تكامل أدوار المؤسسات المدنية يعزز مشروع توفير الطاقة الذرية
التطور والتحسن في مستوى الثقافة لدى الفرد في المجتمعات العربية يعني إيجابية النظرة المستقبلية للدخول والبحث في إنتاج الطاقة الذرية واستخدامها سلمياً على المديين القريب والبعيد ـ بإذن الله ـ. وكنتيجة لتقدم وزيادة الوعي بالطاقة النووية فقد بدأت الدول العربية تدخل في هذا المجال بارتفاع نسبي بسيط لم يتعد 2.6 في المائة في عام 2008م عن العام الذي سبقه في حين تربعت أوروبا على قمة القارات خلال الأعوام الثلاثة الماضية، يليها بعد ذلك أمريكا الشمالية. وبالطبع تذيلت دول الشرق الأوسط (في آسيا وإفريقيا) القائمة. ما نشر في مثل هذا الشهر من العام الماضي 2009م، أن وقعت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية مع شركة إنتل اتفاقية تعاون تتضمن البحث في ميدان كفاءة الطاقة واستهلاكها. واستكمالا لدورها بالإعلان عن مشروع تحلية المياه الأخير هذا العام 2010م، يؤكد على أن المقبل سيكون تعاونا كبيرا بينها وبين مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة؛ حيث سينشر ذلك معرفة كبيرة على مستوى المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي بصفة عامة، وسيكون برنامجا توعويا جيدا عن مزاياها ومدى صداقتها للبيئة. كما سيعمق تكامل العمل بين الجهات المختصة ويساعد خبراءنا ومفكرينا في توجيه الأبحاث نحو مسارات جديدة تستحدث برامج تنموية تطويرية على مستوى المملكة بشكل خاص ـ وإن شاء الله ـ على مستوى المنطقة بشكل عام.
إن تأسيس مركز بحثي للدراسات الاستراتيجية للطاقة في إحدى هاتين المدينتين يمكن أن يؤسس لحركة بحثية هائلة؛ حيث تراقب الصناعة والتطوير والاستخدام والتسويق والتنظيم والإجراءات، فتتوافر المعلومات التي يمكن أن يستفاد منها في الجامعات، خصوصا إذا ما كانت على هيئة قواعد بيانات. كما أنها ستسهم في الدراسات المسحية والميدانية التي تهم كثيرا من القطاعات الحكومية وتوجه دراساتها؛ حيث سيكون هناك تقدم جيد في أبحاث التحضر والتوسع أو الانكماش في المدن المختلفة في المملكة، وتحديث بيانات مسارات ومنسوب المياه وقنوات الصرف الصحي وتصريف السيول مما يمنح العلماء والخبراء السعوديين فرصة للنظر عن قرب لكل ما يمكن أن تضيفه أبحاث الطاقة لتطوير المشاريع واقتصادات المناطق الإدارية. أما بالنسبة لحلول تخزين الطاقة المتعددة فاعتمادنا على خبرات مدارس متعددة من أرجاء العالم وبالإمكانات المتاحة لها ستكون القفزة النوعية واثقة ومعززة ـ بإذن الله. دراسات كيفية المحافظة على قيمة سعرية عادلة لإنتاج الطاقة على صعيد آخر يمكن مناقشتها بتطوير برامج محاكاة تتوقع تغيير قيم العناصر الأساسية المؤثرة في أي أنواع الطاقة وتحديد أفضلها لأي من الأنشطة والخدمات المقدمة للمجتمع. هذا إضافة إلى البحوث المتعلقة بتطوير التطبيقات الحاسوبية في تخصصات هندسية بحتة أو فيما يتعلق بالشأن الطبي الذي يعد مجالا واسعا يمكن أن يخصص له مقال آخر.
عربيا، ما زال المحتوى العربي في مجال الطاقة على الإنترنت في مجمله عبارة عن مواد إخبارية أو قطع وجمل تتناقلها المنتديات ومواقع مختلفة تحاول مناقشة هذا الشأن دون احترافية مهنية. ما نحتاج إليه هو أن يتم الإشراف على كل نشاط توعوي في الطاقة الذرية، كأن تطلق مواقع إلكترونية رسمية أو مرتبطة بموقع أي من المدينتين تتضمن معلومات كاملة عن (المعنى والمقصد، وتأريخ الاكتشافات والاستخدامات والابتكارات، وتوضيح الغايات وأسباب وآليات الاستخدام، وطرق الاستهلاك النموذجية وكيفية الترشيد، وأنواع ومصادر وفاعلية كل نوع من أنواع الطاقة وبالذات النووية ... إلخ). من ناحية أخرى، يمكن تناول بعض القضايا كالاستهلاك والتكلفة مدعمة بالصور الحية أو الرسوم الفنية أو الكاريكاتيرية أو غيرها. وإعداد خطة مقننة تهدف إلى أن يكون مصطلح الطاقة بأنواعها المختلفة في ألعاب الأطفال الإلكترونية مطورا باللغة العربية أو مدبلجا. ناهيك عن بروشورات التوعية المجانية في أماكن الانتظار بالمرافق الخدمية المختلفة، وبالذات الموجهة للنساء. إضافة إلى ذلك مناقشة المردود الاقتصادي لاكتشاف وتصنيع أي منها وأسباب الاستخدام في أي من المناشط المختلفة. أما ثقافيا فيمكن أن تكثف رحلات الطلاب والطالبات في التعليم العام للمواقع المهمة الصناعية أو معارض منتجات الطاقة، أو حتى مختبرات الكليات العلمية المتخصصة. ولا ننسى مدى أهمية القنوات الفضائية في تخصيص ساعة يوميا، عن فوائد استخدام الطاقة في أنواعها المختلفة على هيئة برامج أو إعلانات أو مسلسلات تمثيلية قصيرة، لأهمية الوصول إلى كل بيت في هذه المرحلة التأسيسية المهمة.
لا شك أن دور مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، سيتعاظم خلال الـ 50 عاما المقبلة بعد رسم الاستراتيجيات العامة، ووضع الخطط التنفيذية على مراحل، وإصدار النظم واللوائح المقننة للاستخدام والعمل في مواقعها والدخول في صناعاتها والاستثمار في مجالاتها المتعددة، والتنسيق لعقد المؤتمرات واللقاءات الدولية التشاورية في المجال ... إلخ. ولكن سيظل البحث العلمي في شأن مثل «الطاقة الذرية»؛ مجالا مفتوحا للمتخصصين في علوم مثل الفيزياء والهندسة وغيرها، بأن يبادروا بطرح ونشر تجاربهم وأفكارهم، وعلى وسائل الإعلام مساعدتهم في ذلك؛ حتى يتسنى للمسؤولين تطوير أسباب المعيشة وتوفير العيش الكريم في بيئة يفترض أنها تصادقت مع هذا النوع من الطاقة حسبما أثبتت في كثير من الأبحاث. والله المستعان.