القانون الصحي الجديد في أمريكا .. الدروس المستفادة

القانون الجديد الذي أقره الرئيس الأمريكي باراك أوباما يسمح بتوفير الرعاية الصحيه لأكثر من 32 مليون أمريكي لا يحملون وثيقة تأمين صحي، كما يهدف إلى توفير تغطية صحية لنحو 95 في المائة من الأمريكيين دون سن 65 سنة. ولعلي في مقالات سابقة تحدثت عن بعض الصعوبات التي واجهه إقرار هذا القانون سواء التحديات التي سبقت إقراره أو التحديات المتوقعه بعد إقراره. كما تحدثت عن أهم المستفيدين من القانون الجديد وانعكاس القانون على العلاقة المستقبلية بين شركات التأمين ومزودي الخدمات الصحية والمستفيدين من الخدمة الصحية.
ولعلي في هذا المقال أشير إلى بعض الدروس المستفادة من هذا التعديل الاستراتيجي في النظام الصحي الأمريكي. النظام الصحي الأمريكي نظام معقد متعدد الأنظمة لكنه في مجمله يصنف كنظام صحي خاص أو تجاري, فالحكومتان الفيدرالية والمحلية لهما دور محدود في تمويل الخدمات الصحية, وإن كانت الحكومة الفيدرالية تتولى توفير الرعاية الصحية لمن هم فوق 65 سنة بينما تتولى الولايات توفير الرعاية الصحية لأصحاب الدخل المحدود. علاوة على ذلك تدعم الحكومة الأمريكية البرامج الصحية الخاصة بالأطفال والعسكريين وغيرها من البرامج.
لكن تظل الأغلبية العظمى من الشعب الأمريكي تحصل على الرعاية الصحية وفق مبدأ تجاري, لذا فإن التغيير الجديد في القانون الصحي يدل على أن الحكومات لا ينبغي لها أن تكتفي بدور تشريعي وتنظيمي بمعزل عن الجانب التمويلي. لقد ذكر الدكتورأرنود, وهو دكتور في جامعة هارفر ورئيس تحرير سابق لمجلة وأحد خبراء السياسة الصحية ومحرر سابق في إحدى أشهر الدوريات العلمية The New England Journal of Medicine في إحدى المناسبات التي دعي للحديث عن مقارنة النظام الصحي الأمريكي بنظيره الكندي ''إن النظام الصحي الأمريكي يعد مثالا واضحا عندما تترك شركات التأمين ومزودي الخدمات الصحية من القطاع الصحي الخاص تتنافس حسب المعادلة الاقتصادية. لأن الخدمات الصحية ببساطة تختلف ولا تنطبق عليها القواعد الاقتصادية. فشل القطاع الصحي الخاص ''في أمريكا'' في إدارة الخدمات الصحية يعد درسا تحذيريا للنظام الكندي من أن عليهم عدم تصديق دعوة المستثمرين ورجال الأعمال في القطاع الصحي الخاص من أن ترك المجال لهم سيضيف قيمة إيجابية ودورا إيجابيا في تقليل التكلفة العلاجية عن طريق المنافسة العادلة مع القطاع الصحي الحكومي, فهي دعوة ببساطة غير صحيحة. ثم ذكر البروفيسور إن كان الكنديون يعتقدون أن الحصول على الخدمات الصحية الجيدة حق للجميع، فإنه يجدر بهم عدم السماح للخدمات الصحية الخاصة بتدمير النظام الصحي الكندي للتأثير السلبي في جودة الخدمة وارتفاعها. النظام الصحي التجاري لا يحمي القيم الأساسية للرعاية الصحية بل يدمره. ثم ذكر البروفيسور أرنولد أن ''خصخصة الخدمات الصحية - بمفهومها الشمولي - يستفيد منه فقط المستثمرون ومالكو الخدمات الصحية''.
لا شك أن تكامل تقديم الخدمة الصحية بين مزودي الخدمات الصحية وشركات التأمين وممول الخدمات الصحية - بما في ذلك آلية تمويل الخدمات الصحية - وكيفية تقديم وتلقي الخدمات الصحية, فيها من التعقيدات والاختلافات ما يجعل المهتمين بالسياسات الصحية يختلفون في كيفية ضبط هذه العلاقات المعقدة والوصول إلى نموذج مثالي لكيفية ربط هذه المكونات بعضها مع بعض. من أهم الدروس المستفادة أن الصرف على الخدمات الصحية لا يعني بالضرورة وصول الخدمات الصحية إلى مستحقيها, فأمريكا كانت تصرف في حدود 16 في المائة من دخلها القومي على الصحة عن نهاية العقد الماضي ومع ذلك لم تصل الخدمة لكل مستحقيها. فأحد أهم التحديات التي يواجهها القطاع الصحي تتعلق بكيفية إدارة مواردها المالية وفق أولويات الاحتياج والشريحة الأكثر أهمية في تلقيها كالأطفال وكبار السن وأصحاب الدخل المحدود.
ختاما يظل الدور الحكومي سواء من الناجية التشريعية أو من الناحية التمويلية مهما جدا لضمان حصول الرعاية الصحية لجميع فئات المجتمع وفق مبدأي العدالة والمساواة. 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي