7 سنين لتعلم سورة الفاتحة
كان والده ثرياً, بل وجيهاً من وجهاء قومه ومؤثراً في محيطه، ورزق من الأبناء الكثير، وكعادة أهل زمانه أرسل ابنه إلى الكتاب, أو أنه أحضر الكتاب بكامله إلى البيت ليدرس ابنه على يد الشيخ، ووجد الشيخ في الابن الأكبر المشقة والعناء في تعليمه وتدريسه أبسط الأساسيات من قراءة وكتابة، وذلك مع بذل الجهود كافة مع الابن وباستخدام أساليب الترغيب بأنواعها كافة أملاً في أن يتمكن الابن من تعلم ولو ما يمكنه من القراءة في الصلاة، ومع مرور الوقت بدأ الشيخ يشعر بالإحباط لأن طالبه لا يحقق تقدماً في تعلمه حتى إن مستوى التعلم بطيء بشكل كبير. وبعد سبع سنين من المثابرة والحرص من قبل المعلم تمكن الطالب من حفظ سورة الفاتحة، وكان الفرج للمعلم الذي كاد يطير من الفرح لهذا الإنجاز العظيم, إذ بإمكان المعلم الآن أن يفخر بهذا الإنجاز, خاصة أنه يطمع في الهدايا والأعطيات من والد الطفل, ولذا ما إن سمع الطالب وهو يكمل قراءة الفاتحة حتى أخذ بيده إلى والده ليسمع الفاتحة من فم ابنه, ووقف الاثنان أمام الأب ليفرح الأب بهذا الإنجاز الذي تحقق بعد سبع سنين مضنية وشاقة, وما إن بدأ الطالب في القراءة حتى بدأ في التلعثم والوقوع في الأخطاء, ومع هذا الوضع بدأ الحرج يظهر على وجه المعلم الذي لم يوفر طريقة من طرق التدريس إلا وجربها, لكن فرحته لم تدم طويلاً ولم يحقق ما كان يتمناه من رضا ومع ما قد يعقب ذلك من أعطيات.
هذه القصة سمعتها من أكثر من مصدر, وتؤكد المصادر أنها صحيحة وليست افتراضية, تذكرت هذه القصة وأنا أتابع أخبار المفاوضات بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس, والغريب في الأمر أن هذه المفاوضات التي استؤنفت أخيرا بوساطة أمريكية تمكن جورج ميتشل من إقناع الجانب الفلسطيني ومعهم العرب ممثلين في لجنة الجامعة العربية بالجلوس على طاولة المفاوضات مع العدو الصهيوني ونسيان الإجراءات كافة التي يزاولها العدو من قتل وترحيل وانتهاك للمقدسات والحريات واستمرار في بناء المغتصبات في كل مكان من فلسطين. الغريب أنها تمت بناءً على وعود غامضة وشفهية يراد منها تحقيق إنجاز لإدارة أوباما في الملف الفلسطيني أو في ملف المصلحة الإسرائيلية يكسبه نقاطاً تشفع له في الانتخابات النصفية.
المفاوضات بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني وبدعم من جامعة الدول العربية تتم بناءً على وعود أمريكية تفتقد كثيرا من المصداقية, لأن أمريكا في الأساس ليست وسيطاً نزيهاً وإنما وسيط متحيز يدعم بالمال والسلاح والسياسة في المحافل الدولية السياسات الإسرائيلية العدوانية.
توقيت استئناف المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين جاء متزامناً مع الذكرى الـ 62 لنكبة فلسطين, وهذا ـ مع الأسف ـ مما يدعو إلى الاستغراب والتساؤل بشأن الحكمة من التوقيت وقبول الجانب الفلسطيني, هل هذا تكريس للاحتلال وقبول بالأمر الواقع بالنسبة لنا نحن العرب؟! بالنسبة إلى الجانب الصهيوني استئناف المفاوضات في هذا الوقت من مصلحته وله دلالة تشير إلى قبول الفلسطينيين والعرب بهذا الجسم الغريب ليجثم على فلسطين لأن مجرد التفاوض معه بالتزامن مع الذكرى دليل على قبول ممارساته مهما كانت ومهما انتهت إليه.
الوضع الفلسطيني والعربي يذكرني بقصة هذا الطالب الذي بذلت معه جميع الجهود ليحفظ سورة الفاتحة ولم تفلح هذه الجهود خلال سبع سنين وتبخرت آمال المعلم والوالد مع بداية الطالب في القراءة. وجه الشبه بين الحالتين يتمثل في أن الجانب الفلسطيني منذ مؤتمر مدريد وهم يتفاوضون مع العدو دونما نتائج ملموسة سوى أن الجانب الصهيوني يستمر في فرض سياسة الأمر الواقع وتغيير التركيبة السكانية, ومع ذلك يبقى الفلسطينيون ومعهم العرب لم يفهموا الدرس أو ربما لا يرغبون في فهمه, وكأني بالجانب الصهيوني طوال هذه السنين يود أن يوصل رسالة عملية وليست شفهية بأن لا حلول معه ولا سلام ومن يفكر في هذا الشأن فهو غارق في أحلام اليقظة. كما أن الاستمرار في التفاوض من قبل العرب والوضع يزيد سوءاً فيه رسالة أخرى بأن العرب وصلوا مرحلة إنهاك تفقدهم التفكير السليم إن لم يكن افتقاد آلية التفكير من أساسها.. فهل نرضى أن نصور بهذا الشيء؟!
هل علة فهم الدرس سببها ضعف القدرات العقلية أم شعور بالعجز يدفع بقبول ما قدم لنا حتى لو كان ما يقدم كلاماً فارغاً لا يسمن ولا يغني من جوع؟ في ظني أن قبول الجانب الفلسطيني بدعم عربي للاستمرار في المفاوضات العبثية يجعل العرب في وضع لا يختلف عن وضع ذلك الطالب الذي لم يتمكن من حفظ سورة الفاتحة خلال سبع سنوات, وهاهم العرب خلال عقود بعد النكبة لم يتمكنوا من فهم الدرس واستيعابه حتى بدوا كطالب بليد في مدرسة السياسة.
سؤال مشروع: إذا كان الطالب لم يتمكن من إجادة قراءة الفاتحة خلال سبع سنين فكيف الأمر به لو انتقل إلى سورة البقرة وغيرها من السور الطوال إلى كم يحتاج من السنين؟! وهذا الأمر ينطبق على النظام الرسمي العربي إذا كان خلال ما يزيد على 60 عاماً ومع هذه الأحداث الجسام لم يستوعب الدرس فكم سيحتاج من الزمن حتى يصل إلى هذه المرحلة؟!