نيران الأزمة اليونانية تختبر قدرة اليورو على التوسع
تحول طموح أستونيا في أن تصبح العضو السابع عشر في منطقة اليورو إلى اختبار رئيس لتعهد أوروبا بنشر العملة الموحدة عبر بلدان وسط القارة، خاصة مع تهديد الأزمة المالية في اليونان بتقويض حملة التوسيع. وفي ظل وجود مستويات العجز والدين العام لدى أستونيا ضمن الحدود الصارمة المطلوبة للانضمام إلى منطقة العملة الأوروبية الموحدة، فقد أعربت عن أملها في أن تصبح الدولة الثالثة من بين الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي التي تنضم إلى اليورو وتتبنى العملة الموحدة في كانون الثاني (يناير) المقبل. لكن الأجواء المحيطة بتوسيع منطقة اليورو في عواصم أوروبا الرئيسة أصبحت قاتمة بعد أن اضطر الاتحاد الأوروبي إلى إطلاق عملية إنقاذ مالي كبرى لليونان وسط تقارير عن تلاعب أثينا في بياناتها المالية للانضمام إلى منطقة اليورو عام 2001 بعد عامين من إطلاق العملة الموحدة في 1999.
وقال راينر جونترمان الخبير الاقتصادي في مجموعة كوميرتس بنك المصرفية الألمانية: "بعد أن اكتووا بنار انضمام اليونان إلى العملة، فإن الأوروبيين سيحرصون على التدقيق بشدة في الأرقام هذه المرة".
فحتى خلال أكثر الفترات الاقتصادية ازدهارا، كانت المؤسسة السياسية والاقتصادية لأوروبا الغربية حذرة للغاية بشأن فتح آفاق نادي اليورو أمام أعضاء جدد. بيد أن الأسواق المالية ربما ترى في تأخير انضمام أستونيا إلى منطقة اليورو إشارة على الاضطرابات داخلها، ونتيجة لذلك فإن إعطاء الضوء الأخضر لهذه الدولة المطلة على بحر البلطيق لتبني اليورو قد يشير أيضا إلى ثقة أوروبا بمنطقة اليورو. على مدى فترة طويلة ظلت أستونيا في طليعة الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي من حيث الأداء الاقتصادي، ولذلك تأمل هذه الدولة الصغيرة في استبدال العملة الأوروبية الموحدة بعملتها المحلية الكرون، في الوقت الذي تستعد فيه معظم البلدان الأوروبية لتخفيضات كبيرة في ميزانياتها نتيجة ارتفاع مستويات العجز والديون لديها في أعقاب أسوأ ركود عالمي منذ عقود.
من ناحية أخرى، فإن الإخفاق اليوناني يعزز أيضا التكهنات بأن الزعماء الأوروبيين قد يتحركون الآن باتجاه تبني مزيد من المعايير المشددة للانضمام إلى منطقة اليورو. لكن من غير المتوقع أن تلجأ الدول حديثة العضوية في الاتحاد الأوروبي والتي تأثرت اقتصاداتها بشدة خلال الركود لمزيد من خفض الإنفاق العام كي تكون ميزانياتها متوافقة مع الأهداف المالية الحالية لليورو أو الأكثر صرامة.
وعلى الرغم من أنه كان ينظر لليورو كملاذ آمن في ظل التأثير الخانق للأزمة الاقتصادية العالمية، إلا أن الاقتصاديات الجديدة الناشئة بدت الآن أقل اهتماما بالانضمام إلى منطقة اليورو، حيث أرجأ عديد من هذه الدول المواعيد النهائية لتقديم طلبات الانضمام لما يصل إلى عقد من الزمن.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت بلغاريا أنها تخلت عن خطط للانضمام إلى اليورو خلال السنوات الثلاث المقبلة بعد أن تسببت صفقات الشراء التي وقعتها الحكومة السابقة في عجز جاء أكبر من المتوقع في العام الماضي. وبعد تمكنها من تفادي الركود العام الماضي، فإن بولندا أيضا تبدو مترددة في أن تعرض النمو المتواضع لاقتصادها حاليا للخطر من خلال التحرك لخفض عجز الميزانية عن مستواه الحالي وحددت عام 2012 مبدئيا للانضمام إلى اليورو ولكن تم إرجاء الموعد إلى عام 2015 حيث يقول المسئولون إن تعزيز معايير المعيشة في البلاد أهم من الانضمام إلى اليورو. ومنذ إطلاق العملة الأوروبية الموحدة عام 1999، جرى توسيع عضوية الاتحاد الأوروبي ليضم دولا صغيرة نسبيا، ولذلك فإن انضمام بولندا إلى منطقة اليورو سيشكل تحديا كبيرا لقدرة كتلة العملة الأوروبية على استيعاب اقتصاد دولة يصل عدد سكانها تقريبا إلى 40 مليون نسمة.
ووفقا لاتفاقيات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فإن دول وسط أوروبا مطالبة بالانضمام إلى منطقة اليورو في حال لبت الشروط الصارمة للعضوية. ومن المقرر أن يحدد الاتحاد الأوروبي الشهر المقبل ما دول الاتحاد التي تفي بالمعايير المالية الصارمة لتبني العملة الموحدة؟
وتتضمن هذه المعايير بالأخص قاعدة التضخم الصارمة التي تطالب بألا تتجاوز نسبة الزيادة في أسعار المستهلكين 1.5 نقطة مئوية أعلى من متوسط التضخم في أقل ثلاث دول في الاتحاد الأوروبي من حيث معدل التضخم. تأمل لاتفيا كذلك في الانضمام إلى منطقة اليورو عام 2014. ولكنها دخلت دائرة الركود الاقتصادي عام 2008 واضطرت للحصول على مساعدات من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والحكومات الإقليمية. واضطرت الحكومة إلى خفض الإنفاق العام بشدة. ويقول الاقتصاديون: إن هذه الإجراءات من شأنها في النهاية أن تجعل أرقام العجز والتضخم متوائمة مع قواعد اليورو.
كانت ليتوانيا تأمل عند انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي في أيار(مايو) 2004 في الانضمام إلى منطقة اليورو عام 2007 ولكن النمو الاقتصادي السريع الذي شهدته جعل معدل التضخم يرتفع لما فوق حدود منطقة اليورو. وتضررت ليتوانيا بصورة كبيرة من جراء الأزمة الاقتصادية ولكنها شهدت تراجع معدل التضخم. وهي تأمل في الانضمام إلى اليورو عام 2014. ولم تحدد جمهورية التشيك موعداً للانضمام إلى اليورو، مفضلة أن تبقى على سياستها النقدية مستقلة. ويقول المسئولون إن تمكنت البلاد من الحد من العجز في موازنتها بحلول عام 2013، فإنه يمكنها تبنى اليورو عام 2015.
وكانت المجر أول دولة أوروبية تسعى إلى الحصول على مساعدات من صندوق النقد الدولي والمؤسسات المانحة الأخرى عام 2008. ونتيجة لذلك اضطرت المجر لاتخاذ إجراءات تقشفية لتخفيض الإنفاق. وتراجع عجز الموازنة خلال عام 2009.
وتأمل المجر في الوفاء بالمعايير الرئيسة لليورو بحلول 2012 ولكن ديونها الخارجية ما زالت أعلى من حدود اليورو. كما أن حكومتها الجديدة أوضحت نيتها السماح بارتفاع عجز الموازنة المقبول خلال هذا العام عن النسبة المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي. ويقول المسئولون إن انضمام المجر إلى اليورو يمكن أن يكون ممكنا عام 2014 أو 2015.
وتضرر اقتصاد رومانيا بصورة كبيرة عام 2008 واضطرت للحصول على قروض من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي لإنقاذ اقتصادها المتعثر. وتأمل البلاد في الانضمام إلى اليورو عام 2015 ولكن المسئولين يقولون إن إرجاء هذا الموعد ربما يكون أكثر منطقية.
كانت بلغاريا تأمل في الانضمام إلى اليورو عام 2013 ولكنها اضطرت لإرجاء هذا الموعد خلال شهر نيسان (أبريل) الماضي في أعقاب إعلان الحكومة المفاجئ بأن عجز الموازنة لعام 2009 كان ضعف ما تم تسجيله، وتأمل البلاد في الانضمام إلى اليورو عام 2015.