رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


عولمة الأسوار أم أسوار العولمة؟!

كان جدار برلين الذي أقيم إبان وجود الكتلة الشرقية التابعة للاتحاد السوفياتي يمثل مادة دسمة للسياسيين الغربيين وكذا للإعلام الغربي الذي وجد فيه مثالاً يشار إليه بالبنان كمثال للبطش والجبروت ونزع الحريات. وكان الإعلاميون الغربيون يقتنصون الصور النادرة لهروب بعض الأفراد من ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية ليثبتوا بشاعة النظام الاشتراكي ومجافاته القيم الإنسانية وليمرروا من خلال هذه الرسالة رسالة أخرى بشأن الرأسمالية الغربية وروحها الإنسانية. وعمدت محطات التلفزيون الغربية وصحفها إلى إجراء المقابلات مع من تمكنوا من الهروب عبر الجدار وعرض قصصهم البطولية والمخاطر التي تعرضوا لها وهم يهمون بالهروب من جحيم النظام الشمولي.
سقط جدار برلين وبسقوطه فقد الإعلام الغربي ورقة من الأوراق ذات المادة الإعلامية والسياسية الدسمة, وتدور الأيام ويقوم الكيان الصهيوني ببناء جدار العزل الذي مزق به فلسطين وحرم الفلسطينيين من التواصل بين بعضهم حتى تفرق شمل العائلة الواحدة وحيل بين الناس وبين أعمالهم ومصادر رزقهم وتعرض الأطفال للمشقة والعذاب وهم يذهبون أو يجيئون من مدارسهم, كما أن المرضى أصبحوا يعانون نظراً لمشقة الحركة, بل انعدامها بسبب جدار العزل العنصري. تتكرر الصورة مرة أخرى عند احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة, ومع اشتداد ضربات المقاومة لم يجد المحتل حرجا ومعه الحكومة العراقية من أن يستفيدوا من تجربة ألمانيا الشرقية, وذلك بإقامة جدار عازل حول حي الأعظمية وبارتفاع شاهق بحجة منع السيارات المفخخة والانتحاريين من أن يتسللوا من الحي, ونقلت لنا الفضائيات كيف كان العراقيون يلقون من الأذى والإهانة وهم ينتقلون من حي الأعظمية إلى مناطق بغداد الأخرى.
نماذج ممارسات البطش لم تنته عند جدار برلين أو سور الأعظمية, بل وجد في موقع آخر حين قررت الحكومة المصرية إقامة الجدار الفولاذي العازل بين مصر وغزة وبارتفاع 30 متراً بحجة حماية الأمن القومي المصري وكأن غزة تشكل عدوا تاريخياً يهدد الأمن المصري, وليس بغريب أن يكون الجدار الفولاذي نفذ بفكرة وهندسة وتمويل أمريكي بهدف منع نقل البضائع الضرورية للحياة من أن تصل إلى سكان غزة, وذلك لإجبار حركة حماس وسكان غزة على الخضوع والقبول بالمخطط الأمريكي الرامي إلى إخضاع جميع الأصوات المنادية بالتحرر من الاستبداد والهيمنة والطغيان الأمريكي.
قبل أيام أعلنت الحكومة العراقية التي يترأسها نوري المالكي نيتها إقامة سور حول بغداد بطول 120 كيلو مترا من الجهات كافة, بحيث لا يكون الدخول والخروج من بغداد وإليها إلا من خلال طرق محددة تقام عليها نقاط أمنية, كل هذا كما يقول الخبر لمنع القاعدة والإرهابيين من أن يدخلوا إلى بغداد, وكأن العراق هو بغداد والعراقيين هم سكان بغداد فقط. هذه الصور من الجدران أو الأسوار العازلة تثير تساؤلات عدة أولها ما الذي حدث؟ هل تغير الفكر البشري الذي دخل عصر العولمة وما تعنيه من كسر للحواجز والموانع أياً كان نوعها عرقية ودينية وثقافية وسياسية أم أن المصالح اقتضت قبولا, بل تنفيذ وتمويل المشاريع المحرمة في السابق لأن مصالح الغرب تقتضي محاصرة الأحرار وتجويعهم وخنقهم في بيوتهم؟ لا شك أن المصالح هي الأساس, وما يقال بشأن الحرص على حرية الإنسان وكرامته لا وجود له في هذه الأمثلة التي نشأت في البداية على أرض غربية, لكنها انتقلت إلى الأرض العربية وجاءت مع الاحتلال الصهيوني المدعوم غربياً وكذا مع احتلال أمريكا للعراق التي عجزت قواتها من أن توقف مقاومة العراقيين.
في ظني أن العراقيين الذين ذاقوا الأمرين خلال السنوات العجاف التي أعقبت الاحتلال يتساءلون بمرارة هل هذه وعود من جاءوا على ظهر دبابة الاحتلال من العيش في أمن وكرامة وحرية ورغد عيش؟ في زمن نظام البعث لم تقم الأسوار ولم يختطف الناس من الشوارع ولم يقبع الآلاف في السجون في المنطقة الخضراء وتحت إشراف رئيس الوزراء مباشرة. لا شك أن الأماني والأحلام الوردية التي كان يحلم بها العراقيون لمجرد تغيير حكومتهم تبخرت مع دخول أول دبابة أرض العراق, ومع تحليق أول طائرة في سمائه بتعاون وتضامن من قبل من رهنوا العراق وقدموه لقمة سائغة لأمريكا كي تحقق مشاريع الهيمنة التي تستهدف المنطقة العربية, وبالذات منطقة الخليج, ليس حباً في أهله, لكن طمعاً في ثرواته التي تشكل عاملاً أساسياً في الاستراتيجية الأمريكية الهادفة إلى التحكم في مناطق النفط من الخليج حتى بحر قزوين, نظراً لما تمثله هذه المنطقة من أهمية للأمن والمصلحة القومية الأمريكية حتى ولو كان هذا على حساب مصالح الشعوب والدول.
بقي أن نتساءل: أين حماس ساسة الغرب وإعلامه من جدران العزل التي هي في الأساس غربية الفكرة والهندسة وشركاتها هي المستفيد الأول نظراً لما تتطلبه هذه الأسوار من أموال طائلة لبنائها وبعد فترة لإزالتها؟ لماذا لم يصور الغرب هذه الأسوار بما تحمله من معاني الاستبداد والدكتاتورية وانتزاع الحرية؟! لا شغل, لا عمل, لا سكن, لا خدمات ماء وكهرباء, ولا خدمات صحية, وأسوار خانقة, هل هذا ما استطاعت أن تقدمه الحكومة العراقية لشعبها؟ وهل إقامة سور حول بغداد إقرار بفشل تحقيق الأمن الذي افتقده العراقيون مع الاحتلال؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي