رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الجامعة والاعتماد الأكاديمي وسياسة أثر الهالة

السعي لحيازة رضا الآخرين وإعجابهم يمثل إحدى الخصائص التي تميز الإنسان, لكن الثقافات المحلية لها دور في زيادة أو نقصان مثل هذه الخاصية, وكلما زاد الإنسان ثقة بنفسه واعتداداً بذاته انخفض تأثير مثل هذه الخاصية, ذلك أن نضج الإنسان يمثل حصانة للفرد في أن يجهد نفسه وراء إرضاء الآخرين لمجرد إرضائهم حتى لو كان ذلك على حساب مصلحته. وفي سنوات مضت كان الرؤساء والملوك إذا زاروا بلداً من البلدان يؤخذون في جولة عامة على العاصمة أو المدينة التي يتم استقبالهم فيها على أن يسبق ذلك تزيين وعناية بالشوارع ونظافة لها, وزرع للأشجار والورد, كما أن الشوارع التي يمر بها الضيف تختار بعناية فائقة بحيث تكون عليها بنايات جميلة ومعالم بارزة تحوز رضا الضيف وتمجيده.
هذه الحقبة وما رافقتها من ممارسات كانت مناسبة لمستوى الثقافة والوعي على المستويات كافة, كما أنها ذات علاقة بطقوس الضيافة التي تستوجب العناية بالضيف وكسب رضاه بما في ذلك إطلاعه على المنجزات الاقتصادية والعمرانية لإعطائه الانطباع بشأن النمو والتطور والتقدم الذي تمر به البلاد. ومع أن هذه الممارسة اختفت بهذه الصورة إلا أنه تتم العناية بالضيف بصورة أخرى سواء في الاستقبال أو التغطية الإعلامية, وما يرافقها من تحليلات, إضافة إلى زيارات لأماكن منتقاة, وذات قيمة بالغة في نمو الوطن وتطوره.
تأملت في هذا المشهد فألفيت أنه يمتد ويتغلغل على أصعد اجتماعية متعددة وليس مقتصراً على الزيارات الرسمية والسياسية, بل يمارس من قبل المؤسسات والجهات الحكومية, حيث عند قدوم مسؤول لزيارة أو تفقد جهة من الجهات يتم ترتيب المكان وإعادة تنظيمه حتى تظهر الإدارة أو الجهة بصورة حسنة تنال الإعجاب, والتقدير من المسؤول, ولذا يلجأ بعض المسؤولين إلى الزيارة المفاجئة حتى يرى الواقع كما هو لا كما يراد أن يظهر أمامه وأثناء زيارته, وما بعد ذلك لا يهم كيف يكون الوضع.
الأفراد والأسر تمارس مثل هذه الممارسات حيث ينظف المنزل ويرتب ويبخر للضيوف, وهذا أمر محمود يتفق مع أصول الضيافة التي يؤكدها شرعنا الحنيف, لكن الأحسن والأحمد أن يكون المنزل نظيفاً ومرتباً في كل الأوقات, لأن من حق سكان المنزل وأهله أن يكون منزلهم على هذا الوضع طوال الوقت, وليس من أجل الضيوف فقط. استرجعت هذه المشاهد والممارسات وأنا أستمع لأحد العارفين في إحدى جامعاتنا, حيث بدأت تلك الجامعة, التي على ممارساتها كثير من الملاحظات, بإجراء كثير من الترتيب لأوضاعها قبل حضور فريق زائر بهدف الظهور بالمظهر اللائق أمام فريق قدم من خارج البلاد. ومع هذه الجهود المؤقتة والآنية إلا أن فريق التقويم الخارجي, وبخبرته العميقة, تمكن من ملاحظة كثير من جوانب القصور في تلك الجامعة, وفي هذا إشارة إلى أن العمل المؤسسي حتى يكون مجدياً ومثمراً يستفيد منه الوطن لا بد له من الديمومة والاستمرار خدمة للدار وأهلها, وليس سعياً لرضا المقوم الخارجي.
تأكدت من هذه الصورة وأنا أقرأ رسالة موجهة من أمين عام هيئة الاعتماد الأكاديمي إلى وكيل إحدى الجامعات, التي تشير إلى تأهل هذه الجامعة للاعتماد الأكاديمي المؤسسي وجاهزية هذه الجامعة لزيارة الفريق القادم من خارج المملكة, وذلك لأن هذه الجامعة حددت رسالتها وأهدافها, ولديها خطة استرتيجية, كما أنها جهزت وثائق السياسات الإدارية واللوائح والأدلة والكتيبات التعريفية, وإجراءات ولوائح التأديب وتظلم الطلبة, إضافة إلى توصيف البرامج التعليمية وسياسات ولوائح إقرار هذه البرامج, مع وجود وحدة الإحصاءات لنشر بيانات ومعلومات الطلبة وفق المؤشرات العلمية المتعارف عليها. ويضاف إلى ذلك وجود أدوات استطلاع آراء الطلبة لتقويم المقررات والأساتذة, والالتزام بتقديم تقارير وإحصاءات حديثة.
لا شك أن العناصر السابق الإشارة إليها مؤشرات تنظيمية مهمة يلزم أي جامعة أن توجدها, وتسير وفقها, سواء استقبلت الجامعة فريق تقويم خارجيا أم لم تستقبل, لأن الجامعة المعتبرة التي تسعى لخدمة مجتمعها لا يمكن لها تحقيق ذلك دون هذه الضوابط واللوائح, لكن مع توافر هذه الضوابط وهذه اللوائح لا يمكن ضمان تحقيق خدمة المجتمع وجودة المخرجات بالشكل المناسب ما لم تكن الإجراءات والعمليات اليومية جيدة. ولعل من يعمل في هذه الجامعة يعرف ويدرك الحقيقة كما يراها حيث نصاب بعض أعضاء هيئة التدريس تخطى الـ 25 ساعة, فكيف يمكن أن تكون العملية التعليمية في وضع كهذا, وكيف يمكن لعضو هيئة التدريس أن يقوم بمهماته الأخرى من بحوث ودراسات, وخدمة مجتمع؟! وما هذا إلا مثال وحيد على الفرق بين الأنظمة واللوائح, والممارسات والوقائع الميدانية.
بقي أن نهمس في آذان المسؤولين عن الاعتماد الأكاديمي, ومسؤولي الجامعة, ونقول لهم إن الاعتماد الأكاديمي يفترض أن يهتم بالمدخلات والعمليات والمخرجات, لذا فاللوائح والأنظمة والكتيبات هذه كلها مدخلات, أما العمليات فهي ما يتم في قاعة المحاضرة والمختبر والميدان التدريبي والمكتبة لنصل إلى المخرجات المؤهلة التأهيل الذي يتطلع إليه المجتمع .. فهل يعي الجميع هذه الأمور, أم أن بريق الأضواء يخطف أبصارنا وعقولنا في الوقت ذاته؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي