رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


القسمة على أربعة

ثمة ظاهرة طاغية على كثير من كتاباتنا وحواراتنا التي تناقش ما يتصل بشؤوننا العامة وكيفية تخليص تنميتنا من معوقاتها ومجتمعنا من إشكالاته، إذ إن معظم الحلول المقترحة لها تتوازعها توصيات أربع باتت سمات وعلامات مسجلة راسخة تثابر على التناسخ.. وهي: (وضع استراتيجية، تكوين لجنة، إنشاء جهاز، تضمين المنهج) مسبوقة بالكليشة العتيدة: (الحاجة إلى...)!!
لقد مررنا بسنوات استنفار من أجل وضع استراتيجيات قطاعية وأخرى عامة، من التعليم والمياه والتقنية وغيرها إلى الإرهاب والمخدرات والفساد، أما اللجان فتكاد تكون هي الشغل الشاغل لأي قطاع أعمال حكومي أو خاص .. وبالتالي لنا أن نطمئن إلى أن (الحاجة إلى الاستراتيجية واللجنة) قد بلغت حد التشبع والعبرة فقط في أن تنجح الجهات المعنية في ألا تميت اللجنة موضوعها، (وهو ما حذرنا منه والد البيروقراطية «ماكس فيبر») وأن يصبح للاستراتيجية أقدام تسعى بها بين الناس ولا تبقى مجرد كتاب بغلاف زاه على الأرفف وفي الأدراج!!
هناك توصيتان ما زالتا تتبختران في سطور كتاباتنا وفي نبرات حواراتنا هما (إنشاء جهاز والتضمين في المنهج) إذ حين يتم التطرق إلى تعثر المشاريع والبرامج التنموية أو ارتباك الأداء أو تعسر تنفيذه أو تقويمه أو تقاطع الصلاحيات أو انفراط الوقت في اللوم والتلاوم وما شابه ذلك.. نواجه هذه وتلك بنقاشات نخوض فيها تحليلا وتفكيكا، مع اتكاء (ممجوج) على أسطوانة (كما في الدول المتقدمة) دون أن يقال لنا ماذا فعلت بالضبط هذه الدول إزاء قضايا كهذه.. ثم بعد التنظير الذي يأكل بعضه بعضا بين الخطابة واللجوء إلى (المفروض ولا بد والواجب...) ومعهما معزوفة (الشفافية) و(المسؤولية الاجتماعية).. تتبختر التوصية التي تقطع بها «جهيزة» قول كل خطيب معلنة: (الحاجة إلى إنشاء جهاز ..) لماذا؟ كي يؤدي ما لم تؤده تلك الأجهزة.. أليس ذلك هو المعنى؟!
وعلى نحو مشابه، ما إن يقام منتدى من أجل معالجة ظواهر اجتماعية سلوكية سلبية أو للإشادة بمنجز من منجزاتنا والحفاوة به، إلا وتتبختر توصية أخرى عن (الحاجة إلى تضمين المنهج الدراسي نصا توعويا للحفز أو للتحذير) وكثيرة هي المناسبات والكتابات ومجالاتها متعددة ومع ذلك يتم الإصرار على التوصية بتضمين المنهج نصا توعويا كما لو أن المنهج مكب اقتراحات ولإثقاله بحشو يشكو منه أصلا.. بحجة تسليح أجيالنا بكل محاذير الدنيا وامتيازاتها ليصبحوا ليس لهم مثيل لا في الشرق ولا في الغرب!!
والسؤال الذي لا يطرح نفسه هنا بل دائما يتم طرحه رغما عن أنفه: ما الذي يجعلنا نسارع إلى اقتراح تلك التوصيات الأربع؟ أتراها هيمنة النمطية في التفكير والركون إلى الحلول الجاهزة الموجودة أصلا بقضها وقضيضها حية ترزق، ترفل بثياب الصحة والعافية؟! أم أن المسألة مجرد سباق مقترحات من أجل: (اللهم اشهد أني قد بلغت).
الواقع يقول: إن التنفيذ سبق هذا التبليغ طالما أن مشهدنا التنموي ثري بالصروح الوظيفية من مجالس وهيئات ومؤسسات وشركات ووزارات .. فما جدوى الركض والتجديف دوما نحو (إنشاء جهاز) وكأن (الإنشاء بحد ذاته) هو الغاية والوسيلة، مع أنه قد لا يشكل سوى زيادة في ترهل الجهاز الإداري بكل ما قد يلحق به من تبعات مالية وبيروقراطية!!
المأمول من السجال تبصيرنا بالكيفية التي يتم بها حقن الدم الديناميكي في عروق أدائنا وبث الحيوية والتوثب في نفوسنا وخلق الفاعلية الإدارية غير اللوامة أو المسوفة وذلك بالانطلاق من المهام وطبيعة الجهاز ودوره وليس الكتابة رجما بالغيب من أفق «التهيؤات» والتعويل على أن الجديد سيفعل ما لم يفعله القديم!!
أما القول بـ (التضمين في المنهج) فلعله نوع من شطط المبالغة في فرض وصاية على مجال هو في الأساس من اختصاص أهل التربية والمعنيين بها الذين هم أدرى مهما كانت لدينا نزعة لإصلاح الكون!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي