المساهمات المتعثرة هل هي في حكم المال النامي؟
الأسهم المتعثرة هي (التي لا يستطيع ملاكها الانتفاع بها، ولا تحصيل قيمتها؛ بسبب عارض مفاجئ، لا يعرف متى يزول). وقبل الخوض في حكم زكاتها، أرى ضرورة الإشارة إلى مسألة مهمة، وهي: أنه باستقراء النصوص الشرعية للزكاة، وتأمل مناط الحكم بوجوبها، نجد أن المال النامي بالفعل أو بالقوة هو الذي تجب فيه الزكاة، وأما غير النامي فلا تجب فيه الزكاة، وبهذا تنسجم الأحكام الشرعية للزكاة مع مقاصد الشارع، وتنضبط الأحكام ولا تتناقض، وبناء عليه فإن الشارع فرّق في باب الزكاة بين نوعين من المال:
1 - المال الموجود حقيقة أو حكماً - مما لا يعد للاستعمال - فهذا تجب فيه الزكاة، ومنه المال الذي في حوزة المالك، أو في حوزة المدين الموسر الباذل.
2 - المال غير الموجود لا حقيقة ولا حكماً فهذا لا تجب فيه الزكاة، ومنه المال الذي في حوزة المدين المعسر أو المماطل، أو في حوزة الغاصب أو السارق .. إلخ، وإن كان المال الأول مرجو الحصول، والآخر غير مرجو الحصول؛ إذ المال في حوزة الكل غير نام حقيقة ولا حكماً، فلا تجب الزكاة فيه على أرجح أقوال أهل العلم.
وبناء عليه، فإن الأسهم المتعثرة ينظر إليها بحسب التفصيل السابق؛ فإن كانت نامية بالفعل أو بالقوة، فهي مما تجب فيها الزكاة، وإلا فلا.
وبتأمل واقع الأسهم المتعثرة نجد أنها تتنوع وتتشكل بحسب أسباب تعثرها، ولهذا ينبغي ألا تعطى حكماً واحداً، بل ينظر إليها بحسب سبب تعثرها؛ إذ الواقع يدل على أن الأسهم إما أن تتعثر بسبب تجميد الدولة للمساهمة، وإما بسبب كساد المساهمة، وإما بسبب تعرض المساهمة لعمليات نصب واحتيال، وإما بسبب مماطلة مدير المساهمة، وبناء على هذا يختلف الحكم:
فإن كان تعثر الأسهم بسبب تجميد المساهمة بتدخل الدولة مدة تطول عرفاً، فالأظهر أن حول التجارة ينقطع بهذا التعثر، حيث لم تعد الأسهم نامية بالفعل ولا بالقوة.
وإن كان تعثر الأسهم بسبب الكساد كالأسهم العقارية التي تتعثر بفعل ركود سوق الأراضي مثلا فهذا وإن عده الناس تعثراً - خصوصا التجار- إلا أنه لا يعد تعثراً في نظر الشارع؛ إذ إن للأسهم قيمة سوقية يمكن أن تباع بها وإن كانت منخفضة، ولهذا تجب فيها الزكاة كل سنة بحسب قيمتها على الراجح من قولي أهل العلم، خلافاً للمالكية.
وإن كان تعثر الأسهم بسبب تعرض المساهمين لعمليات نصب واحتيال، فهنا تأخذ الأسهم حكم الزكاة في المال الضمار، وهو المال الذي لا يرجى عوده، وأرجح أقوال أهل العلم أنه لا تجب الزكاة فيه، وعليه لا تجب الزكاة على هذا النوع من الأسهم المتعثرة.
وإن كان تعثر الأسهم بسبب مماطلة مدير المساهمة عن تصفيتها مدة تطول عرفاً، فهنا تأخذ زكاة الأسهم المتعثرة حكم زكاة الدين الذي في ذمة المماطل، وأرجح أقوال أهل العلم أنه لا تجب الزكاة في هذا الدين، وعليه لا تجب الزكاة على هذه الأسهم المتعثرة من حيث الأصل، مع ملاحظة أن مماطلة المدير تعود حيناً لأسباب معلومة، وحيناً آخر لأسباب مجهولة، فيكون لاختلاف السبب تأثير في الحكم.
علماً بأن بعض الدول - كالسعودية - وضعت للمساهمات العقارية حداً معيناً لمدة التصفية، فللمدير أن يصفي المساهمة أول المدة أو آخرها بقوة النظام، وبالتالي لا يحكم بالتعثر خلال مدة التصفية.
هذا ما ظهر لي من أسباب التعثر، وإذا ظهرت أسباب أخرى فينظر في حكم الزكاة في ضوئها، والله تعالى أعلم.