رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل التخصص شرط لإبداء الرأي؟

لم أكن أنوي ولا كنت أود العودة للكتابة عن موضوع الطاقة النووية، الذي كنت قد أبديت فيه رأيي في مقالي الأخير، (صحيفة ''الاقتصادية'' 25 نيسان (أبريل) 2010م)، وذلك بعد ما سُعدنا بصدور التوجيهات الملكية الكريمة من خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله - بإنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمُتجددة، وأقام عليها من خِيرة الرجال والمتخصصين في هذا المجال الذين سوف لا يألون جُهداً في دراسة جدوى جميع استخدام وتطبيقات العلوم الذرية في مجالات الحياة كافة، وعلى وجه الخصوص توليد الطاقة الكهربائية. ومن حكمته - وفقه الله - أنه ضمن تلك التوجيهات شمول جميع مصادر الطاقة المتجددة، وفي مُقدمتها دون شك الطاقة الشمسية.
 وكان أحد الإخوان الأفاضل قد نشر مقالاً في صحيفة ''الاقتصادية''، يوم 29 نيسان (أبريل)، 2010م، ينتقد فيه ضمنياًّ الآراء التي سبق أن ذكرتها في مقالي آنف الذكر وهو أن دول الخليج اليوم ليست مؤهلة علمياًّ ولا عملياًّ للدخول مباشرة في توليد الطاقة من المفاعلات النووية. وكون بعض الدول الخليجية تعاقدت مع شركات أجنبية من أجل تصميم وبناء توليد للطاقة النووية ومن ثم الاستمرار في تشغيلها إلى ما شاء الله، فهو أمر يخصهم وحدهم، وليس من الضروري أن نُقلدهم فيما يخُصنا نحن. ونود أن نزيد في التوضيح، أننا، من حيث المبدأ، لسنا ضد إنشاء مرافق توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الذرية في المستقبل عند ما يكون لدينا بنية تحتية مُتكاملة تسمح لنا على أقل تقدير بتشغيل وصيانة تلك المرافق والحفاظ على سلامتها. أما أن نطلب من جهات أجنبية القيام ببناء وإدارة مرافق التوليد وتشغيلها وصيانتها لسنوات طويلة فلا نعتقد أن ذلك يصب في مصالحنا ولا يتناسب مع مُتطلبات سيادتنا القومية، ونحن نتحدث عن مصدر شريان الحياة في المجتمع الحديث. والحمد لله أن لدينا اختيارات أفضل وبأقل تكلفة وأكثر أماناً وأسهل تشغيلاً، إلى جانب كون تقنيتها تتحسن وأسعار موادها تميل إلى الانخفاض مع مرور الوقت، وهي الطاقة الشمسية الرحبة.
 وكان الكاتب قد قلل من قيمة تجارب الآخرين مع توليد الطاقة الذرية خلال السنوات الماضية، وعزاء مُحاولة بعض رموز الحكومة الألمانية التخلص من المرافق النووية الموجودة هناك على أنه يعود إلى ارتفاع تكلفة صيانة تلك المرافق القديمة، مع أن عمر معظمها أقل من 30 عاملا، مقارنة بعمرها الافتراضي الذي يتجاوز الـ 50 عاماً. وإذا افترضنا جدلاً أن ما ظنه الكاتب قريب من الصحة، فلماذا لم يذكر الألمان أنهم سيقومون بإنشاء مرافق جديدة بتكنولوجيا مُتطورة لتحل محل القديمة، وهم أصحاب الخبرة والمعرفة؟ ومع ذلك اختاروا بناء محطات توليد من الطاقة الشمسية حتى ولو كان ذلك خارج حدودهم، ولأنهم يُدركون أن المستقبل هو للطاقة الشمسية التي لن ينضب معينها. كما ذكر الكاتب أن الظروف الاقتصادية الدولية غير العادية والأزمة المالية الحالية اللتين تسودان العالم حالياًّ، ربما تكونان السبب في رفع التكاليف المُقدرة للمشاريع النووية بنسبة تزيد على الـ 50 في المائة قبل الانتهاء من بناء مرافق توليد الطاقة الجديدة. وبصرف النظر عن الأسباب الحقيقية، فإن ذلك يجب أن يؤخذ في الحسبان من جانب الجهة التي تنوي بناء مثل تلك المُنشآت، وهو ما يعني ارتفاع التكلفة مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى. والأمثلة التي ذكرتها في مقالي السابق كانت من مصادر موثقة وروابطها مذكورة، وليست كما يظن الكاتب بقوله، ''والبعيدون عن سلك المشاريع وبناء الوحدات الصناعية مُجملاً عليهم ألا يستعرضوا رؤاهم بتعجل من خلال فهم قاصر يستمد شواهده (من) معطيات عامة إعلامية وليست دقيقة ومُتعمقة، مليئة بصرخات مُدوية مضمونها التشويش بالاستنزاف في التكلفة الإنشائية واستغلال الآخرين لمقدراتنا الاقتصادية (!) في مشاريع غير مُجدية''. أنا لم أفهم ماذا يعني الكاتب بهذه الجملة الطويلة المُقوسة ولا منْ يقصد بها، ولكننا نُذكره أن لكل مواطن الحق في أن يُبدي رأيه حسب رؤيته سواء أصاب أم لم يُصب في نظر الآخرين. ولن أعلق أكثر على كل جملة ذكرها الكاتب كانت في نظري تستوجب التعليق.
ونود أن نؤكد أن الكثير من البنوك العالمية وبيوت الأموال أصبحت أقل استعداداً اليوم لمنح القروض من أجل تمويل المشاريع الذرية، كل ذلك بسبب المخاوف من فشل تكملة بنائها كما هو حاصل مع بعض المُنشآت الحديثة. ولعل عدم ثبات التقديرات الأولية لبناء مرافق توليد الطاقة الذرية يعود إلى طول المدة التي عادة ما يستغرقها إكمال المشروع من بداية التخطيط إلى بدأ التشغيل، التي قد تتراوح بين خمس إلى عشر سنوات. بينما بناء مرافق توليد الطاقة الشمسية من الممكن استكماله في غضون ثلاث سنوات. وهناك ميزة أخرى لمنشآت الطاقة الشمسية وهي الاستفادة السريعة من تجارب بناء وتشغيل المرافق الأولى وتطبيقها على المنشآت الجديدة لتكون أفضل أداء في خلال سنوات قليلة. والكثيرون منا يتغاضون عن ذكر النفايات النووية المضرة بالبيئة وخطورتها على الحياة البشرية والحيوانية، والتي من المستحيل التخلص منها بطرق آمنة وسليمة.
 ولنترك الموضوع الآن بأيدي هذه النخبة المباركة التي اختارها خادم الحرمين الشريفين ووضع ثقته الكريمة فيهم، لتتولى دراسة مستقبل توليد الطاقة الذرية، وهم ـ وفقهم الله ـ سيُقدمون أفضل السبل والاختيارات المُتاحة لتوليد الطاقة الذرية والمُتجددة. وإلى جانب ذلك فإنهم ـ بإذن الله ـ سيُسهمون مساهمة فاعلة في توحيد الجهود وتنظيم أعمال وبحوث جميع ما يتعلق بمستقبل استخدامات الذرة في المملكة، في المجالات الطبية والزراعية والغذائية والصناعية وإنشاء المراكز التعليمية والبرامج التدريبية التي تُؤهل الشباب للتمكن من التعامل مع هذه التقنيات الحديثة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي