هل يقبل حملة الدكتوراه العمل في سوق الخضار؟

صرحت وزارة العمل مطلع الأسبوع الماضي أنه لا توجد بطالة بين حملة الدكتوراه، ردا على دراسة أجرتها شركة بوز آند كومباني, التي أشارت إلى وجود ألف عاطلة عن العمل في المملكة من حملة درجة الدكتوراه. وأضاف التصريح أنه بالرجوع إلى قواعد بيانات الوزارة اتضح أنه لم تسجل حالة واحدة من طالبات العمل (الإناث) من حملة درجة الدكتوراه عاطلة عن العمل. واستنكرت الوزارة ما توصلت إليه الشركة من نتائج, وكأنها تطالبها بتفصيل نتائج دراستها بما يتناسب وتطلعات وزارة العمل.
ونريد أن نسأل الوزارة: هل ينطبق تصريحها هذا على حملة الدكتوراه من الذكور أم أنه مقتصر على الإناث فقط؟ بمعنى هل هناك بطالة بين حملة الدكتوراه من الذكور؟ إن مستوى الوظائف التي تقدمها وزارة العمل للمواطنين متواضع ما بين ساع في أرشيف إحدى الشركات المغمورة إلى مراقب للأمن في إحدى ضواحي المدينة، ومَنْ قَبِل المخاطرة وهجر الأحبة وابتعد عن الوطن وبذل الغالي والنفيس كي ينال درجة الدكتوراه, لن يرضى بمثل هذه الأعمال المتواضعة. حتى نصل إلى صلب المقال دعونا نلقي نظرة عاجلة على معنى الدرجات العلمية في المراحل المختلفة. الشهادة المتوسطة تعني أن الطالب حصل على التعليم اللازم للتعامل مع الأشياء, وقادر على مزاولة بعض الأعمال البسيطة، وما فوق الشهادة المتوسطة يعد أعلى من المتوسط, فشهادة الثانوية يطلق عليها في بعض الدول بـ High school وأغلبية الدول تقدم التعليم المجاني لمواطنيها حتى المرحلة الثانوية, ويعد هذا تعليما إلزاميا من واجب الدولة على مواطنيها, أما ما فوق ذلك فيعد ترفا يجب على المواطن دفع ثمنه. لذا, فالتوزيع الطبيعي أن تكون أكبر نسبة من المواطنين يحملون الشهادة المتوسطة ويقل العدد تدريجيا حتى تصل نسبة من يحملون الدكتواره إلى نسبة ضئيلة جدا. الدكتوراه مؤهل عال يفوق حاجة قطاع الأعمال والقطاع الحكومي, وأعلى درجة علمية للقبول في ممارسة الأعمال الشهادة الجامعية ونادرا ما يتم استقطاب حملة الماجستير فكيف بالدكتوراه؟! ونريد أن نوضح لوزارة العمل ولغيرها من الجهات المعنية بالتوظيف أن حملة الدكتوراه ليس لهم مكان يحتضنهم ولا بيئة تناسبهم سوى الجامعات، والجامعات لديها معايير عالية وشروط مستعصية وإجراءات طويلة, فإذا لم تتنازل الجامعات عن معاييرها وتبتعد عن لوائحها فلن يتمكن أغلبية حملة الدكتوراه في برنامج الابتعاث من الحصول على وظيفة فيها. وهنا سأسرد أهم الشروط التي تقف حجر عثرة أمام تعيين حملة الدكتوراه في الجامعات السعودية لعل جهات التوظيف, وفي مقدمتها وزارة العمل تعي العقبات التي تنتظرها:
1 ـ تشترط لوائح الجامعات السعودية لمن أراد أن يتعين على وظيفة أستاذ مساعد من السعوديين أن يكون حاصلا على درجة الدكتوراه ولديه خبرة أكاديمية يكتسبها خلال حياته الوظيفة. ونحن نعرف أن أغلبية المبتعثين للدكتوراه في برنامج الابتعاث لا يملكون الخبرة الأكاديمية, لذا سيرفضون مباشرة من أول لجنة تفحص أوراقهم.
2 ـ تشترط لوائح الجامعات السعودية أن تكون معدلات المتقدم لوظيفة أستاذ مساعد في مرحلتي البكالوريوس والماجستير جيد جدا فما فوق، ونرى أن أغلبية المبتعثين على ملاك برنامج ابتعاث وزارة التعليم العالي ذوو معدلات متواضعة - جيد وبعضهم مقبول.
3 ـ الجامعات تترد في قبول حملة الدكتوراه من خارج أروقتها لأنها تقوم برعاية عضو هيئة التدريس منذ تخرجه في الجامعة ويكون تحت نظرها حتى حصوله على الدكتوراه, لذا ليست في حاجة إلى تعيين من لم يترب في أحضانها, خصوصا أنها تشك في قدرات مبتعثي البرنامج وطريقة اختيارهم ومستوى جامعاتهم, إضافة إلى عدم وجود جهة جادة تراقب مسيرتهم.
هذه هي أبرز شروط الجامعات في تعيين حملة الدكتوراه من السعوديين, ووزارة العمل ليس لها سلطة على الجامعات الحكومية, ولا أظنها قادرة على إرغام الجامعات الأهلية على تعيينهم. الجامعات الأهلية تتحاشى تعيين حملة الدكتوراه (سعوديين وغير سعوديين) لأن لديها منهجية فريدة في تقديم خدمة التعليم العالي في بلادنا. بعض جامعات القطاع الخاص ليس لديها أعضاء هيئة تدريس دائمين وتنجز مهامها التشغيلية من التدريس ونحوه عن طريق التعاون مع الجامعات الحكومية حسب الساعات المجدولة في الفصل الدراسي, بمعنى أنها تستعير حاجتها من أعضاء هيئة التدريس للفصلين الدراسيين الأول والثاني من كل عام, وبذا فالمهمة الأساسية للجامعة قائمة بأساتذة أكفاء دون الحاجة إلى التعاقد, وبهذه الطريقة توفر رواتب الأساتذة وبدل السكن وتذاكر السفر والعلاج للأساتذة وعائلاتهم, وهذه الوفورات تعد زيادة مباشرة في الأرباح.
بناء على ذلك على وزارة العمل أن تنتظر بطالة من نوع جديد بين حملة الدكتوراه لأنهم يطالبون بوظائف استثنائية لا تستطيع تقديمها لهم, وعجزت عن توفير الفرص الوظيفية المناسبة للمتسربين من التعليم من حملة الشهادة المتوسطة والثانوية فكيف بحملة الدرجات العليا؟ لذا أرى أنه من الأسلم لوزارة العمل أن تسعى جاهدة في الحصول على موافقة من المقام السامي بإسناد مهمة توظيف حملة الدكتوراه إلى التعليم العالي ووزارة الخدمة المدنية, وبذا تخرج نفسها من الإحراج وإصدار التصريحات بين الوقت والآخر, فإذا استمر الحال كما هو عليه فالبطالة بين حملة الدكتوراه آتية لا محالة إن لم تكن موجودة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي