حين تكون صانع القرار .. قد تتغيّر قناعاتك

الأزمة المالية التي عصفت بالعالم والتي بدأت بالأسواق الأمريكية وطال أثرها المراكز المالية للاقتصادات العالمية المتقدمة منها والناشئة هي في مضمونها أكبر حدث مالي بعد الكساد الذي حدث في العشرينيات من القرن الـ 19 الميلادي. وقد بدأت هذه الأزمة تتداعى في آثارها السلبية على قطاعات المال والأعمال والنمو الاقتصادي العالمي وتزايد ذلك الأثر السلبي حتى أصاب جهات عدة واقتصادات كبيرة عانت منه وما زال يعاني بعضها منذ نشوب هذه الأزمة. ولم تنته الأزمة بعد منذ خروجها على الساحة الاقتصادية بشكل واضح في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2008م، وهي ما زالت تفرز تأثيرات سلبية في كثير من الاقتصادات خصوصاً تلك التي لم تبدأ علامات المرض تظهر عليها إلا بعد فترة حضانة ومقاومة مثل الاقتصاد اليوناني وغيره مما هو متوقع أن يأتي عليه الدور كاقتصادات دول أوروبية أخرى. ولن نطيل في الحديث عن الأزمة ومسبباتها فقد أشبع حديثاً وتمحيصاً، ولكن رغبت أن أتناول هذه الأزمة من منظور صنع القرار الاقتصادي أو المالي.
لقد كانت هناك أحداث تاريخية متعددة لا أريد أن أدخل في تفصيلاتها لكنني أختصر مما جاء به الكاتب ديفيد ويسيل في كتابه المشور أخيرا بعنوان IN FED WE TRUST – بالبنك المركزي نثق - وما سمّاه المؤلف حرب برنانكي “رئيس البنك المركزي الأمريكي” على الهلع العظيم . لقد قدّر برنانكي أن هذا الهلع المالي هو الأسوأ منذ أكثر من 50 عاماً، حيث جاهد بكل قوة لكيلا يكون هذا الهلع العالمي إعادة لما وقع في ما يسمى الكساد العظيم والذي لا يريد العالم بأسره أن يتذكره لعظم أثره السلبي في الاقتصاد الأمريكي خاصة والعالم. لقد كان برنانكي باحثاً أكاديمياً وكتب بحوثا عن أسباب الكساد ولكن عندما صار رئيساً للبنك المركزي وصار هو من سيصنع قرارات فعلية فقد تغيرت بعض تلك الأفكار التي كان يراها ولربما وصل الحال إلى الأخذ بآراء انتقادات كان يوجهها إلى البنك المركزي الياباني في وقت من الأوقات. لقد اتخذ برنانكي أدوات “بالطبع أدوات مالية” اخترعت هندستها من بعض من تلك المؤسسات المالية والتي بعضها أفلس لتصاغ بطرق إقراض لشراء أصول لم يكن لدى من سبقه أن يتجرأ ليخطط ولو مجرد تخطيط لعملها. المهم في القضية هو الجرأة من قبل برنانكي ومعاونيه على الحسم والتراجع في بعض الأحيان عن بعض الأفكار الاقتصادية والسياسات المالية والنقدية ولو كان مصدرها الشخص نفسه لينقذ الاقتصاد الأمريكي من مخاطر أسوأ كارثة اقتصادية في العصر الحديث. فمن هذه التجربة أليس من الواجب أن نأخذ بمثل هذه التاريخية حين صنع القرارات وعدم الإصرار على بعض الأفكار النمطية، خصوصاً المتعلقة بالتوجهات الاقتصادية والنمو الاقتصادي، ولنأخذ بأن الإصرار والإيمان على الحسم لصالح النجاح ليس مستحيلاً؟ إنني أتمنى ألا نكون على الدوام في أعمالنا مكتفين بما تحقق وبقدر ما قد تحقق ونكتفي بتطبيق معنى الآية الكريمة “بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ”.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي