التفاحة
في البدء، كانت التفاحة وبسببها، كما يعتقد الغربيون، نزل البشر إلى الأرض لأن آدم وحواء أكلا من شجرتها التي حرمت عليهما وقد أطلقت الأسطورة على النتوء البارز في حلق الإنسان ''تفاحة آدم'' زعما أنها قطعة من التفاحة بقيت عالقة بحلقه. ربما.. ترميزا لمجرى الحرام فيه!
ومع أن التفاحة ظلت تسقط أرضا منذ الأزل، إلا أن عالما إنجليزيا للرياضيات اسمه إسحاق نيوتن في منتصف القرن السابع عشر وحده استرعى انتباهه ذلك فاشتعل رأسه بالأسئلة فاكتشف قانون الجاذبية فتغير مجرى التاريخ، دبت الحركة على الأرض وحلق الإنسان في الفضاء.
أوقدت التفاحة حرباً ضروسا، قبل نحو ثلاثة آلاف عام، اختلطت فيها الأساطير بالواقع، دامت عشر سنوات بين أسبرطة وطروادة اليونانيتين.. تقول الحكاية: إن ''بوسايدون'' رب البحار الأسطوري دعا كل سكان الأولمب لحفلة زفاف ابنته الحورية ''تيتيس'' وأغفل دعوة ''أرتميس'' ربة الشقاق لكنها تطفلت بالحضور وألقت وسط المدعوين ''تفاحة ذهبية'' كتب عليها: ''إلى أجمل الحاضرات!'' فتنازعت عليها ''هيرا'' ربة الزواج و''أثينا'' ربة الحكمة و''أفروديت'' ربة الحب وكادت تنشب معركة لولا احتكامهن إلى راعي ماشية شاب وسيم يدعى ''باريس''، فأخذت كل واحدة ترشوه لينحاز إليها، وعدته ''هيرا'' بالسلطان والثراء، منَّتْه ''أثينا'' بالمجد والشهرة، أما ''أفروديت'' فقد عرضت أن تزوجه بأجمل نساء الأرض.. راق له ذلك.. فأعطى التفاحة لها.
كانت أجمل نساء الأرض تدعى ''هيلين'' زوجة ''مينيلاوس'' ملك أسبرطة، تقدم لخطبتها كثيرون لكن والدها الشيخ ملك أسبرطة السابق أدرك بفطنته أن جمال ابنته سيكون سببا في تعرضها لأخطار لذلك اتفق مع جميع خاطبيها على أن يقسموا قَسما لا حنث فيه: أن يرضخ كل واحد منهم لحكمه فلا يحاول التعرض لها لو صارت من نصيب سواه، وأن يخف لمساعدة الزوج الذي يظفر بها لو تعرضت لمكروه.
حبكت ''أفروديت'' خطة لكي تفي بوعدها فجعلت ''باريس'' يحل ضيفا على ''مينيلاوس'' زوج ''هيلين'' ويخطفها أثناء غيبته عن المنزل فلما عرف بفعلة ضيفة الوضيعة أرسل رسله إلى جميع خاطبي هيلين السابقين للنجدة بموجب القسم، فاشتعلت حرب طروادة التي كانت الربات الثلاث يؤججن نارها، كل واحدة في الجانب الذي تراه يثأر لإهانتها من ''باريس'' لعدم منحه التفاحة الذهبية لها!
التفاحة كانت أيضا وراء ميلاد إمام مسلم جليل .. ففي القرن الأول الهجري أخرج الجوع شابا تقيا من بيته، فمر بجوار بستان، قطف تفاحة منه، التهمها، ثم شعر بتأنيب ضميره فذهب إلى صاحب البستان، ليحلَّه مقابل أن يفعل أي شيء يكفر به عن ذنبه. رفض الرجل بشدة ثم ما لبث أن اشترط لمسامحته الزواج من ابنته (البكماء العمياء الصماء المقعدة!) صعق الشاب لكنه رضخ للأمر، وحين دخل عليها، بقي مشدوها من جمالها حتى انتشله صوتها: أنا عمياء عن رؤية الحرام، صماء عن سماعه، بكماء عن الحديث فيه، مقعدة عن المشي إليه.. تقول الحكاية: أما الشاب والشابة فهما والدا الإمام أبو حنيفة النعمان!
سكنت التفاحة عناوين ونصوص فنون الإبداع، شعرا، غناءً (فالخدود والنهود تفاح ورائحة السالف تفاح)، أو رواية ونحتا وتصويرا، أما في الرسم فلا تكاد أعمال فنان تخلو منها: أشهرها ''تفاحة بيكاسو'' التي استخدم في رسمها الزمن بعدا إضافياً للأبعاد المعروفة لأول مرة حيث رسم تفاحة كاملة غير مقشرة ووضع بذورها فوقها من الخارج وبجانبها سكين لكي يقول إن هناك زمناً تم استنفاده في إحضار السكين وشق التفاحة وإخراج البذور ووضعها فوق قشرها الخارجي ثم إعادة كل شيء كما نراه.
وتعد تفاحة الفنان الأمريكي نورمان روكويل، الأكثر استفزازا، لأنها لا شكل معقولا لها، قد تكون أي شيء إلا أن تكون تفاحة، ومع ذلك، سماها ''التفاحة''.. ليقول: إن حقائق الأشياء ليست كما تبدو عليه بل كما تبدو للمتلقي، ولعله كذلك أراد أن يقول: طالما أن التفاحة هي سبب نزول البشر إلى الأرض فهي بالضرورة سبب جميع ما نرى مما لا يمكن وصفه وتحديده.. لذلك رسم اللا شكل!