رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


سيول الرياض ورجوع شركات التأمين

كشفت الأمطار التي شهدتها العاصمة يومي الإثنين والأربعاء من الأسبوع الماضي، عن أنها ليست بأحسن حال من شقيقتها جدة. فقد أضحى كثير من أنفاق العاصمة وعدد من أحيائها مكاناً لتجمع المياه ما ترتب عليه كثيرٌ من الأضرار؛ منها ما أصاب الممتلكات، وعلى وجه الخصوص، المساكن الخاصة والمركبات.
والحقيقة أن الإشكالية هي ليست في نزول المطر؛ فهو يبقى نعمة منزلة من الله تعالى، ولكن بأخطائنا وإهمالنا يمكن أن نحوّل هذه النعمة إلى نقمة. وما حصل في المدينتين الشقيقتين من أضرار لا يخلو من إهمال أو حتى ارتكاب أخطاء هندسية أو مهنية جسيمة؛ لا يتصور أن يرتكبها حتى أقل الناس معرفة وإدراكاً بمخاطر السيول، فقد كان أجدادنا الأوائل في هذه الأرض الطيبة، وعلى قلة معرفتهم وإدراكهم وشح وسائل المعرفة لديهم، على وعي كبير بهذه المخاطر. فقد كانوا لا يبنون بيوتهم أو مساكنهم في مجاري السيول أو بطون الأودية، بل إنهم لا يبيتون ليلتهم في مجاري السيول أو الأراضي المنخفضة، فكيف هو الحال وقد حبانا الله الوسائل العلمية الدقيقة والتقدم العلمي الذي يمكننا من معرفة المكان بكامل تضاريسه وارتفاعاته وانخفاضاته وسهوله وأوديته وجباله، وكذلك معرفة الأجواء بتقلباتها ومسارات المنخفضات والمرتفعات الجوية وحركة الغيوم ومعدلات الأمطار، ومع ذلك كله نجد أننا أقل معرفة أو تحوطاً أو حتى إدراكاً مما كان عليه أجدادنا في الماضي. فالأحياء تُبنى في مجاري السيول؛ والطرق والأنفاق يتم تصميمها دون أن يتم التفكير في إيجاد وسيلة ناجعة لتصريف المياه التي تتجمع فيها.
لا شك أن هناك أخطاء بشرية في هذه المشاريع على اختلافها، ولكن من يتحمل تبعة هذه الأخطاء؟ هل هو المقاول الذي نفذ المشروع أم أنه المرفق الحكومي الذي لم يضع تصوراً متكاملاً للمخاطر التي يمكن أن تتولد عن إنشاء مشروع ما سواء أكانت مخاطر مباشرة أم غير مباشرة؟ أم المرفق الحكومي المنوط به استقراء المخاطر المستقبلية والتنبيه عنها في الوقت المناسب؟ أم أيضاً المرفق الحكومي الذي ينبغي أن يتعامل بكل احترافية مع الخطر في حال حصوله؟
من وجهة نظري، فإن المسئولية عمّا حصل يمكن إسنادها إلى هذه الجهات، كل بحسب ما يخصه، كما أنه من غير المناسب أن تقوم كل جهة بإلقاء اللوم على الأخرى حتى تتنصل من مسؤوليتها، فكل لديه اختصاصه ونطاق عمله. ولكن حينما يتم بحث المسؤولية القانونية التي تستوجب التزاماً بالتعويض عمّا حصل؛ فالذي يعول عليه حينئذ هو السبب الأقرب أو الأكثر تأثيراً في حصول الضرر؛ وهو بلا شك الخطأ الحاصل بسبب تصميم أو تنفيذ المشروع بشكل مخالف.
وأعلن بعضٌ من شركات التأمين الشروع في استقبال طلبات التعويض من المتضررين من سيول الرياض، خصوصاً فيما يتعلق بطلبات التعويض عن المركبات المتضررة والمؤمن عليها تأميناً شاملاً. ومع تقديري الكامل لشركات التأمين التي تجرأت وقامت بتغطية مخاطر السيول والأمطار على الرغم من أن كثيرا من شركات التأمين يستبعد هذا الخطر صراحة من وثائقه، إلا أن هذه التغطية التي تبنتها شركات التأمين هي تغطية تخص التأمين الشامل على المركبات وليس تأمين المسؤولية، ومع ذلك فهي تبقى خطوة جيدة. وشركات التأمين عندما تقوم بتغطية أي خطر فهي تحتفظ بحقها بمطالبة المسؤول عن الضرر بعد أن تقوم بتعويض عميلها وهو ما يعرف بحق الحلول، وهو ما نص عليه وأكده كذلك نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو: هل ستطالب شركات التأمين الجهات التي تُعزى إليها المسؤولية عن حصول هذه الأضرار وتكبدت بموجبها شركات التأمين خسائر كبيرة بسبب تعويض عملائها عن هذه الأضرار وفقاً لمبدأ الحلول؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي