رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مناجم الرمال المائية من يجدها؟

في لقاء شائق متقطع، ناقشت الدكتور فاروق الباز الأسبوع ما قبل الماضي في الدوحة في موضوع الماء وشحه أو كثافته في المملكة. بكل ثقة يقول الباز إن المملكة تسبح على بحار من الماء، وإن السؤال الذي يجب أن يطرح ليس هل توجد مياه أم لا، بل السؤال هو ما تكاليف استخراجها؟ وماذا فعلنا من أبحاث لتحديد أماكنها وتذليل الصعاب في استخراجها؟ وهل أوجدنا بنية تحتية لاستخدامها إذا اضطررنا؟ وفيم يجب أن تستخدم؟
نظرية الدكتور الباز ببساطة تقول إن حبيبات الرمل لا تتكون إلا بسبب تدفقات مائية, وعليه فالربع الخالي مثلا - بل أي تجمع رملي في مكان منخفض - يسبح تحت مخازن مائية ضخمة بحجم ضخامة كمية الرمال. ويسأل الدكتور الباز أسئلة ربما تكون مفاجئة أو لم نتعود التفكير فيها، كسؤاله: كيف تكون الربع الخالي؟ ولماذا تكونت الرمال؟ ثم يستطرد بقوله إن الفكر الجيولوجي العتيق يقول إن حبة الرمل أتت مع الهواء باصطدام الصخور، وهذا الاصطدام ينتج عنه حزم دوارة, وهذا هو تعريف الرمل التقليدي. لكنه يتحدى صحة هذه الفرضية ويقول إن نشوء الرمل ليس له علاقة إطلاقاً بالهواء، فالرمال تولدت من الماء وليس من الهواء, وتكونت في باطن الأنهار، عندما تنزل الأمطار على الجبال يكون هناك احتكاك بين الصخور الموجودة في الجبال وتمر منها المياه بين الشقوق والصخور حينها تتفتت وتنشئ الرمل الذي يوجد في منخفضات المياه، وكلما تضخمت كمية الرمال فهذا يعني كثافة كمية المياه التي كونتها، التي لا يعقل أنها تبخرت كلها، بل تبخر بعضها وتسرب غالبها إلى طبقات الأرض الجوفية. والحالة هذه تنطبق بحذافيرها على ''نهر شمر'' ـ كما يسميه الدكتور الباز ـ الذي يصب في غرب الكويت، وعلى الربع الخالي- الذي اكتشف فيه بعض الأحافير والشواهد التي تدل على حياة مائية كانت قائمة (من أبرز ما اكتشف سن لفرس النهر)، كما أن الحياة المائية وبحيرات الربع الخالي كان موضوع شهادة الدكتوراة للجيولوجي الدكتور هال ماك كلر، من جامعة لندن عام 1984، الذي يرجح أن منطقة الربع الخالي كانت تتعرض لأعاصير ممطرة كالتي تتعرض لها الهند وبنجلادش حاليا، وكانت تستمر فترات طويلة مكنت من نشأة بحيرات على فترات طويلة من الزمن.
نظرية تستحق التأمل, والأهم من هذا بمراحل أن هناك أدلة واقعية على صحتها. فقد قام الدكتور الباز بكل ما أوتي من قوة بإقناع أصدقائه في الجهات الحكومية المعنية المصرية بنظريته هذه وانطباقها على مكان صحراوي ميت في مصر- أظنه قال صحراء العوينات - وذلك لحفر بئر ماء اختبارية وحيدة للتدليل على صدق نظريته. وبعد محاولات دامت 13 عاما، اقتنعوا وحفروا بئرا في تلك المنطقة، ولروعة النتائج، اليوم في المنطقة هناك أكثر من 80 بئرا، تكفي لري وسقاية 200 ألف هكتار لمدة 100 سنة. هكذا، من عدم معقولية الفكرة، تحولت أرض قاحلة في غرب مصر إلى واحة زراعية تنتج 7.5 طن قمح للهكتار الواحد. والشاهد الثاني، حدث في السودان، فقد استخدمت تقنية متقدمة تم تطويرها أكثر في السنوات الخمس الماضية- من قبل ناسا - وأدت إلى اكتشاف بحيرات عملاقة من المياه العذبة غافية منذ ستة آلاف عام تحت منطقة قاحلة في دارفور في السودان بعد مسح بالأقمار الصناعية قامت به ''ناسا''.
هذه النظرية ـ صحت أم لم تصح - جديرة بالاختبار, فالماء شريان الحياة. وبدلا من الاتكاء على خبراء البنك الدولي في واشنطن أو تجارها, ونظريات الرعب المائي المسيطرة على أطروحاتهم، أو شروط التعسف المحيطة باتفاقياتهم - ذكرت صحيفة ''الوفد'' المصرية في تحقيق لها أن أمريكا في اتفاقياتها المتعددة مع مصر تشترط شرطا صريحا مفاده ألا تستخدم أموال المنح والقروض الأمريكية في زراعة القمح - بدلا من ذلك، أعتقد أنه جدير بنا أن ننعتق من تلك الرؤى، ونحفر مستقبلنا بأيدينا. لهذا أقترح على مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية أن تمسك بزمام هذا الملف البحثي العلمي ذي الخطورة المتناهية، وأن تفك طلاسمه بدعوة الدكتور الباز وغيره من العلماء مع خبرائنا المحليين والقيام بمسح جيولوجي في المناطق المؤهلة، وحفر آبار اختبارية لمعرفة الواقع ودحض الظن. نريد معلومات وحقائق. لا توجد إلى اليوم أي دراسة، بعد دراسة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن, التي أعلنت نتائجها بحضور الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - التي يتذكر قصة إعلانها من حضرها، عندما همس مدير الجامعة للملك، فقال له الملك، بل أعلنها أنت - يقصد مدير الجامعة - فأخذ المايكرفون الدكتور بكر محمد بكر وأعلن نتائج الدراسة التي قامت بها الجامعة التي توصلت إلى أن المملكة تسبح على مياه تساوي كمياتها 500 سنة من جريان النيل. لقد حان الوقت للقيام بدراسة نعرف بموجبها - بالحقائق وليس بالظنون- كيف نرسم مستقبلنا. وأظن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية أجدر مكان لتسلم هذا الملف البحثي الحساس. والله الموفق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي