البيانات التجارية الجديدة تكشف عن تحولات مهمة

البيانات التجارية الجديدة تكشف عن تحولات مهمة
البيانات التجارية الجديدة تكشف عن تحولات مهمة
البيانات التجارية الجديدة تكشف عن تحولات مهمة
البيانات التجارية الجديدة تكشف عن تحولات مهمة

كشفت البيانات المفصلة التي صدرت حديثاً حول التجارة الخارجية وميزان المدفوعات لعام 2009 حدوث بعض التحولات المثيرة للاهتمام، فعلى الرغم من أن الإيرادات الضخمة للنفط قد أمنت فوائض قوية في الميزان التجاري وميزان الحساب الجاري إلا أن كلاهما جاء أقل كثيراَ من أعلى مستوياته التي سجلها عام 2008 وذلك نتيجة لانخفاض أسعار النفط.

كذلك طال الانخفاض الواردات التي تراجعت على مستوى الشركاء التجاريين الرئيسيين كافة تقريباً متجاهلة وتيرة النمو خلال السنوات السابقة.

وشملت التحولات جوانب أخرى أهمها انخفاض حجم المدفوعات إلى الجهات الأجنبية التي توفر الخدمات في إشارة إلى نمو القدرات المحلية وارتفاع الدخل من الاستثمارات الأجنبية بأفضل مما كان متوقعاً بينما ارتفعت تحويلات العمالة الأجنبية بدرجة كبيرة مرة أخرى.

#2#

بحسب البيانات الجديدة بلغ الفائض التجاري للمملكة 107.4 مليار دولار العام الماضي أي أقل من نصف حجم الفائض لعام 2008 بل ويعد الأدنى منذ عام 2004، وهو تراجع لا يعد مفاجئاً في ضوء تدني أسعار النفط وانخفاض حجم الإنتاج.

كذلك هبطت الصادرات والواردات غير النفطية بنسبتي 16 في المائة و19 في المائة على التوالي وهي أرقام جاءت منسجمة مع التقديرات الأولية التي وردت في بيانات الميزانية، أما القيمة الإجمالية لصادرات النفط فقد جاءت أعلى من التقديرات حيث بلغت الإيرادات الفعلية 162.6 مليار دولار مقارنة بمبلغ 157.4 مليار دولار حسب تقديرات الميزانية.

#3#

ويعزى التراجع في الصادرات غير النفطية إلى انخفاض الإيرادات من البتروكيماويات والبلاستيك والمعادن التي تشكل ثلاثتها 53 في المائة من إجمالي الصادرات غير النفطية (أو 71 في المائة في حالة استبعاد السلع المعاد تصديرها)، التي تدنت أسعارها نتيجة لهبوط الطلب العالمي العام الماضي.

في المقابل ارتفعت صادرات المواد الغذائية بحيث بلغت ضعفي مستواها لعام 2006.

أما إعادة الصادرات (السلع التي تستورد إلى المملكة ويتم نقلها مباشرة إلى دول أخرى) فقد قفزت قيمتها بنسبة 35 في المائة العام الماضي مما يدعو للتساؤل في ظل الانخفاض الكبير في الطلب وسط دول المنطقة.

شهد العام الماضي هبوط جميع فئات الواردات تقريباً، وكان أكبر انخفاض من نصيب المعادن الأساسية التي تعد ثالث أكبر فئة من الواردات حيث تراجعت قيمتها بنسبة 40 في المائة بسبب انخفاض الأسعار العالمية.

وتراجعت واردات الآليات والمعدات التي تشكل 29 في المائة من إجمالي الواردات بنسبة 12 في المائة فقط وذلك بفضل تواصل نمو القطاع الصناعي في المملكة.

أما واردات معدات النقل التي شكلت 17 في المائة من إجمالي قيمة الواردات فقد فهبطت بنسبة 20 في المائة نتيجة لانخفاض واردات السيارات على الأرجح.

#4#

انخفضت الواردات من جميع الشركاء التجاريين الذين تتجاوز واردات كل منهم ما قيمته مليار ريال باستثناء النمسا، وقد جاء هذا الانخفاض متجانساً بدرجة كبيرة حيث بلغ 18 في المائة لقارة آسيا و 14 في المائة للاتحاد الأوربي و 15 في المائة لأمريكا الشمالية.

كذلك شمل هذا الانخفاض الصين التي تراجعت الواردات منها بنحو 15 في المائة عقب ارتفاعها الكبير العام السابق بحيث تحولت لثاني أكبر مورِّد إلى المملكة (بعد الولايات المتحدة).

أما الواردات من دول الخليج الأخرى فقد تراجعت بنسبة 6 في المائة فقط رغم تأثرها بشدة من تجارة إعادة الصادرات.

لم يتم بعد نشر تفاصيل إجمالي صادرات المملكة، لكن تفاصيل الصادرات غير النفطية تشير إلى أن الإمارات العربية كانت أكبر وجهة لها حيث شكلت الصادرات إليها 19 في المائة من الإجمالي كان معظمها سلعا معادة التصدير.

وحلت الصين في المرتبة الثانية حيث بلغ قيمة ما استقبلته من الصادرات السعودية غير النفطية 8.8 مليار ريال العام الماضي أي ما يفوق إجمالي قيمة الصادرات التي استقبلتها عام 2001.

وتقل قيمة الصادرات غير النفطية إلى الصين بنحو مليار ريال فقط عن الصادرات غير النفطية إلى دول الاتحاد الأوربي مجتمعة لكنها تفوق قيمة الصادرات غير النفطية إلى الولايات المتحدة بأكثر من ثلاثة أضعاف.

الفائض الآخر الذي سجله الاقتصاد السعودي هو فائض الحساب الجاري الذي يشمل مدفوعات ومقبوضات الخدمات والإيرادات والتحويلات الخارجية إضافة إلى تجارة السلع.

وقد جاء فائض الحساب الجاري الذي بلغت قيمته 26.5 مليار دولار أعلى من التقديرات الأولية التي وضعتها الميزانية في حدود 20.5 مليار دولار.

ويعد عام 2009 هو العام الحادي عشر على التوالي الذي تسجل فيه المملكة فائضاً في الحساب الجاري، وإن كان الإجمالي يقل بنسبة 80 في المائة عن مستواه عام 2008 وذلك بسبب هبوط إيرادات صادرات النفط.

من التحولات المهمة التي استجدت على حساب الخدمات هو تراجع المدفوعات إلى عديد من الجهات الأجنبية التي توفر الخدمات الذي ربما يعزى جزئياً إلى التباطؤ الاقتصادي العام الماضي رغم أنه يأتي في سياق نمط متواصل لفترة طويلة، حيث لم تتعدَ المدفوعات للخدمات المستوردة في مجالات التشييد والتمويل العام الماضي 4.5 مليار دولار مقارنة بنحو 8.8 مليار دولار في عام 2007.

إضافة إلى ذلك، ارتفعت المقبوضات مقابل استخدام الجهات الأجنبية لخدمات التأمين والتمويل والاتصالات التي توفرها الشركات السعودية من 0.2 مليار إلى 1.5 مليار دولار خلال الفترة نفسها.

وتدل هذه البيانات على تنامي مقدرة شركات الخدمات المحلية على تلبية احتياجات السوق المحلية والشروع في تلبية احتياجات الشركات من دول أخرى.

هيمنت الإيرادات المتحققة من الموجودات الأجنبية للحكومة على حساب ميزان الدخل.

وكنا قد توقعنا هبوطا كبيرا في ريع هذه الموجودات نتيجة لانخفاض متوسط العائد على سندات الخزانة الأمريكية التي نعتقد أنها تشكل معظم المحفظة الاستثمارية الأجنبية لمؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، لكن لم يطرأ تغير ذو بال على الدخل من هذه المحفظة الاستثمارية الذي بلغ 14.2 مليار دولار على الرغم من حدوث بعض التراجع في الأنواع الأخرى من الدخل الاستثماري.

تشكل تحويلات العاملين الأجانب معظم التحويلات الجارية، حيث قفزت هذه التحويلات بنسبة 57 في المائة العام الماضي وارتفعت بنحو 9.2 مليار دولار منذ عام 2007 لتبلغ 25.2 مليار دولار حالياً.

وربما تعزى هذه الزيادة إلى ارتفاع عدد الأجانب العاملين في المملكة (على الرغم من أن عدد تأشيرات العمل الصادرة العام الماضي تراجع بنسبة 15 في المائة مقارنة بعام 2008، إلا أن العدد الكلي للعاملين الأجانب ارتفع على الأرجح)؛ إضافة إلى عامل آخر محتمل هو زيادة أجور هؤلاء الأجانب.

ومن المرجح أن سهولة رصد التحويلات شكّل عاملاً رئيسياً لحدوث هذه القفزة في حجم التحويلات حيث زادت التحويلات المالية التي تتم عبر القطاع المصرفي، لكن يحتمل في الوقت ذاته أن هذه البيانات تصور التحويلات بأقل من حجمها الحقيقي.

ورغم اعتقادنا أن البيانات الجديدة تعطي فكرة جيدة بشأن ما حدث في الاقتصاد العام الماضي وتكشف عن بعض الاتجاهات المهمة، لكن أحد المحاذير التي يتعين مراعاتها هي حالات التصويب أو التعديل الكبيرة التي يتم إجراؤها نتيجة عدم احتساب أشياء أو احتسابها بطريقة غير صحيحة ضمن البيانات.

فقد بلغت حالات التصويب العام الماضي ما يعادل 40.3 مليار دولار وهو مبلغ يفوق إجمالي الدخل الاستثماري والصادرات غير النفطية مجتمعين. كذلك تثير التعديلات الكبيرة في الحسابات الرأسمالية والمالية الشكوك بشأن بعض الأرقام.

وعلى ضوء هذه البيانات الجديدة فقد عدّلنا توقعاتنا وعمدنا إلى رفع تقديراتنا بشأن إيرادات النفط والدخل الاستثماري وتحويلات الأجانب ضمن أشياء أخرى.

لذا نتوقع أن يرتفع فائض الحساب الجاري للعامين 2010 و2011، بحيث يبلغ نحو 45.3 مليار دولار (10.9 في المائة من الناتج الإجمالي) لعام 2010 ونحو 41.9 مليار دولار (9.4 في المائة من الناتج الإجمالي) لعام 2011 أي أعلى بواقع ثمانية مليارات دولار و7.6 مليار دولار عن توقعاتنا السابقة على التوالي.

ويعزز هذا الفائض بشدة من أوضاع الحساب الجاري للمملكة بل يتعين أن يمهد لارتفاعات إضافية في احتياطياتها من العملات الأجنبية.

الأكثر قراءة