وطنية القطاع الخاص .. في الكوارث والأزمات
يشهد العالم تبدلات مناخية أدت إلى التغيرات المشاهدة، وسواء كانت هذه التغيرات بفعل الطبيعة أو بتأثير الإنسان، يجب أن نكون أكثر وعيا وتهيئةً لمقابلة أي طوارئ مستقبلية. وشهدت المملكة هذا العام زيادة في كميات الأمطار والسيول، التي نسأل الله أن ينفع بها البلاد والعباد، وأيضا التغيرات في درجات الحرارة، وموجات الغبار التي أصبحت تصل مدنا لم تزرها من قبل، إضافة إلى الهزات الأرضية التي تابعناها هذا العام, كل هذه الأمور سيكون لها تأثير سلبي في حياة السكان الصحية والاقتصادية.
الوطن وساكنوه يسيرون في مركب واحد، فما يؤثر في الوطن سيؤثر حتما في سكانه, لذلك فمن أبسط حقوق المواطنة أن يحمي ويدافع المواطن عن وطنه، وهذه غريزة في المخلوقات كافة. فمن المواطنة أن يحافظ المواطن على وطنه وأن يحميه وأن يكون عضوا فاعلا في تنميته، ومن المواطنة أن يتولى المسؤول إدارة عمله بأمانة ومسؤولية ليحافظ ويحقق مصالح الوطن قبل مصالحه الشخصية، ومن المواطنة أن يسهم القطاع الخاص في رقي واستقرار الحالة المعيشية للمواطنين، وليس استنزاف مقدراتهم فقط.
في قضية السيول التي دهمت مدينة جدة، وفي أمطار الرياض الأسبوع الماضي، برز لنا مكتسب وطني ربما يكون أحد أبرز الفوائد التي نجنيها من الدروس في هذه الكوارث, فقد برز لنا العمل التطوعي الشخصي من كل فئات المجتمع وشرائحه. فلم يتخل المواطن هنا عن مواطنته وقال هذه مسؤولية الأجهزة الحكومية فقط، أو هذا نتيجة تهاون وسوء تخطيط، بل نزل إلى الميدان وساعد وأنقذ ووجه وفعل كل شيء. وإن كانت التجارب تتطور ويستفاد من الدروس الماضية، فيجب أن نسجل الشكر والتقدير لإدارة الدفاع المدني في الرياض التي سعت إلى توحيد الجهود وفتح المجال للمتطوعين بشكل منظم في هذا الحدث. إن المجهود المؤثر الذي قامت به مجموعة أولاد وبنات الرياض التطوعية في حملة ''جسد واحد''، وبالتعاون مع إدارة الدفاع المدني، والندوة العالمية للشباب الإسلامي وجامعة الملك سعود، ليؤكد نجاح ومهارة أبناء المملكة وبناتها في تفعيل العمل التطوعي، الذي نتمنى أن نراه وقد استنسخ لبقية مدننا ومحافظاتنا.
لكن الملاحظ والمستغرب هنا هو غياب القطاع الخاص وشركاته عن مثل هذه الأعمال التطوعية، فهل شركاتنا جزء من هذا الوطن تتأثر بما يحصل لنا، أم أن الهدف المادي سيطر على تفكير القطاع الخاص؟ نحن ننتظر من شركاتنا الكثير, فالمشاركة وتسهيل عمل المتطوعين ودعمهم ماديا ومعنويا، وتوفير الاحتياجات الضرورية وغير ذلك كثير، كلها أدوار تنتظر مساهمة القطاع الخاص.
الغياب الواضح لشركات القطاع الخاص يطرح تساؤلا يستحق البحث عن إجابة، هل شركاتنا دون هوية وانتماء لهذا الوطن؟ الشركات كشخصيات اعتبارية يقع عليها ما يقع على المواطن، بل إن الحمل الذي تتحمله هذه الشركات يجب أن يكون كبيرا وموازيا للاستفادة المادية التي تحققها من ممارسة أعمالها على أرض الوطن.
الملاحظ حقا أن العمل التطوعي الشبابي هو من انتصر في إثبات المواطنة الحقة. وأثبت بما لا يدع مجالا للشك أن وطننا الغالي يملك طاقات شبابية هائلة ومستعدة للتضحية بكل نفيس من أجل أهلها ووطنها وضيوف هذا البلد. وهنا أتمنى من شركاتنا أن تتأثر بما قدمه هؤلاء الشبان والشابات من أعمال وأفكار خلاقة لخدمة وطنهم ومن يعيش على أرضه، وأقول لها إن الفرصة ما زالت سانحة لتثبت لنا أنها جزء من الوطن ولا تهدف إلى الربح على حساب حياتنا ومستقبلنا.