رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


هل البنوك الإسلامية على قدر التسمية؟

في المؤتمر الأخير الذي انعقد في سوريا حول المصارف الإسلامية طالب مفتي سوريا بتحويل اسم البنوك الإسلامية إلى بنوك تشاركية واستدل بدليل من النص والعقل. الدليل المنصوص عليه هو قول الله تعالى: “الحمد لله رب العالمين”، ووجه الدلالة أن الله تعالى قال رب العالمين ولم يقل رب المسلمين، أما الدليل العقلي فهو يرتبط بمصلحة المسلمين ضمن المعطيات الحالية، إذ تسمية البنوك بالتشاركية لا الإسلامية يدخلنا في العالمية حتى لا تسحقنا العولمة على حد استدلال سماحة المفتي، وقد أثار الموضوع ردود فعل متفاوتة، مما دلل على حاجتنا لدراسة متخصصة تستطيع استشراف أثر التسمية والنهج ومدى مصداقية ارتباطه بالتعامل في المؤسسات المالية الإسلامية. وبغض النظر عن تأييدنا أو اختلافنا حول وجهة نظر سماحة المفتي ومن يوافقه فإن المؤسسات التي تنسب إلى الإسلام، أو تعلن عن منهجية إسلامية اختارت أن تكون تحت دائرة المساءلة .. هل هي فعلا جديرة بأن تنسب إلى الإسلام؟ أم من الأفضل أن تنعت نفسها بنعوت أخرى غير الإسلام حتى تبقى في منأى عن المحاسبة من منظور إسلامي كلي؟ أو أن التسمية لا دور لها في الحكم عليها من قبل جمهور المتعاملين؟

البنوك الإسلامية أو أية مؤسسات تصف نفسها عبر اسمها أو نهجها بالإسلامية قد حكمت على نفسها ــ في رأينا ــ بأن تكون في دائرة النظرة الإسلامية المتكاملة، بمعنى أن المسلمين يطلبون منها تعاملا إسلاميا من الألف إلى الياء، إذ في مقابل تسويق نفسها عبر بوابة الإسلامية كان لزاما عليها أن تتخذ الإسلام نهجا في معاملاتها التي لا تكون مقتصرة فقط على المعاملات المالية، بل تشمل أيضا جميع جوانب الأداء والأساليب الإدارية.

نسمع في كثير من الأحيان من المتعاملين مع البنوك الإسلامية أو المؤسسات المالية الإسلامية سؤالا حول حقيقة انتسابها إلى الإسلام طالما أن الموظف لا يتعامل مع الزبون بالمعاملة الإسلامية (الإنسانية) اللائقة من ابتسامة وترحيب وشكر وأبعد من ذلك، إن التسميات الأخرى وأقصد بها التسميات غير المرتبطة بصفة الإسلام أو نهجه من الممكن أن تعفي المصرف من مساءلة جماهيرية شديدة الإلحاح تجاه عدم التعامل بالأسلوب الإسلامي الصحيح، أو تجاه نطق الموظف بطريقة غير مقصودة لفظ الفائدة بدلا من المرابحة، على سبيل المثال، أو تجاه سياسة إدارية أجازت صرف مبالغ ضخمة على مؤتمرات ليست ذات أولوية في الاعتبارات الإسلامية الصحيحة.

إن التسمية تأخذ أبعادا عميقة وأهدافا خاصة ومدروسة، وهي بلا شك نتاج لجلسات متعددة للمستثمرين أو المؤسسين، وتم اعتمادها بناء على فلسفة المؤسسة وتطلعاتها، وبذلك لا تستطيع المؤسسة التي نسبت نفسها إلى الإسلام أو أعلنت عن تبنيها منهج الإسلام أن تعتبر الأمر خاليا من التبعات والمسؤوليات، وأن تحتج بأن الأمر لا يحتاج إلى إثارة ضجة أو حتى تعقيب أو مساءلة. إن المسؤولية المترتبة على حمل اسم الإسلام يترتب عليها مساءلة بحجم المسمى، وبحجم ما ترتب على الاسم والنهج من تسويق وجذب للعملاء الباحثين عن المصرفية الإسلامية أو غيرها.

إن واجب المؤسسات المالية الإسلامية أن تعكس نص وروح الإسلام، وألا تكتفي بتطبيق التعليمات الإدارية بجمود، ولا يعني ذلك تعجيز المؤسسات المالية الإسلامية، بل محاولة بذل الجهد من أجل تطبيق تعاليم الإسلام من استقبال الزبون إلى السياسات الإدارية العليا.

من الممكن للاسم ألا يقدم أو يؤخر، وهذا باتفاق العقلاء ــ على ما نظن ــ بينما فيما يتعلق بمؤسسات كبرى كالبنوك الإسلامية أو التأمين التكافلي أو المؤسسات التنظيمية الأخرى المعنية بإصدار التعليمات الإرشادية فإن نسبتها إلى الإسلام تستدعي الانتباه لتفاصيل العمل، وبما أن المصارف هي مؤسسات خدمية بالدرجة الأولى، وما يميزها هو أفعالها ومدى استقطابها للعملاء، فإن ذلك يوضح حجم واتجاه المسؤولية الدينية، وطالما أنها أخلصت لما نسبت إليه فلن يكون الاسم قضية خلافية أو جدلية. إلا أن الظروف التي يفرضها الواقع الآن من محاربة للإسلام بأشكال متعددة، وبطرق استفزازية ومنها نعته بالإرهاب، إضافة إلى تحامل مقصود بالرغم من أنه مرفوض عقلا ودينا، كل ذلك من شأنه أن يستدعي وصف الأعمال الناجحة في ديار المسلمين والإصرار على نسبتها إلى الإسلام من أجل أن نعلن عن عالمية الإسلام. بيد أن الفرصة سانحة الآن بعد الأزمة المالية العالمية، التي شهد الخبراء بأنها أزمة أخلاقية بالدرجة الأولى، للمؤسسات المالية الإسلامية أن تعبر عن الإسلام الناجح بصورة أفضل عبر المعاملات المالية الإسلامية وخصوصية الأداء، وبنظرة فاحصة نستطيع القول إن الاقتصاد الإسلامي مرشح لأن يكون قبلة للباحثين الذين ينشدون بديلا أخلاقيا متوازنا يحمل في طياته علاجا ناجعا عبر قواعد وضعت منذ أكثر من ألف وأربع مئة عام سواء أكانوا من المسلمين أم من غيرهم، لذلك نحن بحاجة لأن ترتقي البنوك الإسلامية في أدائها لتتناسب مع عِظم الصفة التي نَسبت نفسها إليها وهي الإسلام، وليس شرطا أن تغير اسمها للدخول إلى العالمية.

إن مما ندركه كمسلمين أن من يدعي أمرا وهو ليس بأهل له، أو من يعمل لمجرد جني الأرباح ولتحقيق أبعاد ومصالح شخصية أو لغايات تجارية خالصة دون الالتفات إلى المسؤولية الدينية، معرض لخطر أن يفقد أجره يوم القيامة، وبذلك مفهوم المخاطر في الإسلام .. ليست مقتصرة على مخاطر السوق أو الائتمان أو التشغيل أو معايير كفاية رأس المال، بل إن المخاطر تستلزم تفهم الإدارات والعاملين بهذه المؤسسات حجم المسؤولية الملقاة على عواتقهم، وبذلك نحن بحاجة لنظرة أبعد وأعمق من مجرد معايير، تنتقل من بُعد التنظير إلى التطبيق، وتحرص حرصا أبعد من المسؤولية المدنية أو التجارية أو القانونية أو التطبيقات المالية لنصل إلى تجربة يتكامل فيها العمل المالي الإسلامي ويعلن عن خصوصيته نصا وتطبيقا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي