرة، إلى جانب حرمان بعض الدول عند الضرورة من حق التصويت.
وتطالب ألمانيا بأن يكون للمصرف المركزي الأوروبي الصلاحية الأخيرة في مراقبة موازنات الدول، وليس المفوضية الأوروبية التي تراجع أداؤها بشكل كبير منذ اندلاع الأزمة.
ويجري سباق بين أطراف ثلاثة هذه المرة، وهي: ألمانيا الداعية تحت ضغط الرأي العام الداخلي إلى مزيد من التشدد وفرنسا الساعية لتعبئة دول الجنوب الأوروبي ضد برلين وأسواق المال التي تفضل مراقبة المشادة والاستمرار في ممارسة الضغوط على اليورو.
ويرى خبراء المجلس الوزاري الأوروبي في بروكسل أنه يجب تجنب تصعيد المواجهة الألمانية الفرنسية والإقرار بصعوبة إملاء شروط قاسية على الدول في هذه المرحلة، وكذلك مهادنة الأسواق تكتيكيا لأن أي ضوابط صارمة مثل التي أقدمت عليها ألمانيا، قد تتسبب في نتائج عكسية وحرمان المستثمرين من العمل في أوروبا.
وبدلا من ذلك يردد هؤلاء الخبراء أن على الاتحاد الأوروبي التركيز على زيادة الشفافية في الأسواق، وإجبار المتعاملين على الكشف عن مزيد من المعلومات حول أنشطتهم. ولكن المسؤولين الألمان يقولون إنه حان الوقت للكشف عن مختلف قدرات الرد الأوروبية سواء بالنسبة لإدارة أزمة الديون والتركيز على إدارة الموازنات والعجز في كافة الدول الأوروبية أو في مجال التعامل مع أسواق المال بشكل صارم ودون انتظار مبادرات دولية.
ويسود الاعتقاد بأن السياسيين في ألمانيا قرروا فتح مواجهة مع بروكسل، تراوح بشكل رئيس بين التهديد بالعودة نحو مزيد من السيادة الألمانية الداخلية، وبين قبول أوروبا بضوابط من شأنها أن ترضي الرأي العام الألماني، وهي معادلة صعبة بالنسبة للمسؤولين الأوروبيين بسبب تفاقم الأوضاع الاقتصادية والنقدية الأوروبية حاليا، وحاجتهم الماسة إلى مزيد من الوقت لكسب المعركة ضد الأسواق.
من جهتها، أعلنت فرنسا اليوم أنها لا تتفق مع تقييم ألمانيا بشأن المخاطر التي تحدق بالعملة الأوروبية الموحدة بسبب ممارسات تجارية معنية قررت برلين حظرها أمس الأول. وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في تصريحات أمس الأول، إنها أمرت بتطبيق الحظر لحماية عملة اليورو التي أصبحت في خطر بسبب نشاط هذا النوع من المضاربات. وقالت كريستين لاجارد وزيرة المالية الفرنسية إن باريس لا تتفق مع هذا التقييم، مضيفة أنه لا يوجد خطر كبير يحدق باليورو الذي وصفته بأنه "عملة قوية وذات مصداقية ضمنت استقرار منطقة اليورو لأكثر من عشر سنوات". وشددت لاجارد في مقابلة مع محطة "آر. تي. إل" الإذاعية على أنها مقتنعة بأنه لا يوجد خطر يحدق بالعملة الأوروبية، قائلة "أنا بالتأكيد لا أعتقد أن اليورو في خطر". وأثار تحرك ميركل أحادي الجانب بحظر البيع على المكشوف دهشة بعض الشركاء والأسواق في أوروبا. وانخفض اليورو إلى أدنى مستوى خلال أربع سنوات ليتراجع دون 1.23 دولار قبل أن ينتعش قليلا. ورفضت لاجارد المخاوف بشأن مستوى القيمة بين اليورو والدولار قائلة إن العملة الأوروبية الموحدة عندما أطلقت تداولت بنحو 1.16 دولار أمريكي وأن هناك هامشا باتجاه الارتفاع. وهبط اليورو خلال إحدى مراحل التداول إلى نحو 0.82 دولار، لكنه ارتفع في وقت لاحق إلى 1.60 دولار. ووجهت الوزيرة الفرنسية انتقادات بسبب عدم التشاور قبل اتخاذ القرار الألماني، لكنها قالت إن اتصالات وثيقة لا تزال تجرى حول تعامل الاتحاد الأوروبي مع اليورو. وعندما وافقت على دفع أموال لدول منطقة اليورو التي تواجه عقوبات، تنوي ألمانيا في المقابل فرض نظام معزز لضبط الميزانية في الاتحاد الأوروبي، يتمثل في مقترحات مثيرة للجدل تراوح بين فرض عقوبات جديدة والطرد من الاتحاد النقدي.
وتعهدت كل الدول الأوروبية مبدئيا بتعزيز ميثاق الاستقرار الذي يفترض أن يحد من العجز لكنه انهار مع الأزمة. إلا أن الآراء حول الوسائل مختلفة.
وستقترح ألمانيا اليوم تجميد الدعم المالي للدول التي تسمح لعجز في ميزانياتها بالارتفاع بشكل كبير، وهو خيار فكرت فيه المفوضية الأوروبية.
وقال مسؤول ألماني كبير طالبا عدم كشف هويته "إن الذين ينتهكون بشكل منهجي القواعد يجب أن يعاقبوا بخفض الدفعات الأوروبية إن لم يكن بوقفها".
وتريد ألمانيا الذهاب أبعد من ذلك بطلبها تعليق حقوق التصويت لمدة سنة على الأقل، في القرارات التي تتخذ على مستوى الاتحاد الأوروبي، مما سيعزل الدول التي تواجه صعوبات في أوروبا.
كما تقترح برلين على شريكاتها أن تحذو حذوها عبر تحديد سقف للعجز في دساتيرها الوطنية ووضع إجراءات لإعلان إفلاس الدول التي تعاني من مديونية كبيرة، والتي لا يكون لديها خيار بعد ذلك سوى الخروج من منطقة اليورو.
لكن المشكلة هي أن عددا كبيرا من الدول بينها فرنسا والمفوضية الأوروبية متحفظة جدا على هذا الخيار "النووي".
وهو يتطلب تغييرا في المعاهدة التي تحكم الاتحاد الأوروبي، مثل فكرة تعليق حقوق التصويت. وتعارض المفوضية ودول أخرى هذا الخيار، خصوصا بعد الولادة العسيرة لمعاهدة لشبونة. إلى ذلك، ترفض فرنسا أن يتم التركيز على العجز وحده. وهي تصر على أن تدرس أيضا مشكلات "القدرات التنافسية" للدول، وتنتقد النموذج الاقتصادي الألماني الذي يتركز على التصدير إلى الدول الأوروبية الأخرى لقاء صرامة في سياسة الأجور.
وتريد باريس أيضا أن تساهم برلين في نمو الدول الأخرى بدعم طلبها الداخلي. وفي برلين ينظر إلى هذا الهجوم على أنه سحابة دخان لصرف الانتباه عن المشكلات الحقيقية.
وقال توماس دي ميزيير وزير الداخلية الألماني القريب من ميركل "هناك خلافات تقليدية" بين فرنسا وألمانيا حول مواضيع عدة بينها "احترام ميثاق الاستقرار".
وببعض المواربة، اعترف الوزير الألماني بأن إدارة الملف اليوناني منذ الأزمة في كل منطقة اليورو وضع فرنسا وألمانيا أمام امتحان صعب بين رغبة باريس في التحرك بسرعة لإطفاء الحريق وميل ألمانيا إلى الانتظار لتمسكها بتحديد شروط صارمة مقابل منح قروض.